الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور :هذه هي رسائل مسيرة سوس بالبيضاء

الحسن زهور :هذه هي رسائل مسيرة سوس بالبيضاء الحسن زهور
قبل الحديث عن دواعي المسيرة الضخمة إلى نظمها السوسيون بالدار البيضاء بتأطير من الجمعيات و التنسيقيات و المناضلين ضد تسلط الرحل و ضد القوانين الجائرة في حقهم و المتمثلة في انتزاع أراضيهم و تسليط "الحلوف" عليهم، علينا أن نستحضر ظاهرة تعتبر الآن من المسلمات في المغرب الذي أراد له البعض أن يرجعه إلى وضعية بلد المخزن بدلا من بلد المواطنة و حقوق الإنسان الذي انطلق به العهد الجديد.
هذه الظاهرة هي إصرار بعض الجهات في الحكم على إثارة غضب الناس و دفعهم للتظاهر بدلا من حل مشاكلهم، إلى أن أصبحت المسلمة التالية من المسلمات التي ترتكز عليها السلطة و هي " لكي تلتفت إليك السلطات في المغرب تظاهر"، فبدلا من حل المشاكل من طرف السلطات الجهوية تزيدها اشتعالا ليخرج الناس إلى الشوارع، و هي الظاهرة التي نراها في اغلب الجهات .
لكن سوس لها وضع أخر، فقد بلغ غضب الساكنة بها بجمعياتها و تنسيقياتها درجة لا تطاق بعد تحملها الصبر و الكثير من الظلم و الاعتداءات أمام أعين السلطات و تجاهلها و استهتارها بهذه الظلم و الاعتداءات و نزع الأراضي:
- فمنذ سنوات و ساكنة سوس تشتكي من الرعي الجائر و هجوم جحافل الإبل على ممتلكات الساكنة التي أتت على الأخضر و اليابس، فبدلا من أن تتدخل السلطات المحلية لوقف هذه الاعتداءات على الممتلكات و تطبيق القانون غضت الطرف عنها، مما يوحي بأنها رسالة مبطنة لتشجيع هؤلاء الرعاة على التمادي في اعتداءاتهم و عدوانهم ( فما الأهداف من وراء ذلك؟)، فنتجت عن هذا مواجهات تتدخل فيها السلطات لاعتقال المعتدى عليهم بدلا من المعتدين، كما نتج عن هذه الاعتداءات أصابات منها مقتل مسن من الساكنة و حكم على المعتدي بعشر سنوات سجنا قضى فيه فقط بضعة أشهر .
- منذ سنوات تم إطلاق جحافل من الخنازير في سوس عاثت في الأرض فسادا و أهلكت الحرث و هددت حياة الساكنة و نتجت و تنتج عنها إصابات بليغة، و استحدثت قوانين تحمي الحلوف، فلا يستطيع السكان الدفاع عن ممتلكاتهم لان القانون حمى اعتداءات الحلوف على الساكنة، فأصبح الحلوف فوق القانون و بالقانون، و انقلبت الأية فأصبح الحلوف في سوس يتمتع بكامل المواطنة في حين أصبح السوسي في أرضه و وطنه أدنى قيمة من الحلوف مواطنة.
- و في الوقت الذي تسلب الدولة الأرض من السكان الأصليين فإنها لا تدخر جهدا لتسليمها لأمراء الخليج لإقامة محميات اللهو و الصيد، و لو كان الأمر متعلقا باستثمارات تعود بالنفع على المنطقة و على ساكنتها لهان الأمر و لصنف ضمن المصلحة للعامة.
- تعيش اغلب المناطق في سوس و خصوصا الجبلية منها و التي تشتهر بمناجمها الثمينة كالذهب و الفضة و النحاس ... تهميشا في التنمية كمنطقة اقا و تافراوت، حيث يوجد اكبر منجم الذهب في المغرب لكن هذه المنطقة التي تعيش فوق الذهب تعيش فقرا و هي خارج التنمية.
- في عهد حكومة بنكيران ارتمت الدولة على أراضي القبائل بما فيها أراضي الجموع و الأراضي السلالية...بدعوى ضمها الى ملكية الدولة و حرمت السكان من موارد عيشهم ، و كان "فضل" السيد بنكيران على سوس كبيرا حين رجع إلى قوانين الاستعمار الفرنسي لتطبيقها على اراضي سوس نتج عنه انتزاع الأراضي من السكان و حرمانهم من موارد العيش و هي هدية منه لساكنة مدن سوس التي صوتت على حزبه، و نعم الهدية.
هذه القضايا المتراكمة و التي مست السكان في وجودهم هي ما دفعتهم إلى الاحتجاجات و تنظيم أنفسهم في جمعيات مدنية و تنسيقيات منذ عدة سنوات، و أمام صمت و تجاهل السلطة انتقلت التنسيقيات إلى الاحتجاج وطنيا، توج بالاحتجاج الكبير أمام البرلمان شهر أكتوبر الماضي ليليه الاحتجاج الضخم بمدينة الدار البيضاء يوم الأحد 25 نونبر.
هذا الاحتجاج الضخم الذي عرفته البيضاء يوحي بعدة رسائل:
أولا: هذه التظاهرة الضخمة جاءت في وقت كانت البيضاء تعيش فيه حدثا كرويا افريقيا كبيرا، و كان من الممكن ان يؤثر سلبيا على التظاهرة، لكن المشاركة المكثفة للمتظاهرين فاقت التوقعات و اثبتت ان الارض عند السوسيين أهم من كل شيء.
ثانيا: أثبتت التظاهرة الضخمة أن الشارع الآن ليس ملكا محتكرا من قبل الأحزاب "اليسارية" و لا "للحركات الإسلامية" التي تستغله في صراعها السياسي، الوافد الجديد المنظم لهذه التظاهرة الكثيفة أصبح بدوره الآن رقما مهما في الساحة، و مطالبه مرتبطة بالأرض و بالتنمية و بالهوية و ليس بالصراع السياسي المباشر كما يفعل الآخرون.
أكد حجم التظاهرة ان المواطنة المرتبطة بهذه الأرض هو المطلب الأساسي للمغربي في سوس( اكال- افكان- اوال) أي الأرض و الإنسان و اللغة. تلك المواطنة التي يحس من خلالها المواطن بانه مغربي و ليس شيئا آخر، يحس بثقافته و بانتمائه إلى أرضه بدون تمييز في المواطنة.
رابعا: إن مسيرة البيضاء بهذه الضخامة أبانت عن مدى قوة الجمعيات الأمازيغية في تغيير المعادلات السياسية القائمة سواء لدى الأحزاب أو السلطة، باعتبار هذه الجمعيات رقما مهما لا يمكن منذ الآن التعامل معه باستخفاف.
خامسا: أثبتت حجم التظاهرة و دقة تنظيمها و سلاستها الانضباط و المسؤولية و الاحترام والأخلاق التي يتحلى به المواطن المغربي إن احترمته السلكة.
فهل ستستجيب السلطات لمطالب الحركة الاحتجاجية بسوس؟؟ لينطق صوت العقل.
-ذ. الحسن زهور، باحث ومحال سياسي