الأربعاء 8 مايو 2024
سياسة

هل سيلبي المغاربة نداء المشاركة في التصويت لقطع الطريق على اللصوص و«الشنّاقة»؟

هل سيلبي المغاربة نداء المشاركة في التصويت لقطع الطريق على اللصوص و«الشنّاقة»؟

إن مقاطعة الانتخابات استجابة لـ «دعوة للمقاطعة» أو انسجاما مع موقف شخصي من الوضع السياسي العام، لن يخدم بأي شكل من الأشكال البلاد، بل يترك المجال فارغا لسماسرة الانتخابات وعديمي الضمير للعبث بمصير الوطن..

إن أول ما ستكشف عنه انتخابات يوم السابع من أكتوبر 2016، هو نطقها بالحكم بين طرفي النزاع السياسي الأكبر في البلاد، اللذين هما المشاركة في الانتخابات والعزوف عنها، ولصالح أي منهما ستكون كفة هذه الانتخابات راجحة، وأي من الكتلتين ستسحق الأخرى؟

فإذا كانت الديمقراطية، التي يتطلع إليها أغلب المغاربة، تقتضي مشاركة المواطن في تدبير الشأن العام، عبر الترشح أو التصويت لاختيار من يمثله في البرلمان، أو عبر غيرها من الوسائل التي تخولها له القوانين، فإن محطة 7 أكتوبر ستكون حاسمة في سد الطريق على المتاجرين بالأصوات والمستفيدين من العزوف، الذين يجندون أتباعهم ويعبئونهم من أجل تحقيق الفارق، وإحكام الطوق على مصائرنا، وعلى تدبير شؤوننا، حتى أصبحنا أمام لعبة ديمقراطية يتحكم فيها لاعب واحد، وبكلفة انتخابية صغيرة جدا، حيث أثبتت التجربة أن حزب العازفين هو الفائز الأكبر، بينما الخاسر الأكبر هو الوطن، ما دام العزوف يعني في ما يعنيه تسليم رقاب المغاربة لجماعة أصولية أدركت أن سر نجاحها الانتخابي يكمن في تجييش الأتباع وتحريك الأذرع الموازية، إن على مستوى المنابر الدينية أو الجمعيات الإحسانية أو الصناديق السرية التي تملأ بالهبات القادمة من التنظيم الإخواني العالمي.. ولهذا، فإنها على مستوى الانتخابات، تظهر كقوة ضاربة، والحال أن الذي منحها هذه القوة هو معطى ترجيح العزوف على المشاركة، ومعطى ضعف التأطير الحزبي وترهل بعض الإطارات الحزبية التقليدية التي لم تستطع الحفاظ على كتلتها الناخبة، فضلا عن الالتباس الإيديولوجي والسياسي الذي أدى إلى انصراف شريحة واسعة من المواطنين عن «واجب الإدلاء بالصوت»، حتى وإن كان بالأوراق الملغاة.

إن المشاركة في الانتخابات في أي بلد ينشد الديمقراطية هي الأصل، أما العزوف فهو غصن يابس في شجرة المشاركة، قد تجد ذرائعها في مبدأ «حرية الاختيار» بين المشاركة والعزوف، أو في اليأس من التصويت لهذا الحزب أو ذاك (ما دام الإطار الانتخابي لا يسمح بظهور فاعل سياسي حقيقي يرتبط بالمواطنين على أساس برنامج تعاقدي) أو في ميولات ذاتية كنهها اللامبالاة وعدم الاكتراث بما سيقع، وبمن سيحكم، وبمن سيعارض، وعلى أي أساس سيصوت أم لا. ولذلك يكون العزوف عن التصويت مجرد موقف عدمي لا ينشد سوى الفراغ، ولا يُؤَمِّن سوى بالفراغ، ولا يزرع سوى المزيد من اليأس، ولا يبني أي شيء، ولا يسمن ولا يغني من جوع، و يضر أكثر مما ينفع، ولا يزكي ويغذي في النهاية سوى ذيول وتلابيب ما استحكم من عزوف سابق.

إن التصويت الحر والنزيه يعني الوقوف كحصن منيع أمام سماسرة الانتخابات الذين يستعملون المال الحرام من أجل التحكم في الرقاب، ويعني الوقوف أمام كل المسوخ التي تحاول أن تفرض نفسها على المغاربة بالشرعية الانتخابية.

إن الانتخابات التي ستجري في 7 أكتوبر 2016 تعتبر هي الثانية بعد دستور يوليوز 2011؛ ولا ينبغي أن ننسى أنها تجرى في ظل متغيرات كبيرة جدا مقارنة مع سياق ما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي عزز الحضور «الإخواني» في المشهد السياسي العربي. وهو ما يحتم تعبئة كل الجهود من أجل السير في الاتجاه المعاكس لـ«أخونة الدولة» الذي تنتهجه الجماعة الأصولية «حركة التوحيد والإصلاح» عبر ذراعها السياسي (العدالة والتنمية). إن مقاطعة الانتخابات استجابة لـ«دعوة للمقاطعة» أو انسجاما مع موقف شخصي من الوضع السياسي العام، لن يخدم بأي شكل من الأشكال البلاد، بل يترك المجال فارغا لسماسرة الانتخابات وعديمي الضمير للعبث بمصير الوطن، ومن جهة أخرى، فهو تنازل عن حق دستوري إما بسبب اللامبالاة وإما عن اختيار. وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر يكتسي خطورة بالغة على مستقبل البلاد. ويكفي أن نتذكر كيف أوصلت تجارب العزوف بلدانا ديمقراطية إلى حافة الانهيار، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التي كادت، قبل سنوات، أن توقع عن صعود اليمين المتطرف بقيادة جان ماري لوبين.

وكيف ما كان الحال، لقد أثبتت تجربة 2011، أن المغرب دخل مرحلة جديدة، غير تلك التي كانت فيها وزارة الداخلية تصنع الخرائط السياسية والأغلبيات البرلمانية، وأن المغرب وصل إلى مرحلة من النضج يسمح بالتعاطي الإيجابي مع الواقع الذي أفرزته صناديق الاقتراع، حيث كان قد تم الإعلان، بكل شفافية، عن الجهة التي تبوأت المرتبة الأولى والتي يخول لها الدستور الجديد قيادة الحكومة المقبلة، أما الآن- وبعد مرور 5 سنوات عن تسلم الحكومة الملتحية زمام الأمر- يتعين على الكتلة الناخبة أن تشارك بكثافة من أجل ردع هؤلاء الذين أغرقونا في الديون الخارجية، وفي غلاء الأسعار، وفي مختلف أشكال الفقر والتخلف والأمية.. ينبغي أن نهرع جميعا من أجل التصويت العقابي على هؤلاء الذين يجروننا إلى ما قبل ألف سنة.. ينبغي أن نصوت بكثافة من أجل ردع المتاجرين بالدين، وضد هؤلاء الذين يدينون

بالولاء إلى «الأردوغانية» والأممية الإخوانية العالمية..

إن المشاركة في الانتخابات مسؤولية جماعية، مسؤولية الدولة والأحزاب والمجتمع المدني، والمطلوب هو أن يتوفر المناخ السياسي الملائم الذي يخرج المواطن من عدم الاكتراث واللامبالاة الى موقع المشاركة والمساهمة الفعلية في اختيار ممثليه، بعيدا عن الاستعمال الديني أو المال أو أي استعمال آخر يرهن مستقبل شعب بأيدي اللصوص والمحتالين والشناقة.

(تفاصيل أوفر عن هذا الموضوع تقرأونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد في الأكشاك)

une-Coul