في نونبر 2007 رفع المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي تقريرا طافحا بالأرقام الصادمة حول ظاهرة الباعة المتجولين بالدارالبيضاء تضمن رقما مفجعا يتمثل في وجود 128 ألف بائع متجول بالعاصمة الاقتصادية!!
وأوضحت دراسة المندوبية أنه من أصل 100 من مجموع السكان النشيطين بالبيضاء هناك 10 منهم يفترشون الأرض ويعرقلون المرور بالشوارع ويتركون يوميا حوالي 130 ألف كيلو من الأزبال في الدروب والأحياء البيضاوية، أي 48ألف طن من النفايات سنويا (وهو ما يعادل حجم ما تنتجه ساكنة مدينة من حجم بركان!)
وتبقى عمالة الفداء هي الأكثر تضررا من هذه الظاهرة، إذ تأوي لوحدها 10 في المائة من الباعة المتجولين (13 ألف فراش أو صاحب عربة) موزعين على 30 نقطة بيع بمختلف أحياء هذه العمالة المهمشة.
ورغم مرور أكثر من ثمان سنوات على هذه الدراسة المسلمة للمسؤولين، فإن الوضع عوض أن يعرف تطويقا نراه يتفاقم كل يوم عبر زحف باعة آخرين على قضم مساحات إضافية بهذا الشارع أو تلك الزنقة في كل أحياء الدارالبيضاء.
والمؤسف أن الدولة - في شخص حكومة جطو آنذاك - رصدت 10 ملايير سنتيم للتصدي للظاهرة، فتفاحشت الظاهرة كما أوضحنا وتم تبذير الملايير العشرة في أسواق نموذجية ظلت معظمها مهجورة لرفض الباعة المتجولين الانتقال إليها.
والمتتبع للنقاشات التي تتم حاليا على هامش طلب مرتجعة التصميم المديري للدارالبيضاء سيصاب بالغثيان، بالنظر إلى أن واضعي التصميم يتحدثون عن منافسة الدارالبيضاء لبرشلونة وشنغهاي (الله ينعل للي ما يحشم!!) وضرورة الاستعداد لتمتيع المدينة بوثيقة تعمير تمكن الدارالبيضاء من أن تكون قادرة على منافسة كبريات المدن العالمية! بدون أن يجرؤ منتخب أو رجل سلطة أو مهندس أو مخطط حضري ليشرح لنا كيف ستكون هذه المنافسة؟ وما هي مقوماتها؟ هل ستكون بالحمير والفرّاشة (بتشديد ونصب الراء) أم ستكون بالناتج الداخلي الخام وكثرة اليد العاملة المؤهلة وخريجي المعاهد والكليات وبوسائل النقل الحضري الملائمة وتوفر المدينة على المرافق الكبرى الضرورية وعلى جودة العيش؟لأنه حسب علمنا وزياراتنا للعديد من المدن العالمية، فإن شوارع هذه المدن مؤثثة بالحدائق والأشجار وبالأثاث الحضري الأنيق، وتمتاز بسيولة السير وبسهولة التنقل وليس بكثرة
الباعة المتجولين الذين يشوهون المنظر ويحتلون الشارع بدون وجه حق. وحتى في الحالات التي توجد فيها مجموعة من الباعة المتجولين بهذه المدينة الأوربية أو تلك الأمريكية، فإن عددهم لا يمثل 10 في المائة من مجموع القوى النشيطة بالمدينة (مثلما هو الحال في الدارالبيضاء) بل ينحصر في حفنة من الأشخاص تحرص السلطات الأوربية والأمريكية هناك على تنظيم وجودهم ونظافة مكانهم وضبط توقيتهم ومراقبة سلوكهم الأخلاقي والبيئي.
لقد حان الوقت لترقى ظاهرة الباعة المتجولين بالدارالبيضاء إلى شأن سيادي يوضع في الأجندة العمومية المركزية، كإحدى الأولويات التي تؤرق السكان، بدل التعامل مع الظاهرة بالبيضاء وكأنها ظاهرة وطنية.
المدينة الثانية ديمغرافيا بالمغرب بعد الدارالبيضاء هي سلا (حوالي مليون نسمة)، ومع ذلك فإن الإحصاء الرسمي للباعة المتجولين بها كشف عن وجود
4000 بائع متجول فقط بهذه المدينة، أي بائع متجول لكل 250 مواطن بسلا بينما في الدارالبيضاء هناك بائع متجول لكل 23 بيضاويا (للمقارنة هناك بوليسي واحد فقط لكل 600 بيضاوي، وفي برشلونة هناك بوليسي واحد لكل 180 مواطن، مما يبين مستوى وعي البرلمانيين الإسبان لتمتيع برشلونة بالإمكانيات مقارنة مع البيضاء التي لا يهتم معظم برلمانييها سوى بمراكمة الهمزات أو التبندير في التلفزات). وبالتالي لا مجال للمقارنة بين الدارالبيضاء وعموم مدن المغرب، فأحرى أن نقارنها مع مدن العالم المتحضر.
إنه لمن العار أن نؤرخ للدارالبيضاء بالباعة المتجولين بدل أن نؤرخ لها بأحواض الحوت أو المتاحف والمنتزهات أو بحدائق الألعاب الكبرى للأطفال أو بالممرات الخاصة للدراجات Les pistes cyclables أو بالجيل الثالث من الأثاث الحضري لتزيين الشوارع!!