Monday 16 June 2025
سياسة

بنكيران ولسان حاله: "المعجون الإيديولوجي" يجعلني أعتبر المغاربة مجرد شعب "ديال لمكلخين"!

بنكيران ولسان حاله: "المعجون الإيديولوجي" يجعلني أعتبر المغاربة مجرد شعب "ديال لمكلخين"!

في عز الحملة الانتخابية يصرح بنكيران أنه سيرفع ثمن البوطا غاز إذا فاز وعاد. إدلاؤه بهذا التصريح في هذا الوقت بالذات يتضمن رسالة إلى صندوق النقد الدولي، الذي جدد معه اتفاقية "خط الوقاية والسيولة" لمدة سنتين إضافيتين في يوليوز الماضي والمتضمنة لبرنامج اقتصادي يجمع بين التقشف والليبرالية المتوحشة، وإلى الولايات المتحدة والأبناك الدولية مفادها أنه سيواصل ما بدأه بالتركيز على استكمال عملية تفكيك صندوق المقاصة وتحرير الأسعار بشكل كامل واستكمال ما يسمى بـ 'إصلاح صندوق التقاعد" وتخفيض كتلة الأجور في الوظيفة العمومية ونقل عدد من الخدمات بشكل أكبر للقطاع الخاص بالتخلي والتفويض والتشجيع وتخفيض الضريبة على الشركات ونقل العبء الضريبي ليتحمله المستهلك في إطار تخفيض معدلات الضريبة على القيمة المضافة إلى معدلين اثنين فقط وإلغاء المعدل الأدنى 7 في المائة نهاية مع مراجعة الإعفاءات التي تستفيد منها منتجات وخدمات أساسية ووقف تطور ميزانيات بعض القطاعات الاجتماعية، كالتعليم والصحة، وذلك في أفق تقليص عجز الميزانية الإجمالي وإنهاء الرصيد السلبي على مستوى العمليات الجارية الذي لم يفلح في إنهائه الربح الناتج عن هبوط أسعار المحروقات في السوق الدولية الذي صادف الانتقال من المقايسة إلى التحرير الكامل للأسعار الداخلية بعد إزالة الدعم كليا وغير ذلك مما تم الالتزام به وما يمكن أن يترتب عليه مفعول تضخمي على مستوى أسعار الاستهلاك.

تصريح بنكيران هذا في هذا التوقيت بالذات، يبين أنه على ثقة كاملة بأن مريديه سيتبعونه ولو اتخذ قرار إغلاق المدارس في وجه أبناء المغاربة والمستشفيات في مرضاهم ولو أطلق العنان للغلاء ليبلغ ما لم يبلغه في أي وقت سابق، لأنهم يعتبرونه على حق دائما وأبدا ومعصوم من الخطأ ويقود غزوة مباركة من أجل إقامة نظام الدولة الإسلامية وضمان هيمنة الإسلاميين واستفادتهم من المغانم، فالعلاقة بين الشيخ والمريد التي يجسدها اليوم وأكثر من أي وقت مضى بنكيران في علاقته مع أتباع حزبه تقوم على الطاعة ونفي العقل والتفكير، وهي أشبه في هذه الحالة بجدلية العبد والسيد، حيث لا يعرف العبد ذاته وهويته إلا من خلال خضوعه لسيده وإرضائه له مهما كان قاسيا وحتى لو عرضه للخصي. وهناك بطبيعة الحال جهاز إيديولوجي يشتغل من أجل ضمان ديمومة هذه العلاقة بشحن التابعين بأفكار تبين لهم أن الخضوع المطلق وعدم طرح السؤال وتجميد العقل هو واجب جهادي يجازى عليه المرء غذا في الآخرة بالجنة، ويذكر الجميع كيف تهيج أتباع بنكيران حين قال أمام أتباعه أنهم باعوا أنفسهم لله ولم يعد لهم ما يبيعونه، وكيف تجاوبوا مع مبعوثه حامي الدين اليوم حين اعتبر العدالة والتنمية نعمة من الله في لقائه اليوم معهم بورزازات وكيف وجدوا في دموعه، التي تدخل في إطار مخطط تواصلي محبوك وليس تأثرا بلحظات مشحونة، دموع العابد الصادق الذي لا يبتغي سوى مرضاة الله وليس صندوق النقد الدولي. لكن عندما يخرج بنكيران من دائرة أتباعه الواقعين تحت تأثير "المعجون" الإيديولوجي الذي توفره الزاوية ويذهب بالعقل ويراهن على إعادة إنتاج علاقة الشيخ والمريد مع باقي المغاربة، ويحاول إقناعهم بأن ما يقوم به ويعتزم القيام به وما يشكل تهديدا حقيقيا لسلة استهلاكهم ولجيوبهم هو الإصلاح وغيره فساد في فساد، فمعناه أن ثقته بنفسه بلغت درجة عالية من الغرور وأنه بات مقتنعا في قرارة أن المغاربة شعب من "المكلخين" أو السذج الذين يمكن أن يتم إقناعهم بأن الجوع أحسن من الشبع والجهل أحسن من التعلم والمرض أحسن من الصحة والغلاء أحسن من الرخص والقبر أحسن من الدار والبكاء أحسن من الفرح. فالمغاربة في أغلبيتهم ليسوا أشباها لأتباع بنكيران وهم مسلمين باعتدال وتدينهم تطور في طبيعة فلاحية وليس في صحاري بيداء ما يجعله أكثر ميلا للصوفية منه إلى الجفاف الوهابي الملائم لعقلية الرحل وللرهان المستمر على السراب. والمغاربة محبين للحياة ويسعون ‘ليها ويبدعون، وليست كل بدعة ظلالة (الحديث منقول عن أبي هريرة ومشكوك في صحته)، من أجل العيش والترقي والتقدم، ويحبون وطنهم ولا يقبلون عنه بديلا أينما وجدوا، ومن يريد أن يشعرهم بأنهم أقل شأنا من قطر أو يحاول التأثير على وعيهم بـ "خنزيرتها" التي تبيح لنفسها التدخل في الشأن المغربي ودعم إخوان المغرب بالتغطيات المباشرة وغير المباشرة، كالذي يلعب بالنار. نحن نعرف أن قرار بداية رفع الدعم عن السكر والبوطا غاز وإنهاء الدعم للدقيق والخبز ونقل نسبة 20 في المائة من المتمدرسين للقطاع الخاص وفرض رسوم في الجامعات العمومية وتخفيض الدرهم ورفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 20 في المائة على أغلب المنتجات والخدمات.... جاهزة وبنكيران متحمس لتنفيذها لنيل رضى صندوق الدولي، ومن ورائه الأمريكيين، ومعبأ لتنفيذ غيرها ولو ترك له الأمر لورط البلاد بلا تردد في المشاكل التي كان ممكنا أن تترتب عليها، والبين أنه توصل إلى قناعة مفادها أنه كلما قسى على المغاربة أكثر كلما كانوا طوع يديه ومنحوه الولاية تلو الأخرى إلى أن يستكمل التمكين. وقوله إنه يعول على ولاية ثانية وثالثة ورابعة أمام أتباعه يذكر بما كان قد صرح به مرسي عقب توليه رئاسة مصر: جئنا لنحكم لخمسمائة عام، وكان مرسي في قمة الغرور وقتئذ وجاهلا بتاريخ مصر وبأدوار مختلف مؤسساتها ورافضا لأي تراض معها كما تأكد اليوم ومستعدا لتخريبها ومتنكرا لالتزاماته مع شباب ساحة التحرير الرافض لأخونة الدولة وزرع الفتنة الطائفية والمذهبية.

بنكيران حسب ما تبين له عداء للدعم المؤسسي قبل مجيئه للحكومة، وذلك ما يفسر حرصه على تعيين أخته في الزاوية والحزب مديرة لصندوق المقاصة، وكان أول تعيين قام به بعد صدور المرسوم التطبيقي لقانون التعيين في المناصب العليا، لأنه يريد الانتقال إلى نظام الصدقات وإشعار فقراء البلد أنه هو من يتصدق عليهم ويدفع لهم نقدا، ولو ترك له الأمر لحول جزء غير يسير من المغاربة إلى متسولين على أبواب حزبه ولجعل ما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بـ "التحويلات النقدية المباشرة" إلى وسيلة انتخابية حزبية، والدليل أنه اليوم يتبجح بدعم الأرامل والمطلقات رغم أنه وجد هذا المشروع جاهزا كما الرميد وغيره ولم يأت من عنده بشيء وتفعيله لهذه المشاريع بعشوائية وبنزوع إلى استغلال فقر الفقراء وحرمان المحرومين، بشكل يندى له الجبين، كان وراء فشلها في تحقيق الغايات التضامنية المتوخاة منها.

(ملحوظة: العنوان من اختيار هيأة التحرير)