الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

معرض الكتاب 2021 .. ضحيةُ كوفيد 19

معرض الكتاب 2021 .. ضحيةُ كوفيد 19 بوشعيب دوالكيفل

بعيدا عن أرقام ضحايا كوفيد 19، دوليا ومغربيا، وبغضِ النظر عن التوصل إلى اللقاح وما واكبه من نقاش وجدال وتشكيك أو تصديق وتعبئة وتنفيذ وتخطيط أوعبث وتنكيت.... هناك ضحايا كُثر من حيث المجالات والقطاعات والاهتمامات... والتي يبقى الإنسان ضحيتها الأول والأخير. ومجال الثقافة، بمفهومها الواسع/ الشامل ضحية بامتياز بدءا من التمدرس والتعليم بكافة مستوياته، الذي ضربه زلزال كورونا وارتداداته بأقصى الضربات على مقياس سُلم ريشتر، لم يتلقاها أبدا منذ بروز الكتابة والتعلم ومأسسة المنظومة التعليمية بمختلف درجاتها وغاياتها، مرورا بالقاعات السينمائية والمسارح والمتاحف والمعارض الفنية وقاعات العروض، والفرجة في الحلقة وفي الساحات العمومية، وصولا إلى المهرجانات المتعددة المجالات والاهتمامات والأشكال...، وانتهاء بالثقافة بمفهومها المرتبط بالقراءة والمطالعة، قراءةً واطلاعاً على ما أبدعه الآخرون ( المبدعون والمبدعات زرافات ووِحدانا) والذي يصدر في صيغة ورقية وينشر ويعرض للبيع، والذي تنظم له لقاءات ثقافية في شكل معارض للكتب والمنشورات.

فقد ضربت جائحة كورونا مجالات عدة، خنقتها حتى القتل غير الرحيم أو أعاقتها بشدة، وخلفت ضحاياها، كُثر بالملايين، ومن ضمنهم عينة منظمي ورواد عرض الكتب ونشرها والفاعلين في مجالها، لاسيما معارض الكتاب والنشر، التي تُنظم عبر العالم كله، والتي اتخذت، مع مر السنين، طابعا دوليا وعابرا للقارات، واليوم احتجبت هذه المعارض بسبب منع التجمعات البشرية في أماكن مفتوحة أو مُغلقة، التزاما بالإجراءات الاحترازية والوقائية في التعاطي مع انتشار بالواء. والمغرب أيضا ضحية هذا الإجهاز على معارض الكتب وطنيا ومحليا.

ومن جهتها اعتادت بلادنا، أن تنظم سنويا، تحت إشراف وزارة الثقافة، المعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي تنعقد فعالياته في شهر فبراير من كل سنة، بمشاركة مغربية ودولية ( مهنية ومؤسساتية...) من مختلف بقاع العالم، وكان من ضمن أنشطته قراءات في كتب وندوات ومحاضرات ذات صلة بالقراءة والكتابة والتأليف والإبداع، علاوة على ترويج الكتب بيعاً وشراءً، كما كان فرصة لزيارات جماعية لأروقة المعرض من قبل مؤسسات تعليمية أو مهنية تتيح للزوار صلة الرحم مع الكتاب ومُبدِعاته ومبدعيه ومع القراءة والنقاش .... وحفلات توقيعات الكتب...

وقد اعتادت وزارة الثقافة، في بلادنا، بعد نهاية فعاليات معرض الكتاب على  نشر أرقام ومعطيات عن فعاليات المعرض ( عدد الجهات العارضة والمشاركة وأعداد الزوار والزيارات الجماعية والشخصيات البارزة من فعاليات ذاتية ومؤسساتية...). لكنها هذه السنة لن تنشر هذه المعطيات ( مكرهةً لا بطلةً)  لأن كورونا منعت تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي كان سيبلغ دورته 27، حيث التأمت فعاليات الدورة 26 للمعرض الدولي للنشر والكتاب برسم السنة الماضية من 6 إلى 16 فبراير 2020، أي عشية وصول الوباء إلى بلادنا بعد أن كان قد قتل ضحايا كثيرين في الصين وفي بلدان سبقتنا في الإصابة والضرر، حيث لم تسجل أول إصابة في المغرب إلا خلال شهر مارس 2020.

ومع عدم تنظيم فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في بلادنا سيكون هناك ضحايا كُثر ليس في صفوف زوار المعرض فقط، ولكن في نوعية القراءة وعشاقها، وهذه ضربة موجعة لفعل القراءة وما يسبقها من فعل الشراء والاقتناء والتصفيف في الخزانات الخاصة أو في الرفوف المُعدة لذلك، أو في ظلمة أركان البيوت وعُلب الكارطون...، ولكن أيضا للمهنيين والمبدعين، وللثقافة المرتبطة بالقراءة والكتابة والنقاش الثقافي...لأن المعرض كان يتيح فرصة للنقاش الفكري وللتلاقي المباشر مع مبدعات ومبدعين يأتوننا ليس من داخل البلاد وأطرافها فحسب، ولكن من بقاعٍ شتى من العالم، وكان موعد عرس كبير لتغذية الفكر، وإشباع جوع ونهم كثير من المتشبتين بفعل القراءة ومستجداتها...

وشكل المعرض دائما وبانتظام أيضا موعدا لانعقاد ندوات وليالٍ شِعرية ولقاءات وتقديم الإصدارات الجديدة، وتسليم جوائز للقراءة، وتكريم أسماء فكرية وإبداعية... وإتاحة الفرصة لأطفال بعض المدارس ليزوروا المعرض وفضاءاته وأروقته بشكل احتفالي بهيج يرسخ في ذاكراتهم ويخلق لهم/ن متعة سيفتقدونها هذه السنة على مضض.

وكانت وزارة الثقافة قد أعلنت عقب انتهاء فعاليات المعرض سنة 2020، أن الدورة الأخيرة عرفت مشاركة 703 عارضين، منهم 267 عارضا مباشرا، و436 عارضا غير مباشر، من المغرب والعالم العربي وإفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا، قدموا عرضا وثائقيا متنوعا يغطي مجمل حقول المعرفة بحيث تجاوز عدد العناوين المعروضة فيه 100 ألف عنوان. لكن حصيلة وزارة الثقافة برسم سنة 2021  ستكون بالتأكيد خالية من أي ذكر لتنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب وللمعطيات الإحصائية ذات الصلة بفعالياته.

أما ضحايا إجهاز وباء كوفيد 19 على فعاليات معرض النشر والكتاب فسوف يحسون بالملموس بآثار هذا الحرمان الإجباري لأنهم/هن سيُحرَمون من ممارسة فعل اقتناء الجديد من الإصدارات، في كل المجالات التي تستهويهم، لاسيما ما هو مستورد من خارج المغرب بفعل الحصار الذي يعانيه مجال نقل البضائع لاسيما الكتب والمنشورات، رغم أن النسخ الرقمية بدأت تنتشر بشكل ملموس ومتزايد. كما سيحسون بالحرمان من متعة التنقل بين الأروقة والمعروضات من آخر ثمار دور النشر والطباعة في المجالات التي تستهويهم ومن مُتعة حضور لقاءات وندوات تنيرها وجوه ضيوف قادمين من ربوع الوطن ومن خارج حدوده. وقد يحس كثير منهم/ن بنوع من اليتم في زمن كورونا، وليس ذلك بهين على من أدمن حلاوة ومذاق التجوال بين الأروقة والمعروضات والعناوين ودور النشر من هنا وهناك القادمة من أصقاع مختلفة ومارس فعل اقتناء عنوان أو عناوين كتبٍ انتظر لقاءها بشغف.

 

على سبيل الختم والتأريخ واستخلاص العِبر

ولتأريخ إخلاف موعد المعرض الدولي للنشر والكتاب سنة 2021 بسبب جائحة كورونا الفتاكة وذات البعد العالمي، أتمنى أن تعمد الجهات الحكومية المشرفة على تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب، أن تقفز على الرقم 27 ، الذي كان مفروضا أن تحمله دورة 2021، وتعطي للدورة القادمة برسم سنة 2022 الرقم 28 ، مع توضيح ذلك للعموم حتى لا ننسى ما عانته الثقافة خلال سيطرة كورونا على العالم أجمع من أضرار ودمار وأعطاب على الثقافة عامة وعلى فعل القراءة والكتابة والنقاش الثقافي والفكري بصورة خاصة، حتى يظل الأمر راسخا في ذاكرة الأجيال التي عانت من آثار كورونا والأجيال القادمة التي ستطلع على الوباء كحدثٍ تاريخي فارقٍ في تاريخ البشرية، عانت منه كل الشعوب والأقطار وتجرعت مرارة الاكتواء بناره.