الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

الصادق بنعلال: عن جاهزيتنا للتعليم عن بعد!

الصادق بنعلال: عن جاهزيتنا للتعليم عن بعد! الصادق بنعلال
ما من شك في أن التعليم مكون محوري في المنظومة المجتمعية لأي أمة تسعى إلى تحقيق الإقلاع التنموي الشامل، والاستقلال التاريخي رغبة في تجسيد حلم الفرد والمجتمع في الرقي و التقدم. غير أن العالم اليوم يئن و بألم غير مسبوق، تحت وطأة جائحة فيروس كورونا الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأفراد، و أصاب البنيات الاقتصادية الإنتاجية في مقتل، مما فرض على المعنيين بالشأن التربوي عالميا التفكير في صيغ تعليمية تكون سدا منيعا أمام مد مأساوي لهذا الوباء الشرس !
وهكذا واعتبارا للوضعية الوبائية الحرجة التي يعيشها بلدنا، حيث الارتفاع الملحوظ لعدد الحالات الإيجابية و الحرجة فضلا عن ارتفاع عدد الوفيات، قررت "وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي" اعتماد صيغة التعليم عن بعد في بداية الموسم الدراسي المقبل، و الذي سيعرف انطلاقته الرسمية في 7 شتنبر 2020، بالنسبة لجميع الأسلاك والمستويات بكافة المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ومدارس البعثات الأجنبية.

وانطلاقا من تجربتنا المتواضعة في هذه الصيغة التربوية "الجديدة"، حيث قدم صاحب هذه الأسطر حوالي خمسين درسا عن بعد في مختلف مستويات وشعب التعليم الثانوي التأهيلي، وبغض النظر عن خطأ أو صواب هذا القرار الوزاري، نود أن ننبه بعجالة إلى بعض الملاحظات التي نعتبرها أساسية لإنجاح هذا "الوافد" الجديد في المنجز التعليمي المغربي كما يلي:

1 – التعليم عن بعد صيغة تربوية قديمة نسبيا عرفتها تجارب تربوية دولية و عربية، لكنه أضحى اليوم نهجا أساسيا إلى جانب الصيغة الحضورية التقليدية المألوفة في المدارس والمعاهد، لتلقين المعرفة ونشر المواد التعليمية المتنوعة.

2 – يظل التعليم عن بعد تعليماً بكل أركانه وأسسه البيداغوجية والفلسفية، يروم توعية المتمدرسات والمتمدرسين، والرفع من أفق ثقافتهم وكفاءاتهم المتنوعة.

3 – تستند العملية التعليمية التعلمية الراجحة (حضوريا أو عن بعد) إلى قاعدة التواصل التفاعلي،حيث النقاش الحر و الشرح والتحليل والتعقيب و الاستنتاج .. من أجل المساهمة في ترسيخ النزوع العقلاني والمقاربة العلمية لدى طلاب.

بيد أن السؤال المطروح في سياق هذا الوضع الوبائي الاستثنائي القاهر هو الآتي : كيف يمكن أن نجعل من التعليم عن بعد صيغة تربوية قادرة على بلورة الأهداف والغايات السامية، الممثلة في تجسيد قيم "الإنصاف والجودة و الارتقاء"، كما وعدت بذلك الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ( 2015 – 2030 )؟

* لئن كان عدد كبير من السيدات و السادة الأساتذة قد أنجزوا مشكورين دروسا رقمية منذ الإعلان عن الحجر الصحي، فإن هذا المجهود قد صدر عن اجتهاد فردي و تجربة ذاتية، وليس نتيجة تكوين بيداغوجي علمي، لذلك لم نتمكن من تحقيق النجاح المرجو، بحيث كانت بعض هذه الدروس عبارة عن تسجيل صوتي أو "كبسولات" بالصوت و الصورة، تفتقد أحيانا كثيرة إلى مواصفات الجودة الفنية المطلوبة.

* من أجل إنجاح تجربة التعليم الرقمي ( عن بعد ) فإن الأمر يحتاج إلى استعداد بيداغوجي وتقني استثنائي، كي يتلقى المدرسات والمدرسون أبجديات هذا النمط التربوي الجديد على واقعنا التعليمي، فالأمر ليس مجرد "تقديم درس" عبر تقنيات وأدوات تكنولوجية معينة، بقدر ما هو إيصال معلومة مخصوصة في وقت وجيز بقدر كبير من النضج والفعالية.

* لن يكون لمدرسة الإنصاف أي معنى هادف في هذا السياق، مع غياب تكافؤ الفرص بين المتعلمين و المتعلمات، وإذا لم يتم توفير مستلزمات التعليم عن بعد: من توسيع دائرة البث عبر الإنترنيت ، وتجهيز المؤسسات التعليمية بالوسائل التكنولوجية مثل السبورات التفاعلية والحواسيب وتوزيع الألواح الإلكترونية وإعداد التطبيقات التفاعلية المجانية ..

* لم يعد التعليم الرقمي مجرد صيغة تربوية جانبية أو إضافية، بل إنه أضحى خيارا استراتيجيا في المعطى التربوي الكوني، وبالتالي لا بد من التعاطي معه بمسؤولية وطنية رفيعة، إنه مصير أجيال مغربية قادمة، و مستقبل أمة بأكملها، وبالتالي لا يمكن إلا أن نعمل جاهدين من أجل ربح رهان التعليم عن بعد، ولن يتأتى ذلك عبر مساحيق زائلة، وإنما من خلال فعل بيداغوجي ثوري بكل ما لهذه الكلمة من معاني التضحية والتجديد و التغيير نحو الأفضل!