الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

فريد مشقي: الجمهورية البرازيلية تدير ظهرها للدول الإفريقية!

فريد مشقي: الجمهورية البرازيلية تدير ظهرها للدول الإفريقية! فريد مشقي

تتمتع البرازيل بالكثير من أنواع التربة وظروف المناخ المختلفة، ولذلك لديها مجموعة متنوعة من المحاصيل الزراعية الصالحة للتصدير، فهذه العوامل  ساعدتها لتصبح ثاني أكبر مصدر للغذاء في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية حسب منظمة التغذية العالمية (الفاو) وخصوصا منتوجات الحلال، كما تعتبر من  الدول المصدرة للكثير من المواد الاخري المصنعة الثقيلة والخفيفة، لهذا كانت افريقيا قبل سنوات بمثابة السوق التجاري الكبير للمنتوجات البرازيلية المختلفة، منها المواد الغذائية كالسكر والأرز وزيوت المائدة واللحوم البيضاء والحمراء.. لكن في السنوات الأخيرة بدأ التبادل التجاري  بين البرازيل وافريقيا يعرف انخفاضًا حادًا، ومن المتوقع أن يتراجع أكثرفي عام 2020، وخصوصا مع شركائها المهمين، كنيجيريا وأنغولا والموزمبيق.. وقد تم ملء هذا الفراغ بشكل متزايد من قبل الصين ، التي عززت نفوذها التجاري على مدار أكثر من عشر سنوات باعتبارها أكبر شريك تجاري للغالبية العظمى من البلدان الأفريقية، في حين أن البرازيل توجهت شطر الدول العربية والخليجية على وجه التحديد، بحيث احتلت الجزائر صدارة الدول العربية بالنسبة  لمستوردي السكر البرازيلي في موسم حصاد قصب السكر الحالي، وفقًا للأرقام الصادرة عن اتحاد صناعة قصب السكر (أونيكا).

وقد استوردت هذه الدولة العربية 588 ألف طن من البرازيل بين أبريل ويونيو من العام الجاري بنسبة 13٪ من إجمالي حجم السكر الذي أرسلته البرازيل  إلى دول أخرى في تلك الفترة، علما أن البرازيل هذه الأيام  في شهرها الأول من موسم حصاد قصب السكر وسيستمر حتى مارس من العام القادم 2021، وتعتبر الدول العربية من أكبر عشر دول مستوردة  للسكر من البرازيل، والتي تحتل الجزائر المركز الأول، والمملكة العربية السعودية المركز الرابع، والإمارات العربية المتحدة في المركز السادس، ومصر في المركز السابع ، والعراق في المركز التاسع.

أما المركز الثاني تحتله الصين، والثالث نيجيريا، والخامس بنغلاديش، والثامن الهند والعاشرالولايات المتحدة.

قلت، فتراجع الصادرات والواردات بين البرازيل والدول الافريقية  استغلته جمهورية الصين ودخلت بقوة إلى افريقيا عن طريق مشروعها الضخم " طريق الحرير الجديد" للقيام باستثمارات ضخمة في أعمال البنية التحتية الإستراتيجية عبر القارة الإفريقية، ومما زاد في النفوذ الصيني في إفريقيا الانخفاض الحاد في التجارة الخارجية بين البرازيل وأفريقيا هذا العام، مع وباء Covid-19 الذي أصاب الاقتصادين البرازيلي والإفريقي في الفترة من يناير إلى مايو ، تراجعت الصادرات البرازيلية إلى البلدان الأفريقية بنسبة 39٪ لتصل إلى 2.807 مليار دولار أمريكي. وكان التراجع في الصادرات الأفريقية أكبر من ذلك ، حيث انخفض بنسبة 33.7٪ ، ليبلغ إجماليه ما يزيد قليلاً عن 1.555 مليار دولار. مقارنة بالأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي ، انخفض حجم التبادلات الثنائية بنسبة 17.1٪ ، ليبلغ إجمالي قيمتها 4.372 مليار دولار أمريكي، حسب بيانات أمانة التجارة الخارجية (Secex) التابعة لوزارة الاقتصاد . ومما زاد الطين بلة كما يقال وهو الانهيار الحاد للعلاقات التجارية البرازيلية – الإفريقية بسبب جائحة كورونا.. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت نيجيريا من بين أكبر مصدري النفط للبرازيل ، ومن ناحية أخرى ، استوردت سلسلة من المنتجات البرازيلية ، بما في ذلك السيارات. في عام 2013 ، شهدت التجارة البرازيلية النيجيرية ذروتها وبلغ إجمالي الصادرات البرازيلية 876 مليون دولار أمريكي (تم تسجيل رقم الصادرات القياسي في عام 2008 ، بقيمة 1.534 مليار دولار أمريكي) ، بينما وصلت المبيعات النيجيرية إلى أعلى مستوى في تاريخ التبادل الثنائي ، بمبلغ قياسي قدره 9.648 مليار دولار أمريكي. في ذلك العام ، تجاوز تدفق التجارة بين البلدين الرقم 10.5 مليار دولار أمريكي. وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020 ، شهدت الصادرات إلى نيجيريا زيادة طفيفة بنسبة 10.5٪ وبلغ مجموعها 218 مليون دولار أمريكي ، وهي قيمة تعادل 0.5٪ من إجمالي الصادرات البرازيلية في هذه الفترة. في المقابل ، تراجعت المبيعات النيجيرية إلى البرازيل بنسبة 37.2٪ ، بإيرادات بلغت 250 مليون دولار أمريكي. بهذه الأرقام ، احتلت نيجيريا ، التي تم إدراجها في السنوات الذهبية للتبادل الثنائي في المجموعة المختارة من الشركاء التجاريين الخمسة الرئيسيين في البرازيل ، أما أنغولا ، وهي دولة ناطقة بالبرتغالية كانت البرازيل أول دولة تعترف باستقلالها عن البرتغال ، في نوفمبر 1975 ، هي شريك أفريقي آخر شهد انخفاض التجارة الثنائية مع البرازيل بشكل كبير. في عام 2008 تم تسجيل أرقام قياسية في التبادلات بين البلدين ، حيث بلغ إجمالي الصادرات البرازيلية 1.964 مليار دولار أمريكي ، والمبيعات الأنغولية بمبلغ 2.221 مليار دولار أمريكي. في ذلك العام ، بلغ إجمالي تدفق التجارة البرازيلية النيجيرية 4.195 مليار دولار أمريكي. في العام الماضي ، حيث بعد سنوات ، بلغ إجمالي التبادلات الثنائية 585 مليون دولار فقط. هذا العام ، يشير كل شيء إلى أن الأرقام ستكون أقل تعبيرًا من يناير إلى مايو ، بلغت الصادرات البرازيلية حوالي 146 مليون دولار أمريكي وبلغ إجمالي المبيعات الأنغولية 99 مليون دولار فقط، أما الاقتصادين المغربي والبرازيلي، شأنهما شأن باقي اقتصادات بلدان العالم، تأثرا بالوباء، مسجلا أن الوضع الحالي يتطلب إعادة التأقلم مع الظروف الجديدة وبلورة خطط اقتصادية بديلة قائمة على تشجيع وتنويع الصادرات، علما  أن المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل ظلت مستقرة نسبيا على الرغم من تفشي الوباء، بالإضافة إلى ذلك، لم تتوقف الواردات البرازيلية من الفوسفات والأسمدة المغربية، كما أن الصناعات الغذائية في العملاق الجنوب أمريكي تعد من بين القطاعات الاقتصادية القليلة التي حافظت على أداء إيجابي خلال الربع الأول من السنة الجارية، لهذا الصادرات البرازيلية إلى المغرب حافظت بشكل أو بآخر على وتيرتها وتنوعها.

وختاما، فتراجع أو انسحاب الجمهورية البرازيلية من الدول الإفريقية تم استغلاله جيدا من قبل التنين الصيني بإقامة علاقات قوية وبصورة متزايدة مع الدول الأفريقية، ففي عام 2007 استثمرت الشركات الصينية ما مجموعه 1 مليار دولار أمريكي في أفريقيا. فالقارة الإفريقية في الحقيقة قارة مهمة وخصبة تحتاج إلى دعم دولي وأممي،  كما تحتاج إلى رؤساء أمناء ورجال أعمال ومستثمرين وتجار لعلهم يدفعون بالقارة إلى شاطئ الاستقرار والتقدم والنماء، وهذا ما يحاول فعله اليوم جلالة الملك محمد السادس في سياسته الجديدة نحو العمل المشترك جنوب/ جنوب، وفي هذا السياق قامت مجموعة من المغاربة والأفارقة في البرازيل، بالإضافة إلى بعض البرازيليين بتأسيس الغرفة التجارية المغربية الإفريقية البرازيلية للمساهمة قدر الإماكان في نماء وتقدم هذه الدول  التي لا تزال -للأسف - هي الأكثر فقرا وتخلفًا بين قارات العالم، ويرجع ذلك في رأينا إلى مجموعة من الأسباب التي قد تشمل إنتشار الأمراض القاتلة والفيروسات -ولا سيما فيروس  العوز المناعي البشري / الإيدز والملاريا- فضلًا عن الحكومات الفاسدة والتي غالباً ما ترتكب انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان، ناهيك عن الصراعات الدينية والقبلية والعسكرية المتكررة، بالإضافة إلى  ارتفاع معدلات النمو، لا سيما في أنغولا، والسودان وغينيا الاستوائية..هذه السلبيات التي ترتكبها الحكومات الإقريقية، تدفع ببعض الدول وبرجال الأعمل والمستثمرين البحث عن أماكن أخرى آمنة مطمئنة يضمنون من خلالها حقوقهم وتنمية رؤوس أموالهم. 
 
 
رئيس غرفة التجارة المغربية الافريقية البرازيلية