أكد الأستاذ سمير آيت ارجدال، رئيس المحكمة الابتدائية بوادي زم، أن عدالة الأحداث تعرف أزمة بنيوية عميقة "وذلك من منطلق أن حضور الوعي بظاهرة جنوح الاحداث لم تصاحبه مقاربة علاجية تأهيلية حقيقية وناجعة ذات أبعاد تشاركية"..واضاف رئيس المركز المغربي للمعالجة التشريعية والحكامة القضائي في لقاء مع "انفاس بريس" على خلفية ندوة نظمت مؤخرا بالدار البيضاء، "ان تعدد الفاعلين في منظومة هذه العدالة، وما يثيره ذلك من إشكالات على مستوى تعدد المواقع والمرجعيات والاستراتيجيات، يخل بمبدأ تكامل الرؤية والعلاج في إقرار سياسة وطنية تأهيلية مندمجة ذات اهداف تربوية وتقويمية غير قطاعية".
وعزا الأستاذ أيت ارجدال تجليات الأزمة في عدالة الاحداث، في الارتفاع المهول في نسبة جنوح الأحداث نتيجة غياب المقاربة التربوية والمواكبة الاجتماعية للأطفال في حالة نزاع مع القانون. إضافة إلى تدني مؤشر المصاحبة القانونية والمواكبة الدفاعية والصحية خلال أطوار المحاكمة. وهو ما كان له انعكاس سلبي على تزايد معدل إيداع الجانحين في المؤسسات السجنية رغم الصعوبات الواقعية والإكراهات العملية التي تعانيها هذه الأخيرة، سواء من حيث القدرة الاستيعابية والموارد المالية غير الكافية والعناصر البشرية غير المتخصصة في المنهجية والسلوك والتأثير والاستماع، أو من حيث عدم ملاءمة شروط الإيواء في الشق المرتبط باحترام مبدأ الخصوصية -سواء في جانبه المتعلقبالسن أو بالجنس أو بالسبب- كمبدأ من المبادئ التوجيهية الكونية المعتمدة في عدالة الأحداث وفق اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث لسنة 1985.. مضيفا ان67 في المائة من الأحداث الذين يلجون مراكز حماية الطفولة يعودون لارتكاب أفعال جرمية أكثر خطورة تجعلهم في براثين المؤسسات السجنية، وهو ما يستلزم مراجع القواعد التوجيهية الكونية المعتمدة في عدالة الاحداث بشكل يستحضر حماية الخصوصية والممارسات الفضلى للطفل والتي تستدعي على سبيل الأولوية اعتبار الأصل في عدالة الاحداث هو التأهيل والتقويم والابتعاد بشكل كلي عن المقاربة العقابية التي أثبت الواقع العملي فشلها وعدم فعاليتها.
أما من حيث المقاربة القضائية لعدالة الأحداث، فأكد الأستاذ أيت ارجدال، أن السلطة القضائية بالمغرب استشعرت الالتزام الدستوري الملقى على عاتقها، والذي يكمن في حماية الحقوق والحريات وتطبيق القانون بصفة عادلة. وهو ما تبدو تجلياته من خلال التراجع الكبير في عدد الأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية خلال هذه السنة والذي لا يتجاوز 1880 وذلك إلى غاية نهاية شتنبر 2016 في مقابل 3000 حدث خلال سنة 2015.
فضلا على ذلك، فإن محكمة النقض وتماشيا مع المبادئ التوجيهية المعتمدة في عدالة الأحداث، أكدت في عدة مناسبات أن قفز غرفة الأحداث عن الأصل الذي هو تدابير الحماية والتهذيب إلى الاستثناء الذي هو الحكم على الحدث بعقوبة سالبة للحرية دون الالتزام بتعليل مقررها يجعل قرارها مشوبا بعيب نقصان التعليل الموازي لانعدامه.
ومن خلاله نقول بان اعتماد التخصص في عدالة الاحداث أضحى مطلبا حقوقيا ملحا وذلك من منطلق أن السلطة القضائية أصبحت ملزمة بتحمل مسؤوليتها التأهيلية والتربوية والتقويمية للتعامل مع الأحداث الجانحين، وذلك سعيا إلى تعزيز حقوق الطفل في الرعاية والتوجيه وضمان حرياته وأمنه القضائي.
وبخصوص التعديلات الواردة في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية والمرتبطة بقضايا الأحداث، أكد رئيس المحكم الابتدائية بوادي زم، أنها كرست مجموعة من القواعد التي أقرها الدستور ونصت عليها المواثيق الدولية بتأكيدها الصريح على كون محكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية. وأن الحدث الذي يقل عمره عن 15 سنة لا يجوز إيداعه في المؤسسات السجنية. وأن قرار الإيداع في حق الحدث الذي يتجاوز 15 سنة يتعين ان يكون معللا وموضحا للأسباب التي حالت دون تطبيق تدابير الحماية والأسباب الداعية إلى الحكم بالعقوبة السالبة للحرية..
مجتمع