الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الناجي: حصلةُ... فيلم "الحصلة"

سعيد الناجي: حصلةُ... فيلم "الحصلة" سعيد الناجي

الاحتجاجات على فيلم "الحصلة" الذي أنتجته قناة دوزيم عن الحي المحمدي، كانت محكومة بالعاطفة أكثر، وكانت سيزيفية للغاية، فهل يستطيع فيلم أن يعيد للحي المحمدي بكازابلانكا ألقه وبريقه المفقود؟ بالطبع لا... الاحتجاجات في أغلبها كانت تتحسر، وتلوذ بماضي الحي المحمدي الغابر... كما تستند في جزء منها على أسطورة "تفوق مدينة كازابلانكا" على المدن المغربية، فالدار البيضاء مدينة ولدت في القرن العشرين، وبنيت برؤوس أموال وسواعد من مدن ومناطق أخرى... ورغم ذلك بفضل كبرها وضمها الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي بقيت تغذي فكرة التفوق بشكل كبير...

 

دعونا نترك هذا الأمر فهو يحتاج إلى مساحة أخرى، ونتساءل: هل الطابع "السيزيفي" للاحتجاجات على فيلم "الحصلة" التي تدين الصورة التي قدمها عن الحي المحمدي المخالفة لماضيه، هل تمنح للفيلم أي أحقية أو مشروعية سينمائية؟

 

الجواب لا... فالفيلم في تقديري لم يتوفق سينمائيا، وتشوبه ملامح ضعف كثيرة، وأمام منتوج سينمائي غير موفق، لا حاجة إلى التذمر حول صدقية تعاطيه مع الحي المحمدي. هذا هو الغائب عن الكثير من النقاشات التي سارت في اتجاه محتوى الفيلم والطريقة التي قدم بها الحي. فالجميع يتكلم عن محتوى الفيلم، حتى صانعوه، ولا أحد يتكلم عن جماليته وإيقاعه.

 

الفيلم عبارة عن متابعة لمجموعة من الشباب، وتسجيل متلاحق لتصريحاتهم في الشارع، ولكن الفيلم للأسف لا يقدم أي جديد بخصوص موضوع الشباب الضائع، ولا يكشف لك عن حقائق جديدة وربما صادمة بالنسبة للموضوع الذي يتناوله. إنه عبارة عن تسجيل بتقنية الميكروفون في الشارع Micro trottoir، يتابع فيها نماذج من الشباب الضائع الواقع تحت ضغط الفقر والإدمان والبحث عن الحلول السهلة. وحتى على افتراض أنه يمنحهم فرصة للكلام والتعبير فأعتقد أن الفيلم بقي في حدود تسجيل تدخلات شباب لا تسمن ولا تغني ... أي لا تقدم أية اكتشاف جديد.

 

لهذا، فالسرد السينمائي في الفيلم ممل ومتعب للغاية، حيث نمل من متابعة نفس النماذج والأشخاص، ونتلقى نفس المعلومات والمواقف والحالات؛ باستثناء بعض الفلتات القليلة التي تستعيد فرقة المشاهب أو تمر قرب بعض علامات الذاكرة في الحي المحمدي.

 

سينمائيا إذن، لم يقدم الفيلم فرجة مقنعة، وفي المحتوى الذي اختاره لم يقدم أية قيمة مضافة، محتوى الفقر واللصوصية والضياع الذي يعيشه شباب الحي المحمدي: لم نكتشف في الفيلم أي فكرة أو حقائق جديدة بخصوص واقع الحي غير مشاهدة نماذج فاشلة من الشباب الضائع وهي نماذج يمكن أن نعاينها بزيارة بسيطة للحي المحمدي. وهذا ما أثار حفيظة سكان الحي ورواده.

 

"الحي المحمدي" إشكال آخر في الفيلم، فنحن لم نر أي إشارات تؤسس لهذا الحي، ليس هناك أي معطى يصنع في ذهن المتفرج فكرة أن الفيلم يتعلق بحيQuartier؛ وخاصة بالنسبة للمتفرج الذي لا يعرف لا كازا ولا حيها المحمدي. فالفيلم كما تم تقديمه يمكنه أن ينطبق على أي مدينة أخرى، وعلى أي حي آخر، ويمكن أن ينطبق بكل جدارة عن وضعية فئة من الشباب المغربي الآن الواقع تحت سطوة البطالة والفقر والإدمان. وباستثناء المرور بسرعة على دار الشباب الحي المحمدي، ونادي الطاس، لم يكن هناك أي استبطان لمقومات الحي المحمدي، حتى على صعيد جغرافية المدينة برمتها: لم نعرف أين يقع هذا الحي، وكأن صانعي الفيلم يفترضون أن المتفرج عارف بالحي به وبمدينة كازابلانكا؛ ولم نعرف ما هي عطاءات هذا الحي تاريخيا، ولم نعرف مقوماته الآن، ولا ساكنته، ولا المهن المتداولة فيه، ولا طريقة اشتغال المؤسسات فيه، ولا البنيات التي يتوفر عليها. لم يكلف المخرج نفسه محاورة الفاعلين في الحي من فئات متعلمة وأطر وصحفيين ومنتخبين وفنانين ومواطنين ناجحين في حياتهم ولا حتى أهالي الشباب الضائع الذي ركز عليه... لا شيء من كل هذا.... لقد لاحق مجموعة من الشباب الحشاشين في أغلبهم وقدمهم كأنهم القدر التراجيدي للحي المحمدي، وكأنهم الحاضر الوحيد لهذا التجمع السكاني الغفل الذي لم يقدم حتى بطاقة تعريفية له. هل كان صناع الفيلم يتوجهون فقط إلى سكان الحي أم إلى عموم المشاهدين عبر المغرب والعالم العربي... وربما حتى العالم؟

 

لهذا جاء السرد الفيلمي فقيرا، مكرورا، ومملا للغاية، لا يضم أي فلسفة ولا أية معرفة جديدة بالحي، ولا بالمدينة. ولهذا، إذا لم يكن مطلوبا أن نقدم صورة وردية عن حي يعيش الفقر والحرمان وكل المآسي الاجتماعية الآن، فكذلك على الأقل ينبغي أن يقدم الفيلم حكيا سينمائيا لائقا،  يؤطر موضوعه لأنه يتوجه إلى أجيال من المغاربة لم يعرفوا الحي المحمدي، وبعد ذلك عليه أن يفتح معرفة جديدة وعميقة بالموضوع المنتقى مثل ما هو معمول به في الأفلام الوثائقية الحقيقية، والتي تتأسس على سيناريو محبوك يضاهي سيناريوهات الأفلام التخييلية؛ وعموما فالفروق بين الوثائقي والتخييلي قد بدأت في الذوبان مؤخرا.

 

في تقديري، إن حصلة فيلم "الحصلة" في أن صانعيه توهموا أنهم سيصنعون فيلما من خلال منح الميكروفون لعدد من الشباب الضائع، ومن خلال وضع كلمتي "الحي المحمدي" في الواجهة، وكأن كل المغاربة والمتفرجين يعرفون هذا الحي، ومن خلال متابعة صورة واحدة لشباب ضائع...

 

وأخاف -وأتمنى أن أكون مخطئا- أن صانعي الفيلم محكومون بوعي فئة "البرجوازية الصغيرة" القادمة من الفئات الشعبية، والباحثة عن التسلق الاجتماعي، وتعتقد أن أمراض المجتمع تعود إلى تلك الفئات الشعبية الحقيرة والفقيرة والمدمنة التي لا تريد الارتقاء ولا العمل، وتنظر إليها أحيانا بشفقة، وأحيانا أحرى باحتقار وكأنها سبب شرور العالم كله...

 

سعيد الناجي، ناقد لا علاقة له بالحي المحمدي