السبت 18 مايو 2024
منبر أنفاس

رضا دهمون: بوادر الإصلاح ما بعد جائحة "كوفيد 19"

 
 
رضا دهمون: بوادر الإصلاح ما بعد جائحة "كوفيد 19" رضا دهمون
مما لا جدال فيه أن التعليم هو المحرك والعمود الأساسي في تطور وتقدم الأمم، باعتباره من مقومات الحياة في المجتمع لبناء الحضارة وبناء أجيال وأفراد قادرة على التغيير والتقدم والنجاح والنهوض في شتى المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية..
إذ يجعل الفرد قادرا على الإبداع والإبتكار، فلا تعود ثماره على الفرد فقط بل يمتد أثره ليشمل المجتمع بأكمله، حتى يصبح مجتمعا سلاحه العلم والتعليم وقويا في حل جميع مشاكله مهما كانت درجة صعوبتها وبالتالي تجاوزها بشكل سلسل وبطرق علمية وإنتاج وسائل يستطيع الإنسان من خلالها مواكبة العصر المزدهر.
وما إن بدأت الإرهاصات الأولية لظهور جائحة “كوفيد 19" بالمغرب، حتى انكشف واقع قطاعات الدولة التي طالما كانت محط مطالب شريحة مهمة من المجتمع بغية إصلاحها والإرتقاء بها، كما كشفت أيضا هذه المرحلة الحساسة عن الجنود التي تحملت المشاق بالدرجة الأولى ووجدت نفسها في الخطوط الأمامية، وأبانت عن قوتها وأهميتها وسط المجتمع، والأمر يتعلق برجال ونساء التعليم والصحة، إضافة للسلطات الترابية ورجال الأمن الذين يسهرون ليل نهار لحماية صحة المواطنين، ومن جهة أخرى تبين الإختفاء التام لأصحاب التفاهة سواء من كانوا يتربعون على عرش مواقع التواصل الإجتماعي أو قنوات اليوتوب، ليصبح من الواضح اليوم وضع قطيعة مع كل من يروج للتفاهة ويستغل كل فرصة للتطاول على رجال التعليم وإهانتهم من خلال نشر بعض الصور النمطية التي تجد أحيانا تربة خصبة لترويجها وسط عوالم الجهل والتخلف الفكري الذي يقبع فيه جزء من المجتمع.
وبالرجوع إلى بعض الإصلاحات التي شملت قطاع الصحة خلال هذه المرحلة من تجهيز لبعض المستشفيات وتزويدها بالمعدات لمواجهة تفشي هذه الجائحة، وسيرا نحو استمرارية تلبية الإحتياجات الطبية العاجلة والتخفيف من الأثر الاقتصادي، تم إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة " كوفيد-19 ” والذي جمع أكثر من 32.7 مليار، وإن كانت هذه المبادرات بطبيعة الحال تستوجب الإعتراف بالجميل وتقديم الشكر، ففي جوهرها تبقى مسألة طبيعية في ظروف قاهرة تتطلب تظافر الجهود من أجل استمرار الدولة على قيد الحياة، هذا يدفعنا لطرح عدة تساؤلات حول ما المانع من عدم الإلتفات لإصلاح هذه القطاعات في زمن ما قبل الجائحة؟ ونعلم كم من الأموال صرفت في غير محلها من خلال دعم المهرجانات وكذا المسلسلات والأفلام المنحطة المهدمة للحياء التي خلفت لنا إلا الدمار والإنحلال الأخلاقي، وبالتالي ضياع أموال مهمة كانت كفيلة بخلق توازنات داخل المجتمع في شتى المجالات، وفي هذا السياق يطرح سؤال آخر حول هل سيتواصل مسار الإصلاح ما بعد هذه الجائحة أم سيتوقف حتى إشعار آخر ويصبح ذكرى للذاكرين؟ وإن كان الجواب على هذا السؤال سابق لأوانه إلا أنه سيحيلنا مباشرة إلى طرح السؤال التالي:
أي إصلاح ينبغي اعتماده لبناء مغرب جديد؟
إنها جملة دروس وعبر تبدو جلية ناصعة البياض في منعطف تاريخي يتميز بالوقت الكافي للتأمل والتدبر حول الإصلاحات التي ينبغي جعلها في صلب أولويات المرحلة المقبلة، حيث أضحى لزاما على الدولة أن تباشر إصلاحا عميقا في مجال البحث العلمي ببلادنا، خاصة وأن التحديات المستقبلية ستكون كبيرة وكبيرة جدا، على اعتبار أن البحث العلمي يعتبر الغاية القصوى للإنتاج الفكري والابتكار الذي تتجه إليه أنظار مؤسسات التعليم العالي والجامعات كونه القاطرة الفعلية للتنمية الإقتصادية والصناعية والإجتماعية والثقافية للمجتمع، والمدخل الأساس لإصلاح حقيقي لقطاع الصحة، والحديث عن تطوير قطاع البحث العلمي لن يتأتى إلا بتطوير منظومة التربية والتعليم وإصلاح جذري للمدرسة العمومية وتحديث جميع مناهجها ومقرراتها الدراسية ومرافقها وفضائها الداخلي والخارجي، كما يجب مواكبة هذا الإصلاح بتأميم قطاعي الصحة والتعليم وتجويد خدماتهما لعموم المواطنين وهي فرصة مهمة للجنة النموذج التنموي كي تأخذ بعين الاعتبار المطالب التي بلورتها ظروف مواجهة جائحة "كوفيد 19" والأولويات التي فرضت إعادة ترتيبها خصوصا بعد أثبتت أن الاستثمار في غير الإنسان سرعان ما انهار وأثبت عجزه بسبب تفشي الجائحة، وبالتالي فأي إصلاح يؤسس على رؤية استراتيجية لا يمكن قيامه إلا إذا اعتمد في أولى أولوياته تثمين العنصر البشري، غير أن هذا النهج بطبيعة الحال رهين بمدى توفير عيش كريم ومناخ وبيئة صالحة تساعد على تحقيق الأهداف والمردودية بصفة شاملة وكاملة ومانعة.
وأخيرا يمكن القول أن جل الإصلاحات مرتبطة ارتباطا وثيقا بتوزيع الكفاءات على رأس القطاعات المركزية وكذلك على المستوى الترابي، حيث أضحى اليوم ومن الضروري منح الأساتذة الجامعيين مشعل تدبير الشأن العام، خاصة وأن لديهم تكوينا علميا وأكاديميا عاليا في شتى المجالات، الذي من شأنه أن يساهم في تفعيل وترجمة جميع الإصلاحات على أرض الواقع، على اعتبار أن من أسباب تعثر الإصلاحات تتجلى في ضعف الكفاءات والقدرات البشرية، كذلك لابد من الإشارة في هذا الصدد أن أغلب المنتخبين على المستوى الترابي لا يعرفون معنى التدبير العمومي ناهيك عن التدبير وفق المقاربات الجديدة، وبالتالي يمكن القول أن زمن المنتخبين عديمي الكفاءة يجب أن يذهب بدون رجعة، كون زمن المغرب الحديث لم يعد يحتمل.
وحتى لا ننسى أهم مسألة يجب الإلتفات إليها تكمن في رفع القيود على خطباء المساجد ومنحهم الحرية في اختيار الموضوعات الحية التي تعالج قضايا العصر، وتساهم في إصلاح اعوجاج الأمة على الطريقة الشرعية الصحيحة، باعتبارها منبرا للهدايا ومنارات تضيء الدنيا وتصلح المجتمعات وتكسبهم الأخلاق، وبالتالي فدور الخطيب يبقى الأبرز في المجتمع كونه المفتي والواعظ والمدرس والمرجع الديني للناس في كل شأن من شؤون الحياة.
ضا دهمون، طالب باحث بسلك ماستر العلوم الإدارية والمالية بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية السويسي-الرباط