الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: في نقد فوضى الانتقاد والمحاسبة الشعبوية

مصطفى المنوزي: في نقد فوضى الانتقاد والمحاسبة الشعبوية مصطفى المنوزي

(رسالة تذكير بفلسفة الفعل إلى المتناضلين الأشباح)

تمهيد لابد منه:

"مازالت الضفادع تسبح في نصف الوعاء غير المملوء بحثا عن قشدة ثلج دافئة.. وصيتك نفذت على ورق التوت، وتوصياتك ظلت قبرا على صدر صقور لا تنقرض".

نحن، كحقوقيين، أدرى من غيرنا فيما يخص قضايانا والانتهاكات الجسيمة التي تعرضنا لها، بقدر معرفتنا بالتضحيات الجسام التي قدمنا.. ولسنا ندري لماذا يزايد علينا الجلادون في الوطنية والنضال، ومعهم المتواطئون بالصمت والتضليل.. لذلك لا تهمنا شهادة العدو فينا ولا تزكية الاستعمار للتقارير السوداء حول وضعنا الحقوقي والاجتماعي.. فلا طموح نحو المستقبل دون القطيعة مع الماضي، فلا كرامة مع الابتزاز، ولا استقلالية مع الإلحاقية، ولا حرية مع الوصاية، ولا شفافية مع التقية أو السرية. لقد ولى عهد استعمال العمل الجماهيري أوراقا للضغط  والاستنزاف النفسي. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فالحكمة والتواضع أولى، والاعتراف الاجتماعي أنجع، وكما لا يعقل النضال بالوكالة، يستحيل تحقيق النصر في معركة وهمية بجنود أشباح.

فقد خبرنا التداعيات والمسؤوليات عما جرى من اختطافات سياسية وإعدامات وتصفيات جسدية، وصغنا مقاربات حول الحقيقة والإنصاف والمساءلة، ومارسنا حقنا في المحاسبة والمرافعة من أجل التجاوز، ورفضنا المصالحة مع الجلادين وحلفائهم الموضوعيين، وآخذنا على السياسيين التقدميين والوطنيين تقصيرهم وتهاونهم الصريح، وكذا تواطأهم الضمني.. وما دمنا مستقلين في قرارنا، فنحن أحرار في اتخاذ ما يناسبنا من خيارات ومقاربات.. فقوتنا في مصداقيتنا المدعمة بالثقة التي أفرزتها، ديموقراطيا وبكل نزاهة وشفافية، صناديق اقتراع مؤسستنا، فلم نقبل التوجيه من خارج منتدانا الذي لا ندعي أنه الممثل الوحيد والشرعي لضحايا سنوات الرصاص..

وبذلك فالوحيد الذي له الحق في محاسبتنا، هو من تعاقد معنا وتعاقدنا معه، عبر تعبيره المقدس عن اختيارنا ممثلين له بالقانون، وتطويقنا بصوته الأمين، مقابل أمانة خدمته، وتحقيق مقاربتنا المحددة في استراتيجيتنا، ليس إلا، ثم ليس إلا. وكفى الزمان المؤمنين شر التشويش على مسارنا. فليس الإرهاب والابتزاز والإمبريالية والنظام حتى، يرهبوننا.

وبالتالي من له دين يروم استيفاءه، فله القنوات التنظيمية والمحطات الديموقراطية فضاء، ومن يدعي أن شأننا الخاص عمومي، فليجعل من هموم الضحايا المشروعة شأنا مجتمعيا له أولوية ضمن هويته السياسية والثقافية والاستراتيجية.