الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

رضا الفلاح : سياسات مواجهة كورونا واكتمال ملامح النظام الدولي الجديد؟

رضا الفلاح : سياسات مواجهة كورونا واكتمال ملامح النظام الدولي الجديد؟ رضا الفلاح
تذهب الكثير من التحليلات إلى القول بأن جائحة كورونا ستغير وجه العالم وبكونها حدثا مفصليا قد تفرز لنا نظاما دوليا جديدا. ينطلق هذا الطرح من قراءة سريعة للأعراض التي تبدو على هذا النظام ولا تبالي بما يعتمل داخله من صيرورة الاضطرابات  وحسابات المنافسة والصراع الدوليين وهي أمور تعيدنا إلى الثابت في السياسة الدولية و إلى نمط الاستمرارية في النظام الدولي المنبثق عن سقوط جدار برلين و نهاية القطبية الايديولوجية الثنائية. إذا كان من المؤكد اليوم أن عولمة الأوبئة تشكل عنصرا من عناصر النظام الدولي غير أنها لا تمتلك القدرة لوحدها على إحلال نظام دولي جديد شأنها شأن عولمة الإرهاب أو التغيرات المناخية العالمية لأن مثل هذا التغيير لا يمكن أن يحصل خارج إطار العلاقات الدولية، أي بمعزل عن تدخل الدولة و عن استراتيجياتها المعلنة وغير المعلنة.     
إن الأعراض الظاهرة من غلق للحدود واستعادة الدول لسلطة صناعة القرار تجاه الفاعلين غير الدولاتيين وفرض حالة الطوارئ  تمثل في واقع الأمر ترتيبات سياسية ودستورية مهيئ لها ومعد لها سلفا في الأوضاع القصوى، وحتى و إن بدت استثنائية في ظاهرها إلا أنها تندرج ضمن طفرة جديدة يعرفها النظام الدولي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي مرورا بأحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 و الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008. 
إن أسباب هذا التحول ليست وليدة جائحة كورونا بل هي أسباب راجعة لاتفاق افتراضي و غير مكتوب بين الدول حول ضرورة استباق توقعات متطابقة بتآكل النموذج النيوليبرالي بآفاته الكبرى من انحلال لرابطة العقد الاجتماعي والذي يعتبر أساس وجود الدولة، وموت بطيء للطبقة الوسطى وأزمة الديمقراطية والتي هي في الباطن أزمة مشروعية الدولة. 
هذا التحول الذي تقوده نخب الدول العميقة السياسية و الاقتصادية والعسكرية يأخذ عدة أشكال عبر العالم يختلط ضمنها مزيج من الشعبوية و السلطوية والحمائية والقومية وسياسات الحد من تدفقات المهاجرين ومواجهة تضخم الحريات الفردية المهدمة للأسرة. 
لقد صادف هذا التحول في مساره تفشي جائحة كورونا وقد كانت في البداية مصادفة مفاجئة ومربكة تعاطت معها الدول وخاصة الأوروبية منها بنوع من الاستخفاف، ولم تقرر حينها اتخاذ الإجراءات الاستثنائية التي تتناسب و حجم  المخاطر الصحية وبتنبؤات الانهيار الاقتصادي الذي سيتلو خروج الوباء عن السيطرة. 
لكن، وبعد فترة الارتباك عاد رد الفعل البراغماتي والصارم إلى الواجهة وقررت العديد من الدول أن تتخذ قرارات استثنائية لمواجهة الوضع و  تفاديا لحدوث  تداعيات خطيرة قد تتسبب في نشوب الفوضى الداخلية. تبعا لذلك، نستطيع أن نرى عبر هذه القرارات المعالم المكتملة لمستقبل النظام الدولي الجديد في شكله النهائي عبر إمساك الدولة بلوحة قيادة الاقتصاد مجسدة بذلك نموذج الدولة الرأسمالية، وأيضا عن طريق التراجع عن التكثلات فوق الوطنية والعودة القوية للالتفاق حول الأمة في حدودها السياسية، و اتباع السياسات القومية الرافضة للمهاجرين و للعولمة، وأيضا نهج سياسات اقتصادية تندرج ضمن القومية الاقتصادية كالحمائية ودعم الصناعات الوطنية.
وفي نفس الوقت ، تظهر لنا بعض القرارات ذات الحمولة الاجتماعية وهي تسعى لتعويض الضرر أو التخفيف منه في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية لكنها تمثل في سياق التباطؤ الاقتصادي العالمي و التداعيات السلبية لنظام اقتصادي تهيمن عليه المعاملات المالية والبنكية  Financial Economy  ضرورة ذات أهمية قصوى إذا ما أرادت الدولة القومية الرأسمالية أن تنفذ برامجها السياسية و الاقتصادية على المديين المتوسط و الطويل.
جائحة كورونا ليست نهاية عالم قديم  و بداية عالم جديد، لكنها فرصة أخرى لتسريع وتيرة التحول الراهن في النظام الدولي والمطبوع بعودة شوكة الدولة وتسييس الاقتصاد والتحكم في الحدود وفي العولمة. غير أن نجاح واكتمال هذا التحول رهين بالاستثمار في الرخاء الاجتماعي بعيدا عن نظريات النمو الاقتصادي ودوغمائية خبراء المؤسسات النيوليبرالية العالمية.
أستاذ العلاقات الدولية و القانون الدولي بجامعة ابن زهر-أكادير