الاثنين 29 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: المخاطر التي تتهدد مستقبل الجزائر

محمد بوبكري: المخاطر التي تتهدد مستقبل الجزائر محمد بوبكري
تعرف الجزائر اليوم غليانا غير مسبوق، حيث هناك صراع مرير بين أجنحة جنرالات الجيش، كما أن هناك احتقانا في الشارع الجزائري قد يؤدي إلى حراك يمكن أن تنجم عنه قطيعة بين الشعب والجنرالات الفاسدين الجاثمين على صدره، بغية التحكم في رقابه. ثم هناك مناخ إقليمي ودولي رافض للممارسات التوسعية لحكام الجزائر.
وفي هذا الجو المشحون، يتساءل المهتمون بالشأن الجزائري عما سيحدث فيها قريبا. لا أدعي أنني أمتلك أجوبة قطعية على كل الاسئلة التي تفرضها هذه الوضعية، لكنني سألجأ في هذه الورقة القصيرة إلى التقاط بغض المؤشرات وقراءة ما وراء الوقائع والأحداث، وأحاول المقارنة بينها وربط بعضها ببعض.
تتسم الوضعية الحالية في الجزائر بعودة الجنرال توفيق مسؤول المخابرات الجزائرية السابق وتبرئته الكاملة من كل الجرائم التي سبق أن نسبت إليه.
وتعني هذه التبرئة أن الجنرال "القايد صالح" قد ظلمه، ما يفيد أن الجنرال توفيق يتجه نحو الهيمنة على الدولة؛ فهو لا يقبل أن يتم الحكم عليه بالسجن، ولو لمدة ساعة، وكأنه لم يرتكب التهم الموجهة إليه. هكذا، غادر السجن ببراءة كاملة، كما عاد إلى الجزائر الجنرال خالد نزار الذي سبق أن هرب إلى الخارج، واستقر في إسبانيا، حيث يمتلك عقارات ومنشآت كثيرة. وقد عاد هذا الجنرال إلى الجزائر بجواز سفر دبلوماسي وعلى متن طائرة رئاسية خاصة.
وبعد وصوله إلى مطار الجزائر، قدمت له التحية العسكرية، ومشى على أرضية المطار التي كانت مفروشة بزرابي حمراء.
أما الجنرال طرطاق، فقد بقي في السجن لأن له حسابات قديمة مع كل من الجنرالين توفيق ونزار وأتباعهما، حيث يعتبرون أنه خانهم نتيجة تقاربه مع سعيد بوتفليقة وأخيه عبد العزيز، حيث تم تعيينه في سنة 2014 مديرا للمخابرات بدل الجنرال توفيق، ما يعني أنه لن يغادر السجن. ولن يسمح كذلك لسعيد بوتفليقة بمغادرة السجن، لأن للجنرالات حسابات قديمة معه كذلك.
ومن المحتمل أن يتم إطلاق سراح الجنرال باي الذي يعد من كبار المجرمين، حيث كان قائدا للمنطقة الأولى، ثم الثانية إلى أن تمت الإطاحة به في سنة 2018.
وقد يعود الجنرال شنتوف من منفاه الإسباني، كما من المحتمل أن يعود الجنرال عبد الرزاق الشريف وآخرون. أضف إلى ذلك أنه من المحتمل أن يتم إطلاق سراح ضباط آخرون تجمعهم علاقات بهذين الجنرالين. هكذا ستكون الجزائر أمام جيل من قدماء الجنرالات المجرمين الذين سيتحكمون فيها من جديد، حيث سيتضامنون فيما بينهم رافعين شعار" إما البقاء أو خراب الجزائر". ويعني ذلك أنهم يربطون استمرار الكيان الجزائري في الوجود باستمرارهم في السلطة.
ولذلك، فقد سخروا كل وسائل الإعلام للترويج لضرورة استمرارهم في السلطة لأن في ذلك إنقاذا للجزائر وضمانة لاستمرار كيانها في الحياة، حسب رأيهم. ويعني ذلك أن هؤلاء الجنرالات سيعودون إلى السلطة بقوة وعجرفة، وسيفتكون بكل من يعترض على عودتهم وتحكمهم في كل شيء. وقد يقود ذلك إلى كوارث ومآس يشيب لها الولدان.
إضافة إلى ذلك، تتميز الوضعية الحالية في الجزائر باستفحال الأزمة الاجتماعية، إذ من المحتمل أن يفقد مئات الآلاف من الجزائريين مصادر عيشهم، كما أن الأسعار قد ارتفعت وستزداد ارتفاعا، حيث سترتفع أسعار الماء والكهرباء والغاز.... ومن المتوقع جدا ألا ترتفع أسعار البترول والغاز في السوق الدولية، كما أن استهلاك هاتين المادتين سيرتفع في الجزائر.
أضف إلى ذلك أن الجزائر عاجزة اليوم عن إنتاج الحصة المخصصة لها من قبل منظمة الدول المصدرة للبترول والغاز؛ ويعود ذلك إلى الأعطاب المختلفة التي يعيشها هذا القطاع على المستويين التقني والتدبيري.
كل ذلك سيفرض على الجنرالات اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، الأمر سيفرض على الجزائر شروطا ستعمق الأزمة الاجتماعية... وهذا ما يدل على أن حياة الجزائريين قد صارت جحيما، حيث سيستفحل احتقار الحكام للشعب، وتتضاعف الغرامات. كل هذه الظروف تنذر بإمكانية حدوث انفجارات اجتماعية في أي لحظة. لهذا فإن هؤلاء الجنرالات يعملون جاهدين للحيلولة دون وقوع حراك اجتماعي؛ فهم مستعدون للانتقام من الشعب الجزائري الذي سبق أن قام بحراك أدى إلى اعتقال بعضهم، وهروب البعض الآخر إلى الخارج. هكذا، فهم يعون أن عودة الحراك الاجتماعي إلى الجزائر من جديد قد تؤدي إلى رحيلهم وزوالهم، وهم يرفضون ذلك قطعا. لذلك نجدهم مستمرين في خداع الشعب الجزائري، حيث يقدمون أنفسهم إعلاميا بكونهم ضرورة لاستمرار الدولة الجزائرية في الوجود. وبذلك، فهم يقدمون أنفسهم بكونهم وطنيين كبارا، وذلك رغم أنهم لا يؤمنون بالوطن في أعماقهم، بل إنهم ينسفونه نسفا عبر التسلط والقمع والسطو على أموال الوطن وتهريبها إلى الملاذات الضريبية بالخارج. ويدل على ذلك على أنهم لا يثقون في الوطن، ولا في الجزائريين.
لذلك، فهؤلاء الجنرالات يكرهون الشعب الجزائري لأنهم يشعرون أنه قد ينخرط في الحراك ضدهم، وليس مستبعدا أن يلجؤوا إلى اغتيال بعض قيادات الحراك هذه المرة. لقد صار معلوما لدى الرأي العام والمهتمين أن كلا من الجنرال توفيق وخالد نزار سبق لهما أن اخترقا تنظيمات الإسلام السياسي التكفيري، ووظفاها في اغتيال معارضيهم، حيث قد نسمع مستقبلا عن مقتل عشرة أشخاص هنا، وعشرين شخصا هناك، وسيتم إلصاق هذه الجرائم في تنظيمي "القاعدة" و"داعش"... هكذا سيقوم الجنرالات بتخويف الجزائريين حتى يصدوهم عن الانخراط في الحراك. كما لا يستبعد في الأيام المقبلة أن يقوم الجنرال "سعيد شنقريحة" وأتباعه بتنظيم حفل استقبال في وزارة الدفاع على شرف كل من الجنرال خالد نزار والجنرال توفيق، حيث قد يتم توشيحهما بميداليتين رفيعتين...
ويرى بعض الملاحظين من الداخل أنه من المحتمل جدا أن يقدم هؤلاء الجنرالات على إقالة حكومة عبد العزيز جراد، كما قد يعملون على التخلص من كل من الجنرال علي بن علي و" عبد المجيد تبون"، حيث قد يتم ذلك قبل نهاية سنة 2021. وبذلك، سينتقمون من الجميع، بل حتى من أولئك الذين ساعدوهم على العودة إلى السلطة. ويعود ذلك إلى أن الفريق الجديد القابض على السلطة في الجزائر يرفضهم.
لقد اعتاد توفيق وجنرال على تسيير الدولة من وراء حجاب. فتوفيق يخفي صورته، ويخاف من أن يراه الناس ويعرف الرأي العام ما يقوم به، ما يعني أنه يخاف من الشعب. كما أن الجنرال نزار يعرف أن مبغوض ومرفوض من قبل الشعب الجزائري. وهذا ما جعلهما يعيشان في الخفاء حتى يتمكنا من تحريك كل شيء والتحكم فيه.
هكذا، يوجد الشعب الجزائري أمام دولة الجنرالات، التي تتعارض جذريا، من حيث طبيعتها، مع الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وما تقتضيه من حرية وتعددية وتناوب ومؤسسات. فدولة الجنرالات هي دولة العنف والفساد، وبالتالي فهي دولة الفشل. ونظرا لوعي الشعب الجزائري بكل جوانب هذه الوضعية، فمن المحتمل جدا أن يكون هناك حراك قد يؤدي إلى اصطدامات لن نستطيع التنبؤ بنتائجها وعواقبها.
لكن تبعا لما نتج عن الحراك السابق من اعتقال لبعض هؤلاء الجنرالات وإبعاد لهم، فمن المحتمل أيضا أن يلجأ بعض الجنرالات إلى قبول الانفتاح على المجتمع، ما قد يؤدي إلى انقلاب الجنرالات على بعضهم البعض من أجل تبرئة الذمة على حساب الآخر. وبذلك يمكن أن تتهيأ شروط للحوار لبناء فضاء سياسي. وهذا هو السيناريو السليم الذي قد يفضي إلى خلق شروط لانتقال ديمقراطي... أما إذا تمسك الجنرالات بعجرفتهم وتعنتهم وعنفهم، فإن الجزائر قد تعرف فتنا يمكن أن تنتج عنها مآسي تضطر الأمم المتحدة، استجابة للأصوات المنددة بجرائم الجنرالات، للتدخل في الجزائر لإنقاذ الشعب الجزائري من عنفهم، لأنه لا يمكن أن يفعل الجنرالات ما يريدون بالشعب الجزائري، حيث إن ذلك يتناقض جذريا مع روح العصر. وما هو مخيف هو أنه من المحتمل أن تقود هذه الوضعية إلى تهديد الكيان الجزائري. وأرى أن الحوار هو أرقى وسيلة حضارية لحل المشاكل، وبدونه لن يكون هناك حل متوافق عليه يرضي الجميع. أتمنى أن يهتدي الجنرالات إلى سبيل الحوار الديمقراطي، الذي بدونه قد يتأثر استمرار الكيان الجزائري في الوجود...