Saturday 17 May 2025
كتاب الرأي

أبوأيمن الفارح: حتى لا نكسب معركة كورونا ونخسر حرب الأمن القومي

أبوأيمن الفارح: حتى لا نكسب معركة كورونا ونخسر حرب الأمن القومي أبوأيمن الفارح
الحديث عن جائحة فيروس كورونا وغزوه لكوكب الأرض، يفرض علينا اتخاذ ما يلزم من الحيطة والحذر والإجراءات الوقائية الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية أثناء محاولة ملامسته، وكذلك التحلي بالموضوعية والشجاعة من أجل التوصل إلى نتائج قد يعسر الاتفاق بشأنها.
عندما أعلنت الصين عن وجود فيروس كورونا القاتل بمدينة ووهان، يعد صمت اعتبره البعض طال أكثر من اللازم ، لم تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية الأمر على محمل الجد واعتبرت نفسها وحلفاءها بمنأى عن كل خطر وذهبت حد التشفي في الوضع الصحي وقدرة النظام الصحي الصيني على مواجهة الوباء ، حتى إن بعض منصات ومواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مواقف عنصرية مقيتة واعتبرته فيروسا مرتبطا بالجنس الأصفر.
سقطت أوروبا ومعها كثير من دول العالم في فخ الدعاية الأمريكية ولم تتخذ ما يلزم من حيطة ومن حذر ومن إجراءات واعتبرت الأمر سحابة عابرة للأجواء الصينية، أشبه بموجات وجحافل الجراد الذي يأتي على الأخضر واليابس وسيجعل الصين تركع لإملاءات العم الكبير سام بخصوص مصير ومستقبل العالم أمنيا وسياسيا واقتصاديا .
لم يكن ليغيب عن أمريكا وحلفاءها بأن الصين تملك أكبر احتياطي من العملات الصعبة وأكبر احتياطي الذهب وأكبر كثلة بشرية في الكون وأكبر حزب وطني شعبي يتم استنفار ملايين أعضاءه ومسانديه والمتعاطفين معه في ثواني معدودة، لكنها راهنت على فيروس، يتوضح يوما بعد يوم بأنها تعرفه جيدا، من أجل استنزاف هذه الإمكانيات وهذه الطاقات الجبارة، في حرب يشنها كورونا بالنيابة، من أجل إضعاف الصين وتحييدها وقطع أوصالها الاقتصادية وإدخالها مرحلة الانكماش ولم لا حتى الإنعاش السريري في المصحات المالية الأمريكية.
هذه الصين، بوفرة وانخفاض تكاليف إنتاجاتها ومنتوجاتها واختراعاتها المذهلة ومعدل نموها الذي لا يجارى، جعلت الشركات الأمريكية والمتعددة الجنسيات تتقهقر وتتراجع ويصيب العديد منها الإفلاس. كما إنه لم يعد خافيا بأن الصين رائدة الفضاء من غير منازع، تفرض تفوقها سواء من خلال أبحاثها الرائدة أو من خلال أعداد بعثاتها الفضائية الخارجية.
قوة من هذا الحجم وبهذه الإمكانيات الرهيبة وبهذا الانضباط والتأطير والتنظيم، لايمكن لأي كائن حي أو فيروس، كيفما كان نوعه ، أن يتحداه أو يفلت بجلده منه
من مزايا الصين كونها تشتغل في صمت وبمثابرة وبتواضع الكبار، حتى إنها تتعامل مع أضعف الدول والشعوب في إطار الاحترام المتبادل وبمنطق رابح- رابح، بعيدا عن كل عجرفة وعقلية تفوق عرقي وفكر استعماري كما هو عليه حال أمريكا والغرب عامة ، المستنزف لخيرات الشعوب وثرواتها ، سواء من خلال اتفاقيات ومعاهدات قهرية بائدة تمت في ظروف خاصة إبان الاستعمار أو من خلال فرض اتفاقيات أخرى مع أنظمة سياسية ريعية لا وطنية ولا شعبية.
كيف واجهت الصين العدو والجائحة ؟
على عكس ما تحاول أجهزة الإعلام الغربية وغيرها تمريره من كون الصين أنكرت وجود الفيروس وتكتمت على ظهوره، فقد تحفظت في نشر نتائج لم تكن مطمئنة إليها ، لكنها سمحت بتسريبات محدودة كانت كافية لاستنتاج ما يمكن استنتاجه، لو توفر ما يجب من حسن نية لدى الآخرين الذين ركبوا موجة حقوق الإنسان ، كعادتهم وأطلقوا أسطوانتهم المشروخة التي لم يعد خافيا بأن توظيفها يتم من اجل تصفية حسابات وقضاء أغراض خاصة ومن اجل تركيع شعوب وامم ترفض نظاما عالميا ظالما وقاهرا.
شهود من مختلف البلدان والأجناس عاشوا التجربة في الصين وما يزالون، يحكون كيف تمت عملية الحجر الصحي عموما بشكل سلس وفق مراحل مدروسة بعناية فائقة جدا ، تتغير خلالها الإجراءات بتغير المعطيات الصحية الميدانية وفي إطار الحذر الواجب المتمثل بالأساس في عدم إفزاع وتخويف المواطنين وذلك بالحد من مظاهر القوة وعدم إغراق المناطق المنكوبة بالقوات العمومية و قوات الأمن والجيش وغيرها . أجهزة الأمن حاضرة بقوة لكن بسرية، ترابط في مباني في المواقع الحساسة والمناطق ذات الكثافة السكنية المرتفعة، تراقب الوضع عن كثب وعندما تكون الحاجة لتدخل فإنه يتم بسرعة وبنجاعة .
- دوريات أمنية محسوبة موزعة بعناية حسب احتياجات المناطق والأحياء، ولا وجود لدوريات أمنية مختلطة ومختلفة لراجلين تجوب الشوارع بأعداد كبيرة وباحتفالية واستعراض للقوة.
- لم تتم الاستعانة بالجيش الوطني الشعبي الصيني، لكنه كان في حالة أهبة و استعداد في ثكناته تحسبا لأي خطر أجنبي ، بدرجة أولى ومن أجل المساهمة في حفظ الامن العام ، إذا ما دعت الضرورة لذلك.
- أعلن الحزب الشيوعي الصيني الانخراط التام لكل أعضاءه في المعركة وفي المجهودات التي تبذلها الحكومة والشعب في محاصرة ومحاربة الوباء القاتل وتجند ملايين أعضاءه من أجل إيصال المؤونة والغذاء والدواء للمواطنين والمساهمة في عمليات النظافة والوقاية والتوعية وتنظيم عمليات الولوج إلى المستشفيات والملاجئ.
وعندما تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية ، كان الصينيون في المناطق المتضررة والمناطق الهشة صحيا بحكم قربها من بؤر الوباء يطبقون توجيهات وتعليمات الحكومة والمسؤولين المحليين وتعليمات الخبراء والأطباء، وكانت وحدات الإنتاج الحيوية تضاعف إنتاجها لتعويض التأخير والخسائر الناجمة عن الوحدات التي تم إغلاقها، كما حولت بعض الوحدات أنشطتها الصناعية الرسمية لفائدة منتجات للصحة والوقاية.
في أقل من شهرين ، تجاوزت الصين المحنة وخرجت باقتصاد معافى وكسبت تجربة فريدة على المستوى العالمي ، في حرب بيولوجية هي الأولى من أجل البقاء وعلى درب الصراع من أجل قيادة البشرية من أجل غذ أفضل.
مقاربة أمنية في مواجهة فيروس كورونا وبأي ثمن ؟
في هذه الأجواء الشبيهة والمماثلة لأجواء حرب عسكرية ، ينازع المغرب من أجل الاعتراف بمجهوداته في محاربة فيروس كورونا ، حماية لمواطنيه ولسكانه وللبشرية ، لهذا الغرض سلك نفس مسلك ومضمار الصين، باستحضار الفارق الكبير ، طبعا ، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ، سواء على مستوى السرعة في الحد من حرية التنقل الجماعي والفردي في مرحلة أولى وما تلاها من تعطيل للمدارس والمعاهد ثم إغلاق الحدود فحضر التجول داخل المدن وإغلاق المرافق الغير الضرورية وبعدها حضر التنقل بين المدن والبلدات والمناطق وغيرها من الإجراءات الخاصة المتقدمة المتعلقة بعزل المستشفيات والأطقم والأطر الطبية. لكن الاختلاف جوهري مع الصين ، يمكن رصده في المقاربة الأمنية التي تعتمدها الدولة المغربية إطارا جاهزا في معالجتها للأزمة، تصهر فيه باقي المقاربات والإجراءات،الصحية والاجتماعية والاقتصادية، في حين كانت المقاربة الصحية هي عماد وركيزة الآلة الصينية في حربها الضروس ضد الفيروس.
- لم تنهك الصين أطقمها وأطرها الطبية ونجحت في الحفاظ على معنوياتهم مرتفعة عالية
- لم تنهك و تستنزف قواتها الأمنية ولم يكونوا تحت الضغط إلى حد لجوئهم إلى توسل واستعطاف المواطنين لكي يلزموا بيوتهم واحترام قانون حالة الطوارئ الصحي.
لقد بدأت أعراض التعب والعياء البدني وبداية الانهيار النفسي لدى الكثيرين من المرابطين في خطوط المواجهة الأولى سواء العاملين في القطاع الصحي والتي تبدو جلية في مداخلاتهم ورسائلهم الموجهة للمواطنين عبر مختلف المنابر الإعلامية الرسمية العمومية وكذلك المنابر الحرة ووسائط التواصل الاجتماعي، حيث التوتر والقلق والخوف واضحا تعبر عنه مضامين الخطابات التي بدل استعمال أدوات ومعطيات طبية علمية وميدانية وطرح سبل ووسائل الخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة وتعبئة المواطنين في هذا الإطار، بدل هذا يتم استعمال خطاب التوسل للمواطنين لمساعدتهم على تجاوز المرحلة ليتمكنوا من العودة لأولادهم وعائلاتهم وكأنهم بهذا يحملون المواطن أسباب ونتائج وتبعات الفيروس ويحملونه مسؤولية وضعهم.
الأمر لا يختلف في الميدان الأمني، حيث يبدل الجميع مجهودات كبيرة والتقارير المسموعة والمرئية تبين درجة العياء والتوتر التي تقف وراء السلوك العنيف لبعض رجال الشرطة والقوات العمومية اتجاه بعض المواطنين ، كما إننا شاهدنا بعضهم يتوسل المواطنين من اجل التزام بيوتهم فجرفتهم موجة بكاء تظهر مستوى التشنج والعياء والتوتر النفسي الذي بدأت آثاره تظهر على المردودية.
مواجهة جموع العاطلين والمياومين والعرضيين والعاملين في القطاعات الغير مهيكلة ، ليس بالأمر السهل وتسوء الأمور أكثر عندما يتعلق الأمر بآلاف العاملين في القطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية الغير مصرح بهم لدى مؤسسات الضمان الاجتماعي من قبل مشغليهم ، أو يتم التصريح بهم بشكل متقطع في تحايل على القانون وبتواطؤ وصمت المسؤولين.
نتفهم اندفاع بعض رجال ونساء السلطة العمومية حديثي العهد بالخدمة والذين يكادون يخلطون الليل بالنهار في مزاولة مهامهم بهدف إثبات ذواتهم ، ونثمن سياسة القرب التي تنهجها قوات الأمن عموما اتجاه المواطنين، لكننا بقدر تفهمنا ، نحن قلقون من ظهورهم الإعلامي ومن تسويقهم بشكل يزيد من قوة الضغط عليهم ويؤثر على صحتهم البدنية والنفسية فينعكس سلبا على جودة الخدمات والمهام المنوطة بهم وعلى علاقاتهم بالمواطنين في الحاضر وفي المستقبل.
لا أحد يمكنه التنبؤ بعمر هذا الفيروس القاتل وبتبعات ومخلفات الحرب ضده سيكون ما قبل كورونا وما بعد كورونا يجب تدبير المخزون الأمني تدبيرا عقلانيا جيدا وعدم استنزاف كل الطاقات وعدم حرق كل الأوراق في معارك أولى .