الخميس 28 مارس 2024
سياسة

أحمد نورالدين: ليس لإسبانيا خيار آخر غير تقديم زعيم الانفصاليين إلى المحاكمة

أحمد نورالدين: ليس لإسبانيا خيار آخر غير تقديم زعيم الانفصاليين إلى المحاكمة الأستاذ أحمد نورالدين (يسارا) وزعيم ميليشيات البوليساريو إبراهيم غالي

في إطار الفضيحة السياسية التي شهدتها إسبانيا، وأسالت الكثير من المداد وردود الأفعال، وذلك إثر استقبالها لـ "الجلاد" إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات البوليساريو، بدعوى الاستشفاء تحت هوية مزورة وجواز مزور؛ ارتأت "أنفاس بريس" أن تفتح بابها لاستقاء وجهات نظر بعض ضحايا انتهاكات جبهة البوليساريو، وكذا بعض النشطاء الحقوقيين والجمعويين بخصوص هذا الموضوع...

وفي ما يلي وجهة نظر أحمد نورالدين، مختص في قصية الصحراء من خلال هذا الحوار:

                                     

+ كيف تقرأ فضيحة استقبال إسبانيا لإبراهيم غالي إذا علمنا أن المعني بالأمر متابع من طرف القضاء الاسباني بسبب ارتكابه جرائم ضد الإنسانية تتعلق بالاحتجاز والتعذيب والاغتصاب؟

- أولا، هي نهاية لأكذوبة جمهورية تندوف الكارتونية، فالكيان الذي يزعم أنه دولة لا يستطيع زعيمه التنقل للعلاج خارج الجزائر، حاضنة الانفصال وراعيته، إلا بانتحال صفة وتزوير هوية. لقد دخل زعيم الانفصاليين بجواز سفر دبلوماسي جزائري منتحلاً صفة محمد بن بطوش، الذي يبطش باللاجئين في تندوف، ودخل كاللص متخفيا إلى إسبانيا، قبل أن ينكشف أمره ويصبح نكتة سمجة للتندر والسخرية.

هي فعلا فضيحة سياسية ودبلوماسية وأخلاقية بكل المقاييس، على اعتبار أنّ الحكومة الإسبانية قبلت التواطؤ مع الجزائر في تزوير هوية زعيم الانفصاليين ودخوله أراضيها بتنسيق مع النظام العسكري الجزائري، وبذلك تكون الحكومة الإسبانية شريكة في جريمة انتحال صفة بغرض التهرب من المساءلة والاعتقال وتضليل القضاء الإسباني الذي أصدر مذكرتَيْ اعتقال في حق إبراهيم غالي سنتي  2016  و2017 بتهم مختلفة منها اغتصاب صحراويات داخل مخيمات تندوف، والتعذيب والاعتقال والاحتجاز خارج القانون والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية، والاغتيال والتحريض على القتل، والاختطاف والعنصرية ضد مكونات قَبَلِيَّة بعينها، وتجنيد أطفال واستغلالهم في نزاع مسلح، وتهجير أطفال وانتزاعهم من عائلاتهم، وممارسة العبودية والرق في المخيمات، وغيرها من الجرائم. بالإضافة إلى أنه كان مطلوباً لدى المحاكم الإسبانية منذ 2008 في جرائم ارتكبها ضد مواطنين إسبان من جزر الكناري ما بين 1976 و1989. أمام هذا الصك من الاتهامات التي تندرج ضمن لائحة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لا يمكن لحكومة تحترم القانون أن تساهم في إفلات مجرم من العقاب تحت أي ذريعة كانت.

 

+ كيف تبرر إسبانيا موقفها إزاء المغرب الذي عبر عن غضبه باستدعاء سفيرها بالرباط قصد طلب توضيحات في الأمر؟

- في البداية تكتمت الحكومة الإسبانية على الأمر، وبعدما تسرب الخبر إلى منابر إعلامية أوروبية بالخصوص، حاولت الجبهة الانفصالية تضليل الرأي العام الدولي وكذّبت الخبر من خلال تصريح البشير مصطفى السيد، مستشار الزعيم الكارتوني، الذي نفى تواجد إبراهيم غالي في إسبانيا للعلاج، بل وزعم أن كبير الانفصاليين يوجد في مستشفى جزائري لتلقي العلاج بعد إصابته بفيروس كورونا. وهذا دليل آخر على حجم التضليل والكذب والبروبكاندا التي تمارسها الجبهة الانفصالية.

ولكن في الأخير اضطرت وزيرة خارجية إسبانيا أرانشا غونزاليز يوم الجمعة للاعتراف بدخول زعيم العصابة الانفصالية إلى إسبانيا لأسباب «إنسانية». ولكن هذه الحجة لا تصمد أمام التساؤلات التي طرحتها وزارة الخارجية المغربية على السفير الإسباني، فلو كانت الأسباب إنسانية فلماذا دخل بهوية جزائرية مزورة ولم يدخل باسمه الحقيقي؟ إلا إذا كان الغرض هو التحايل على القضاء وعدم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة. ثمّ لماذا تسترت إسبانيا على الحادثة ولم تبلغ بها السلطات المغربية في إطار الشفافية بين شريكين تجمعهما اتفاقيات قضائية وأمنية وشراكة استراتيجية؟ وهو أمر خطير سيقوض الثقة والمصداقية في التعاملات المستقبلية في الملفات الحساسة وخاصة منها قضايا الإرهاب والهجرة والجريمة المنظمة. وأخيراً لماذا لم يتم وضع زعيم تندوف تحت المراقبة القضائية في انتظار الانتهاء من العلاجات ومن ثم اعتقاله وفقاً لمذكرات القضاء الإسباني؟ وهذا يطرح سؤالا عريضاً عن حقيقة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية في بلد الجنرال فرانكو، مع كامل التحفظات في انتظار ما سيصدر عن المحاكم الإسبانية.

 

+ أليست اسبانيا في ورطة حقيقية خاصة أمام ضحايا تعسفات غالي؟

- ليس هناك من خيار أمام إسبانيا غير تقديم زعيم الانفصاليين في تندوف إلى المحاكمة، فهناك مذكرتان دوليتان باعتقاله صادرة عن القضاء الإسباني، والضحايا منهم مواطنون إسبان، ومغاربة من أبناء الأقاليم الجنوبية. ثم إنّ إسبانيا مطوقة بحالة قضائية أضحت تشكل سابقة وعرفاً قضائياً في هذا البلد لا يمكن تجاوزه، وهي محاكمة الرئيس الشيلي الأسبق الجنرال أوغيستو بنوشي، الذي اعتقل في بريطانيا وسلم إلى القضاء الإسباني سنة 1998، رغم أنه رئيس حقيقي وليس كارتونيا كإبراهيم غالي، ورغم أن الضحايا ليسوا إسبان بل من الشيلي، ورغم أنّ الجرائم لم تقع فوق التراب الإسباني. وقد استند القضاء الإسباني في ذلك إلى مبدأ «عالمية الاختصاص القضائي» خاصة حين يتعلق الأمر بجرائم بشعة أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وهو ما ينطبق على المطلوب لدى العدالة إبراهيم غالي.