السبت 11 مايو 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك:تمخضت "الدارالبيضاء" فأنجبت علامة!

وحيد مبارك:تمخضت "الدارالبيضاء" فأنجبت علامة!

الدارالبيضاء، مدينة ذكية، ضدا عن غباءنا، وعن إنشاءاتنا البئيسة، ومتمنياتنا المريضة، ذكية فوق ما يتصور عقلنا القاصر، وفوق كل حدود مخيّلتنا جميعا، فهي كذلك بقوة "الواقع" الافتراضي الذي يبصره القائمون على تدبير المدينة من مجالس منتخبة ومدراء لشركات التنمية المحلية، كيف لا وهي مدينة رقمية، وإن كانت تصر أعيننا على ألا ترى فيها إلا الترييف والبدونة، فهذه المدينة "الفيسبوكية"ّ، ذات النفحة "التويترية" الغارقة في "اليوتيوبية"، التي يصطلح عليها بالعاصمة الاقتصادية، أمكن لها اليوم الإثنين 24 أكتوبر 2016، أن تحقق إنجازا تاريخيا وأن تصبح لها شهادة ميلاد، وهي التي كانت إلى عهد قريب مجرد "لقيطة" بدون هوية، لكنها وبفضل مختبرات شركة "التنشيط والتظاهرات" أصبحت اليوم تتوفر على بصمة "جينية"، وعلامة ترابية، خوّلت لها أن تخفي قبحها وتصبح لها جاذبية؟
إنجاز غير مسبوق يجُبّ كل ما سبق من مؤاخذات، ويلغي كل الأحكام السالفة ويبطل جميع الانتقادات، فهذه المدينة التي كانت منبوذة منا، حسب اعتقادهم، متناسين أننا نؤمن بأن "اليد المجدامة هي منّا"، بات مسموحا لنا اليوم فقط، وفقا لما يتخيّلون، أن نفخر ونعتز بالانتماء إليها، بعدما بات ولوج جميع الفاعلين والمتدخلين إليها، سواء بالقطاع العام أو الخاص، سلسا، حتى ترقى لمستوى المدن العالمية، المدينة التي ستغير العلامة الترابية من ملامحها، هذه العلامة التي خضع تصميمها لمناهج علمية دقيقة سمحت بإعداد الصورة التعريفية للمدينة وذلك قبل التفكير في استراتيجية العلامة وتطويرها وبرنامج العمل المرافق لها، وفقا للتصريح الرسمي.
هو فصل جديد، من فصول التيه، الذي يحاول أصحابه إلغاء التاريخ والواقع الفعلي للمدينة، وتجريدنا جميعا من انتماءنا للدارالبيضاء برفعهم للشعار الجديد "نحن الدارالبيضاء"، فمن تكون المدينة حقا؟ وهل الدارالبيضاء تُختزل فيهم، أم فينا نحن الذين في الضفة الأخرى من الحلم، الذي نعيش الواقع كما هو بدون مساحيق ورتوشات، ونلامس تفاصيلها بدون تزييف؟ هل الدارالبيضاء، هي ذلك المواطن في "سيدي الخدير" والهراويين، وحتى درب السلطان، حيث الخدمات الصحية تعاني الهزال، وحيث المراكز الصحية غارقة في الأزبال، وحيث المدارس مقفلة والأقسام مكتظة، وتغيب الأجوبة عن كل الأسئلة التي تدور بالبال، وحيث ترتفع نسب الإصابة بالسل، ونفتقد للسكن اللائق، وينشغل المواطن بالبحث عن لقمة عيش، وبذهنه ألف سؤال وسؤال؟
هل الدارالبيضاء هي الأحياء الراقية، والأرقام المالية، والمعاملات الاقتصادية، أم هي نحن جميعا، بكل المتناقضات، وتنتظر منا أن نستفيق من السبات، ونشمر على سواعدنا حقا لانتشالها من براثن المخططات الورقية والمشاريع الافتراضية، وإهدار المال والوقت في الاجتماعات، ووأد الطاقات، مقابل تفريخ الشركات بتعدد التسميات، البعيدة عن هموم البيضاويين وعما يختلجهم من طموحات؟
الدارالبيضاء أعياها الارتجال، ونخرت عظامها التجارب وتعدد المغامرات، إن لم نقل المقامرات، وهي تحتاج منذ الأمس قبل اليوم إلى إرادة فعلية لا إلى علامة ترابية، وإن كانت بنفس حالم، فهذه المدينة وإن كانت تبدو فقيرة فهي غنية، لكن شتان الفارق بين ما هو واقعي وما هو افتراضي!