الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: الاتحاد الاشتراكي.. من الاشتراكية الشعبية إلى الليبرالية الفئوية ومصالح النخبة

ميلود العضراوي: الاتحاد الاشتراكي.. من الاشتراكية الشعبية إلى الليبرالية الفئوية ومصالح النخبة ميلود العضراوي

كنت دائما أرفض أن يحاسب الحزب بدلا من القادة والمسؤولين؛ وكل نقد يوجه لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان في نظري، يفترض منهجا نقديا موضوعيا وهادفا يتناول بالأساس؛ القادة والزعماء، بدل الإطار السياسي، فغالبا ما يكون الحزب صنيعة أيدي هؤلاء وغالبا ما يكون مصير الحزب ومستقبله واستقراره سياسيا بين أيديهم، وغالبا ما يتمتع قادة وزعماء الاحزاب، كما قال غيفارا؛ "بنزعة التميز والممايزة التي تحرك النعرة الانقسامية في الحزب، وحين يتقرر تدمير التنظيم، يصبح كل واحد منهم مؤمنا بقدراته الاستثنائية". بالنسبة للاتحاد كانت هناك ظروف استثنائية وأخطاء تاريخية عميقة من بينها أقدامه على التخلي عن المعارضة السياسية وقيادة حكومة التناوب طبقا لشروط سياسية استسلامية، وظروف اقتصادية عالمية شكلت مخاطر على الاقتصاد الوطني الذي تم تدميره عن طريق الخوصصة ولعب الحزب في ذلك دورا كبيرا.

 

كانت كل المحاولات السياسية لتبرئة ساحة الحزب من مسؤولية ما حدث بعد ذلك، فاشلة، مما عجل بعد المؤتمر الثامن بالبيضاء ببوز النزعة الانفرادية في القرار وظهور تكتلات داخل الحزب تخدم مصالحها الفئوية والخاصة، وكلها كانت إرهاصات غير محسوبة العواقب وخطط تخريبية جيدة أتت أكلها بعد سنوات قليلة بعد انخراط الاتحاد في التناوب السياسي.

 

كان قادة الاتحاد حينها قادة من بقايا العصر الذهبي للمعارضة، وآخرين مخضرمين في التنظيم الحزبي وآخرين جدد معاصرين. مما صنف القادة الاتحاديين على النحو التالي:

- قادة الوزن الثقيل، ويمثلهم كبار قادة المرحلة الصعبة، وهم معروفون؛

- قادة الوزن المتوسط، وأصحابه عاصروا حكومة التناوب ومرحلة اليوسفي ومن معه؛

- قادة الوزن الخفيف، وهم من بقايا الفلول الاتحادية التي دمرتها حكومة التناوب والمؤتمر الثامن للحزب الذي قوض دعائم الخيمة الاتحادية؛

- بروز قادة جدد ليسوا من صنع الحزب ولم يعاصروا مرحلة تصعيده مع السلطة السياسية، ولكنهم من صنع المرحلة التي سبقت التناوب بسنوات قليلة وما تلاها. تلك الفئة هي التي أدارت الحزب فيما بعد وأبانت عن قدرة كبيرة في التكيف مع تناقضات المرحلة ومصلحيتها وشروطها المنزلة.

 

سياسيا صارت قناعة القادة في الحزب هي الانفتاح السلبي على كل ما هو ليبرالية من بينها الدفاع عن خيارات غير اشتراكية مما جعل نضالية الحزب وتاريخه في كفة وخيارات الزعماء والقادة السياسية في كفة أخرى.

 

كانت أيديولوجية الحزب فارغة المحتوى اشتراكيا والمنطق يقول إنه لا يمكن الدفاع عن اشتراكية بأيديولوجية غير اشتراكية، مما وضح الصورة جيدا أن الحزب يعيش اضطرابا في الرؤيا الحزبية وضبابية في قيم التحزب ومبادئه وايديولوجيته وخياراته النضالية.

 

عشنا حتى الآن مع الاتحاد واقعا نضاليا هو قمة في التناقض السياسي، زاده تعقيدا قطيع من المتهافتين يتشدقون بالنضال والتشيع لمبادئ الحزب، فظهرت مواقف اغرب من الغرابة نفسها لأنها تتجاوز في عمقها ومعناها فكرة الاتحاد من أجل النضال السياسي والاشتراكية إلى الهرولة السياسية نحو الليبرالية السريعة والدفاع بمنطق المصلحة عن قطاع الانتفاع والريع الاقتصادي لتحقيق أهداف معينة منها تمتين العلاقة مع اليمين الاسلامي للبقاء في الحكومة. منذ حكومة التناوب لم يعد للاتحاد قدرة على بلورة موقف واضح من التسلط الاقتصادي وهيمنة الشركات الاحتكارية الكبرى، لم يعد قادرا على إنتاج ثقافة سياسية نقدية ضد الفساد والتهرب الضريبي.

 

الاتحاديون الجدد عاشوا على هذا النمط من التسيس الجديد ومارسوا الإجحاف والإقصاء داخل الحزب ضد كل من طالب بإعادة الاعتبار لروح الحزب، فأسكتوا أصواتا نادت بدمقرطة حزبية داخلية والمطالبة بالانبعاث والعودة إلى الأصل. وهكذا أقصيت خيارات إصلاحية مهمة، منها "الوفاء للديمقراطية" في بداية العقد الأول من هذا القرن، وتم ختم البرنامج التدميري للحزب بقتل محاولة تجديد دماء الاشتراكية في الحزب سنة 2012 عندما تم خنق خيار "البديل الديمقراطي" ودخول الحزب صراعات الأقطاب السياسية والنضالية الجوفاء.

 

فماذا بقي من الحزب الأن، يا ترى؟ لقد انتهت رسميا الأوزان المصنفة سياسيا وبقي النموذج السياسي الهجين يمثله قادة وزعماء يبحثون عن الاستوزار وينبذون مصلحة الحزب، ليكونوا وزراء فقط في حكومة لا يحملون إليها أية قيمة سياسية مضافة باستثناء السخرة السياسية والعمل بالوكالة، وهو فعل يراكم الخيبات بالنسبة للحزب ويقدم الخدمة للوبيات الاقتصاد وأصحاب الريع ويضرب الحقوق السياسية والاقتصادية للجماهير في الصميم؛ وخير مثال على ذلك قانون 20/22 الذي كان من تصميم وإنتاج اتحادي وتنفيذ وإخراج بيجيدي.