الأحد 12 مايو 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني:على أي مذهب إسلامي سيحاسبنا الله غدا يوم القيامة؟

الصادق العثماني:على أي مذهب إسلامي سيحاسبنا الله غدا يوم القيامة؟

إن التجديد في الدين الإسلامي ظاهرة صحية وضرورة اجتماعية تمليها ظروف الحياة المتجددة وتطوراتها المتلاحقة، ولم يكن المجتمع الإسلامى فى فترة من فترات تاريخه الطويل أحوج إلى التجديد منه اليوم؛ حين تواجه البشرية عموما مرحلة تحول حضارى عالمى مذهل ومحير طال المعايير والموازين والمبادىء والأخلاق والقيم، ولم ترس سفينته بعد، فما تزال تمخر فى عباب بحره المتلاطم، ولا تدرى هل تتعثر أو تصل إلى بر الأمان بسلام؟ ولا ندرى متى يكون ذلك؟ مع العلم أن المجتمع الإسلامى ليس إلا جزءا من هذا المجتمع العالمي المتغير والمتقلب والمتحول والمسافر مع المسافرين في موكب مسيرة الحياة البشرية، هذه المسيرة الحتمية التى لم تتحدد وجهتها بعد، لذلك تحتاج إلى فكر جديد تصيغه عقول متنورة وأفهام متبصرة، عاشت هذا الواقع وسبرت أغواره وأنجاده، وحللت ظواهره وأبعاده، عقول متنورة بنور المعرفة، متقيدة بضوابط الشريعة، متحررة من الجمود والتقاليد والعادات، ملتزمة بالثوابت دون المتغيرات. ولا يمكن أبدا أن نواجه هذا العصر وما فيه من تحديات وتحولات وإشكالات ومستحدثات ومستجدات بكتب وفتاوى عتيقة وأحاديث موضوعة وأفكار صيغت فى ظروف مغايرة تماما للظروف التى نعيشها اليوم، أو نظل أسرى لتراث يشتمل على الكثير من الخرافات والأوهام والإسرائيليات..
لكن بعض المتفيقهين مع الأسف الشديد، يحاولون ما استطاعوا إليه سبيلا أن يجعلونا في سجن هذا التراث وفتاوى علمائنا الأجلاء وفقهائنا الفضلاء؛ محاولين بذلك نقل ماضي أجدادنا الذي كان صالحا في آنه وزمانه ومكانه، دون النظر إلى معنى التقادم الزمني، والتطور المجتمعي في مراقي الصعود الحضاري والتطور الإنساني، ولم يقفوا عند هذا الحد وفقط؛ بل أصبحوا مخبرين ومفتشين في ضمائر السادة العلماء وما يسطرونه عبر مواقع التواصل الإجتماعي والشبكات العنكبوتية، فتراهم يقلبون المواقع وصفحات الكتب ودروس العلماء وتسجيلاتهم لعلهم يظفرون بوجبة دسمة لأقلامهم وألسنتهم ، مما يظنونه أخطاء لهم؛ بحيث هؤلاء جمدوا عقولهم وقدسوا أقوال واجتهادات أجدادهم وتراثهم، ولم يبدعوا هم في شيء، وغاية إبداعهم واجتهاداتهم هي لذع الآخرين بسنان أقلامهم وألسنتهم، وكأن الدين حصر وجمع في متون وفتاوى الأولين وليس في القرآن المبين.. في الحقيقة هؤلاء هم المعطلة، عطلوا ما يملكونه وما كرمهم الله به، وهو عقولهم؛ بحجة الخوف على التراث والموروث، وكأن التراث هذا نزل من حكيم عليم خبير على قلب رسول ونبي كريم لا يمسه إلا المطهرون، وليس هو من أقوال واجتهادات الأولين، تحتمل الصواب والخطأ، وصدق رب العزة في كتابه المبين عندما دعا عباد الأوثان إلى توحيد الله المنان أجابوه: " بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون.." .
فكتب تراثنا الإسلامي مالم يتم مراجعتها وتنقيحها وتصحيحها وتجديد مضامينها وغربلتها -إن صح التعبير- مما علق بها أو دس فيها من أساطير وخرافات وروايات مكذوبة وموضوعة، أو تجاوزه الزمان أو غيبت حجيته مستجدات العصر ومستحدثات الأمور، فإن هذا التراث سيصبح مادة دسمة للمتطفلين والكتبة والملحدين، يعبرون من خلاله للطعن والتهجم على رسالة الإسلام وعلى صاحبها عليه الصلاة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فأنا لا ألوم هؤلاء الكتبة، بقدر ما ألوم ورثة الأنبياء السادة العلماء أهل الإختصاص، الذين تقاعسوا في تأدية مهامهم والدور المنوط بهم، وهو التبليغ والبيان؛ لأن العالم أو الفقيه كالفلاح، إذا لم يقم بواجب الحرث والزرع ستكثر الطفيلات في الحقل، وتضيع الغلة، ويهلك الحرث والنسل، وعندما أقول مهمة البيان والتبليغ، أعني بذلك تبليغ الدين الإسلامي المحمدي الصحيح السليم الجميل الإنساني.. وليس دين الجماعات والأحزاب والمذاهب والطوائف والقتل والدم والتكفير وقطع الأعناق والأرزاق، وفي هذا السياق أطرح على نفسي وعلى قرائنا الأعزاء هذا السؤال: على أي مذهب إسلامي سيحاسبنا الله غدا يوم القيامة ؟ هل سيحاسبنا على أننا من أهل السنة والجماعة ؟ أم سيحاسبنا على أننا من الطائفة الشيعية ؟ أم الزيدية أم الإباضية ؟ أم سيحاسبنا انطلاقا من المذهب الشافعي أو المالكي أو الحنبلي أو الحنفي...؟ .
الله جل جلاله عندما سيحاسبنا غدا يوم القيامة فإنه لا ينظر إلى صورنا ولباسنا وقبائلنا ومذاهبنا وجماعاتنا الدينية وأحزابنا الإسلامية ودولنا القومية وألواننا؛ وإنما سينظر إلى قلوبنا وإيماننا، ولهذا سؤال الملكين في القبر سيدورعن ثلاثة أشياء فقط، ولا يدخلان معنا في تفاصيل عقدية مذهبية دقيقة معينة وهي : من ربك ؟ ما دينك ؟ ومن نبيك ؟.
كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام ذهب في هديه وتوجيهاته في سياق هذه المعاني السامية للدين الذي جاء رحمة للعالمين؛ من أجل التيسير والتقريب بين المسلمين وجمع كلمتهم، وأن يكونوا أمة واحدة موحدة قوية، لاشعيا وطوائف قددا، ألم يقل عليه الصلاة والسلام: "من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، الذي له ذِمّةُ الله وذِمَّةُ رسوله، فلا تُخْفِروا الله في ذمَّته". رواه البخاري.
هذا هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي استبدله المسلمون اليوم بأديان الطوائف والمذاهب والفقهاء والأحزاب.. وهو الدين الذي سيحاسبنا الله عليه غدا يوم القيامة.