السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإله حسنين: القرب عن بعد والعطلة في زمن الكمامات

عبد الإله حسنين: القرب عن بعد والعطلة في زمن الكمامات عبد الإله حسنين
منذ سنوات ونحن ندافع ونرافع من أجل تنظيم الأنشطة عن قرب سواء منها التربوية والترفيهية بصفة عامة أوالتخييمية بصفة خاصة، وقدمنا حينها مقترحات عملية للوزارة الوصية، وقلنا أنه عوض المليارات في بناء مسارح كبيرة بأكثر من 800 مقعد ومرافق متعددة الاستعمالات تستهلك الإنارة دون حضور الجمهور، ومركبات ثقافية لا يدخلها إلا بعض المنخرطين وعمال النظافة حيث الخزانات فارغة والقاعات غير مستعملة، وفضاءات رياضية فوق أكثر من ثلاث هكتارات بملاعب كثيرة ومتنوعة الاختصاصات لم تجد من يؤطرها ولا من يوظفها وحراسها وعمالها أكثر من منشطيها وموظفيها؛ يمكننا توزيع هذه المرافق والبنيات التحتية على مختلف أحياء المدينة دون تكرارها على مستوى المدينة، فقاعة مسرح بمركب ثقافي توفر 250 مقعد تضل مملوءة معظم أوقات السنة، وملعب متنوع الرياضات بكل دار للشباب يلجه المنخرطون كل يوم أحسن بكثير من مركب فارغ...
وأصبح مصطلح القرب سريع التداول والانتشار فقد تم توظيفه بشكل كبير من طرف السياسيين لاسيما خلال الحملات الانتخابية والحديث عن خدمة الساكنة عن قرب وممارسة الشأن المحلي عن قرب، فتم الحديث عن سياسات القرب العمومية وملاعب القرب الكروية وفصول التعليم عن قرب ومستوصفات التطبيب عن قرب... ولسنوات لم نحقق من كل ذلك إلا القليل فقد ظلت المخيمات كما هي ليست عن قرب باستثناء بعض المخيمات الحضرية التي توجد على هامش المدن والحواضر، أما المخيمات الأخرى فكثيرا ما يسافر الأطفال لأكثر من ست ساعات قبل الوصول إليها متعبين. والملاعب لم تعد قريبة من الأحياء لأنها أصبحت بالمقابل فبعدت عن المستفيدين المحتملين الحقيقيين منها وامتلأت بزبناء وممارسين من نوع خاص يحتاجون لمكان واسع لركن سياراتهم ولحجرة لتغيير ملابسهم ولمقهى للترويح عن أنفسهم ولحكم محترف لإجراء مقابلاتهم. وقس على ذلك في المجالات الأخرى.
وإذا كانت العطلة المدرسية، وأنا أفضل الدراسية، هي فترة الخلو من الدراسة وهي بذلك جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية التي تجمع بين زمن مدرسي وزمن العطل من الدراسة؛ فإنها اليوم لم تعد قريبة بل ابتعدت عن التلاميذ بأسابيع منزلية ظهر ثقلها النفسي والاجتماعي عليهم وعلى مدرسيهم عن بعد وعلى عائلاتهم الموجودين عن قرب منهم، لاسيما وأن الدراسة عن بعد تتطلب جهدا أكبر وتركيزا أكثر من الدراسة بالفصل، وأن تعليم ثلاث ساعات عن بعد يتطلب من المدرسين تحضيرات بالساعات عن قرب تستمر غالبا إلى آخر الليل. كما أن التلاميذ وأغلب المدرسين أيضا قضوا من الزمن عن بعد عدة أيام قبل أن يتعودوا على التجهيزات والبرامج الرقمية وفتح أو إغلاق الكاميرات والميكروفونات والظهور بمظهر لائق في الصورة، وفي بعض الحالات كثيرا ما يتذكر التلاميذ مدارسهم وفصولهم الدراسية فيطلبون من المدرس بوعي أو بدون وعي منهم وعن بعد الخروج إلى المرحاض عن قرب، وبين هذه وتلك يمر التلاميذ عبر مطابخ منازلهم لتناول بعض مما يوجد على الطاولة أو بين أيدي أمهاتهم المنهمكات في التحضير لرمضان بما لذ وطاب من الشهيوات والبريوات. فهل حكم الوزير أمزازي على العطلة الدراسية بالحجر الصحي؟
وإذا كانت العطلة هي التمرس على حرية الاختيار وإبداء الرأي وتجريب الخلق والإبداع، وهذه أشياء نتعلمها خارج المؤسسة التعليمية كواحدة من المؤسسات المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية لأطفالنا، أي خلال الأوقات الحرة لهؤلاء التلاميذ الذين يجب أن يكونوا في عطلة عن الدراسة؛ فماذا نسميها اليوم ونحن أدخلنا التلاميذ في دوامة من التعب والاحتياجات النفسية والتساؤلات التي لا نجد لها جوابا. وما نريد التأكيد عليه اليوم هو أن هذه الاحتياجات النفسية التي تتزايد يوما عن يوم ضرورية لنمو وتطور شخصية الأطفال في توازن واستقلالية واعتماد على الذات.
ونحن في شهر رمضان الكريم لم نحس بالانتقال إليه ولم نعش أجوائه لا عن قرب ولا عن بعد كما هي العادة، فبين الحجر الصحي والدراسة عن بعد والتفكير في الترفيه والتنشيط والإحساس بالتعب وعدم التأكد من أن العطلة المدرسية آتية لا ريب فيها وأن الامتحانات الإشهادية لابد منها كيفما كانت الوضعية الصحية والوبائية، فبين 20 أبريل و 20 ماي مسافة زمنية غامضة من الترقب عن قرب والانتظار عن بعد لا نعلم نتائجها ولا نهايتها. مع أن أمر تواصل واستمرار الزمن المدرسي حتى داخل العطل أمر مخالف للطبيعة البشرية ولنفسية التلاميذ والمدرسين على حد سواء، ومخالف للزمن الاجتماعي الذي له علاقة مباشرة مع العائلات وبرامجهم وإلا سنتكلم عن هذر لزمن العطلة. فأين نحن من سياسة القرب في زمن الحجر الاجتماعي الذي نتعامل ونتواصل فيه عن بعد؟