الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

من مظاهر التدين المغشوش.. التسابق لزخرفة بيوت الله ورفض إعمار بيوت الفقراء !

من مظاهر التدين المغشوش.. التسابق لزخرفة بيوت الله ورفض إعمار بيوت الفقراء ! ينفق المحسنون الملايير على المساجد ويرفضون إنفاقها لانتشال أناس من الفقر
يعيش اﻹنسان في هذا الكون الفسيح، الذي أودع الله فيه جميع مقومات الحياة؛ من طعام وشراب وهواء وسماء وتراب وماء وثمار وجبال وأحجار وبحار.. فأنزل الله الكتب، وأرسل الرسل لهذا اﻹنسان للأخذ بيده الى معرفة ربه وخالقه، مع اعطائه الحرية الكاملة في اختيار عقيدته " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". وقوله تعالى "وهديناه النجدين.. ". وقوله "..إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا". وقوله " لا إكراه في الدين". و "لكم دينكم ولي دين" ...
وفي هذا الجو من الحرية المطلقة، هناك من اختار عبادة البقر، وهناك من اختار عبادة الحجر، وهناك من اختار عبادة البشر، وهناك من اختار عبادة الواحد اﻷحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. 
لهذا القرآن الكريم منع منعا باتا أن تسب هذه اﻵلهة التي اختارها أصحابها آلهة من دون الله؛ حتى ﻻ يسب المعبود الحق جل جلاله. قال تعالى : "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم، ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون.. " .. وحقيقة العبادة في الإسلام - لا كما يفهمها بعض المتدينين اليوم- فهي كثيرة ومتنوعة، كالبر والإحسان ومحبة الوالدين، والصلاة والصيام والحج والزكاة، وصلة الأرحام، والصدق في الحديث، والأمانة والوفاء بالعهود والمواثيق، ومساعدة المحتاج والملهوف، والذكر والدعاء وقراءة القرآن، والتوكل على الله والتوبة والاستغفار، وكفالة الأيتام والصدقة على الفقراء والأرامل وإبن السبيل، وطاعة أولي الأمر، والسعي على العيال..كذلك الصبر والشكر والرضا والخوف والرجاء والحياء، وتربية الأولاد والدجاج والحمام والأرانب، ورعي الإبل والبقر والغنم، وصيد الأسماك في أعالي البحار.. 
فأي عمل يقوم به المسلم، ويساهم من خلاله في إصلاح هذا الكون، وإعماره بما ينفع الناس، بنية حسنة يرجو الجزاء والثواب من الله، فهو عبادة وجهاد في سبيل الله. يقول تعالى في كتابه العزيز: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون". 
وفي هذا السياق دعا رسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس وقال: "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل". وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: "من يريد الله به خيرا يفقه في الدين". والفقه هنا -حسب فهمي الشخصي المتواضع- يشمل جميع مناحي الحياة الإسلامية، من فقه في الأنفس والآفاق، والجبال والبحار والجغرافيا، وفقه سياسي واجتماعي..
غير أن مفهوم العبادة عموما، والفقه على الخصوص عند المسلمين وعبر تاريخهم الطويل، ظل يضيق رويدا رويدا حتى أصبح محصورا في زاوية الحيض والنفاس، والاستنجاء والاستجمار..هذا الجمود والفهم المنقوص للرسالة الإسلامية العالمية، ورسالة القرآن على الخصوص، أدى إلى تأخر الأمة المسلمة وعجزها على مسايرة قطار الحياة؛ بالإضافة إلى انعدام دور الفقهاء والعلماء والمشايخ في إيجاد حلول ناجعة لهذه المستجدات والأقضية والهموم والمشاكل التي  تتخبط فيها الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها، الفقر والظلم والجوع والبطالة والجهل والمذهبيات والحزبيات، والزبونية والمحسوبية وأكل أموال الناس بالباطل. مما دفع بالكثير من شبابنا الإسلامي إلى الإرتماء في أحضان اﻹلحاد والإرهاب والهجرة والتطرف والتكفير وقتل الأبرياء، بحثا عن حياة سعيدة مريحة في عالم غيبي جميل فقدوه في حياتهم اليومية..!! 
يقول صبيح: "إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا. نظام الدين بالمعرفة والعبادة، لا يتوصل إليها إلا بصحة البدن، وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات، من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية. وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة، وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يفرغ للعلم والعمل، وهما وسيلتان إلى سعادة الآخرة..".
فجهلنا بفرائض وسنن كتاب الله المنشور"الكون" التي تتماشى جنبا إلى جنب مع فرائض وسنن كتاب الله المسطور"القرآن"، تعرض مفهوم "الفقه" عند المسلمين للإجحاف والحيف، كما تعرض كذلك مفهوم "الجهاد في سبيل الله" إلى التضييق والإختزال والإنزواء في زاوية مظلمة محددة..! فترى المسلم عموما سخيا كريما في المساهمة في إعمار بيوت الله تعالى وزخرفتها، بخيلا شحيحا محجما في إعمار بيوت الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين؛ مع العلم أن كفالة يتيم واحد ترقى بصاحبها وتوصله إلى جوار النبي صلى الله وعليه وسلم في الجنة. عن سهل بن سعد، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا..كما تجد كذلك بعض شبابنا الإسلامي فرسان في ميادين القتال والتفجير والتخريب، وقيام الليل وقراءة القرآن، وصيام الإثنين والخميس، ضعفاء جبناء أقزام في إقامة المرافق العامة، وتشييد المنشآت الإجتماعية والتربوية والتعليمية والصحية، من مستشفيات ومدارس ومعاهد وساحات خضراء، ومؤسسات فكرية وثقافية وخيرية، ترعى الفقراء والمرضى والعجزة وأصحاب العاهات...
 وما أود الوصول إليه هو عدم فهمنا الصحيح لجوهر الدين وروحه، تسابقنا على زخرفة بيوت الله وإنشائها بملايير من الدولارات، ومن ورائنا وأمامنا آلاف مؤلفة من البطون الجائعة تشتكي أمرها إلى الله، وهذا -في الحقيقة- نوع من أنواع التدين المغشوش والفهم المنقوص لرسالة الإسلام الخالدة، التي أتت لتخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ورحمته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول في كلمة جامعة مانعة: "والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه" .