الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد العزيز كوكاس: أزمة الدخول المدرسي تعكس عطب تفكيرنا المأزوم

عبد العزيز كوكاس: أزمة الدخول المدرسي تعكس عطب تفكيرنا المأزوم عبد العزيز كوكاس

قضية استئناف الموسم الدراسي ليست مما يمكن أن يزايد فيه الناس على بعضهم البعض، فهي قضية وطنية ذات بعد إنساني، تطرح مشاكل خطيرة بشكل غير مسبوق على البشرية.. وهي قضية ليست تقنية مما يمكن أن يجتهد فيها العقل التقنوقراطي بحساب الاحتمالات والجداول الإحصائية.. بما يعني أن كل مقترح يحمل في طياته انعكاسات سلبية على قطاعات أخرى..

من يدعون إلى سنة بيضاء، لا يفكرون إلا بشكل بلدي "اللي بغا يربح العام طويل"، هناك ما هو أخطر من الجانب الصحي وهو قتل ما تبقى من التعليم، ويوم واحد من عدم العمل ومن اللاتعليم له كلفة باهظة على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني، نأتي لتشابكات باقي المقترحات، أولا المطالبة بتأخير الموسم الدراسي إلى دجنبر ويناير تبدو مغرية، لكنها في الحقيقة ليست إلا حلا سهلا مسنودا بالكسل ويعفي نفسه من الكلفة الباهظة للاجتهاد، فالأطفال ملوا العطلة التي بدت طويلة في غياب صيف حقيقي للاستراحة مثل ما عشناه، خنقوا في منازلهم، وليس هناك بدائل للتسلية وللتعليم المنزلي ولتنفيس الضغوط والاختناقات ولا مرشدين نفسيين ولا إعلام خاص بالطفل ولا هم يحزنون... والأسر خلق أمامها وضع غير مسبوق لم تكن مهيئة له لا نفسيا ولا ماديا ولا معرفيا، كيف سيستمر الأطفال داخل منازلهم، محتجزين حتى إشعار آخر، البشرية كلها لا تعرف موعده لا تحديدا ولا تقريبا، لأكن واضحا فأنا ليس لدي هنا أي مقترح جاهز، ولكن أختبر الحلول المقترحة ومزالقها في محاولة للفهم كي لا نموت بلداء...

قالوا لنا التعليم عن بعد، وهذا فيه الكثير من الضحك على الذقون، هل لدينا بالفعل بنية تكنولوجية تحتية للتعليم عن بعد؟ ثم بعد عقود طويلة من التجهيل، هل ننتظر من معظم الأسر أن تكون مساهمة بوعي في الانخراط الإيجابي في هذا المكذوب عليه باسم التعليم عن بعد؟ وإذا كانت وزارة التربية الوطنية قد أقرت التعليم عن بعد منذ شهر مارس الماضي، ولم تدخله في حيز التقييم عبر الامتحانات، واقتصرت على المواد الملقنة حضوريا.. وزارة لم تثق بالتعليم عن بعد كيف تجعل الأسر والمجتمع يثقون بهذا الخيار؟ ثم ماذا أعدت الوزارة خلال الشهرين الأخيرين لوضع إستراتيجية فعالة وناجعة في هذا المجال وهي تعرف أن الجائحة مستمرة في الزمان والمكان؟

قرار عودة الطلبة والتلاميذ إلى المدارس والجامعات لا مفر منه، يوصي به الأطباء وعلماء النفس عبر العالم، ودعت إليه الأمم المتحدة.. ولكن يفرض أولا التمييز بين الجهات وحسب الوضعية الوبائية وهذا يفرض تنسيق الجهود بين المديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والسلطات المحلية والمنتخبين والمديريات الإقليمية للصحة والمجتمع المدني وباقي الفاعلين من جمعيات آباء وأولياء التلاميذ وغيرهم، لتقييم الوضع جهويا وإقليميا واتخاذ قرارات مناسبة في كل حالة، أيضا إعادة الثقة للأسر لإرجاع أبنائها إلى المؤسسات التعليمية، وهذا سيفرض أن تكون الوزارة مرنة من الآن متهيئة إذ يمكن فتح مدراس وإعادة غلقها لفترة ثم إعادة فتحها وهكذا.. وفوق هذا وذاك، يجب التفكير في مسألة الاكتظاظ وتوفير الحماية للأطر التربوية والإدارية، وتحسي الكل بضرورة الانخراط الجماعي في هذه المعركة، ومن لم يستشاروا ولم يحسوا بأنهم مساهمون في صنع قرار جماعي لن يستجيبوا بشكل فعال..

لا يمكن التفكير في فتح مدارس تفتقد للماء وللمرافق الصحية، ويجب تجهيز كل المؤسسات المفتوحة بوسائل الوقاية والنظافة بالإضافة، إلى العمل عبر نوباوت لخفض الاكتظاظ الذي يستحيل عدم التفكير فيه طيلة مرحلة الوباء لحماية الأطر التربوية والإدارية وضمان سلامة فلذات كبدنا، وكما استغلت الوزارة ملاعب وفضاءات مفتوحة لإجراء امتحانات البكالوريا ومرت بنجاح، يجب التفكير في نقل التدريس إلى فضاءات في الهواء الطلق ونقل بعض الفصول إلى فضاءات مفتوحة يكون فيها التلاميذ والمدرسين أقل عرضة للإصابة بالوباء، يجب أن نحول المؤسسات التعليمية إلى أداة لمحاربة الجائحة، سلاحا للتوعية الصحية والنفسية في مواجهة كورونا.. إن ربع ما يمكن أن يتعلمه التلاميذ الصغار حضوريا أقوى بكثير من كل ما سيتلقاه عن بعد في ظل البنية المعطوبة للتعليم عن بعد في المغرب، يجب أن يكون لدينا حس وخيال لتدبير الكوارث ونتعلم مما حدث لنا من الآن..