Sunday 8 June 2025
سياسة

لحسن العسبي: في معنى شارع عبد الرحمن اليوسفي بطنجة

لحسن العسبي: في معنى شارع عبد الرحمن اليوسفي بطنجة

أن يتم ذلك في طنجة، وأن يتم ذلك والرجل لا يزال على قيد الحياة، بل وأن يدشن الملك بنفسه شارعا يحمل اسم عبد الرحمن اليوسفي (شارع السلام سابقا)، ويزيل الستار معه عن اللوحة الرخامية المخلدة لذلك، فهذا حدث برمزيات متعددة في المغرب. فيه نعم، قيمة الاعتراف بخدمات رجل هرم (في الوطنية وفي العمل السياسي بأخلاق)، لكن فيه أيضا رسائل سياسية، من أعلى هرم الدولة المغربية، الممثل دستوريا في شخص الملك، على أن المغرب لا يمكن أن يتقدم سياسيا، بدون تمثل لسيرة رجال من طينة اليوسفي. السيرة، التي ينتصر فيها الوطني على الحزبي، وينتصر فيها منطق رجل الدولة، على منطق القائد الفئوي.

حين اتصلت بالأستاذ اليوسفي، هاتفيا، ساعة بعد التدشين، لتهنئته، كان القائد التاريخي للاتحاد، في قمة فرحه، بدليل اختلاف نبرات صوته، التي كانت منطلقة وحيية. ما يعكس أن الرسالة الإنسانية وصلت، وأن أثر المبادرة، عليه كان هائلا. ويكفي أن نضع أنفسنا مكانه، لنستشعر أكيد، أن قصة حياة كاملة قد صار لها معنى رمزي خاص، ونكاد نجزم أن الطفل عبد الرحمن الذي دب وكبر في أزقة وأحياء طنجة القديمة، بعد أن رأى فيها النور سنة 1924، قد كان واقفا هناك فرحا لمعنى الوفاء الذي خصته به مدينته طنجة، وأيضا المغرب كله، من خلال رئيس الدولة، دستوريا، ملك البلاد. إنها لحظة مكثفة، إنسانيا، لن يستشعر طعمها عميقا غير بطلها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي. فالرجل وقفت له الهامات كلها، اعترافا بجميل سيرته، وبقيمة منجزه الوطني والسياسي.

لا يمكن أبدا إسقاط الدلالات والتأويلات السياسية، لخطوة ملكية رفيعة مماثلة، والتي قد ينزع إليها في هذا الاتجاه أو ذاك، الكثيرون، تبعا للحمى العالية للموعد الانتخابي المنتظر يوم 7 أكتوبر 2016 القادم. لكن، الحقيقة، أن الدرس هنا كامن في جغرافية أخرى، هي أن الدولة بالمغرب، قد قطعت أشواطا راسخة في معنى "الممارسة الجديدة للسلطة"، تعلي من الاستراتيجي بأفق وطني، أكثر من التاكتيكي الفئوي أو المصالحي. وهذا درس آخر، مغربي، في معنى ما يجب أن يرتقي إليه السلوك السياسي للفاعلين في المشهد الوطني. خاصة وأنه علينا الانتباه جيدا، أن العاهل المغربي، كان في تطوان، حيث الاحتفالات الرسمية لإحياء الذكرى 17 لعيد العرش، وأنه لا تزال ثمة تتمة للبرنامج الرسمي لتلك الاحتفالات بها، في اليوم الموالي، ورغم ذلك برمج جلالته زيارة طنجة من أجل مهمتين، كبيرتين، هي لقاء عمل مع العاهل السعودي، وتدشين شارع عبد الرحمن اليوسفي. هنا الرسالة سياسيا ومغربيا واضحة. والسياسة رمزيات في الأول وفي الأخير.

لقد حرصت لغة الخبر الرسمي لوكالة المغرب العربي للأنباء، على التأشير على الصفة التي بها تم تكريم شخص الأستاذ اليوسفي، بصفته "الوزير الأول لحكومة التناوب بين 1998 و2002، وتقديرا لنضاله الوطني"، وهي ذات الصيغة الخبرية التي اعتمدت في مختلف نشرات أخبار القنوات التلفزية والإذاعية، مما يترجم أن التأويل الرسمي، هو الاعتراف بالدور الفاعل والحاسم ليس فقط لشخص اليوسفي كزعيم سياسي وطني، بل أيضا بمنجز الحكومة التي قادها. هنا الرسالة السياسية، هي أن المغرب في حاجة دوما، إلى روح حكومة مماثلة، تبني في صمت، تعلي ولا تزايد على منجزها إعلاميا، أي أن الروح المطلوبة هنا، هي روح "رجال الدولة". وما دام الشيء بالشيء يذكر، سيأتي أوان إعادة قراءة حصيلة تلك الحكومة، بعين التاريخ غير المجاملة. ليكتشف الكثيرون، أن منجزها التأسيسي، كان كامنا في وضع أسس غير مسبوقة لمعنى "التنمية" ولمعنى "تنويع مصادر الثروة" بالمغرب، وعدم الارتهان فقط إلى رحمة السماء ورحمة المانحين الدوليين، أو ما هو رهين بمصادر خارجية (السياحة وتحويلات المهاجرين المغربية). حيث تمت إعادة بنينة قانونية وتدبيرية وتقنية لكل بنية إنتاج الثورة في البلاد، بشكل جعل البنك الدولي يعترف أن "الاقتصاد المغربي لأول مرة، لم يعد اقتصادا إفريقيا"، أي لم يعد غير شفاف وغير مضبوط، بمقاييس الشفافية والكفاءة العالمية.

إن كل ذلك، يجعل مبادرة العاهل المغربي، غير المسبوقة من نوعها، المتمثلة في تدشين شارع يحمل اسم شخصية سياسية ووطنية مغربية، ذات دلالات متراكبة، متعددة. فيها السلوكي المثال، فيها الاعتراف بالمنجز، وفيها أيضا رسالة إلى الحاضر والمستقبل، أن المغرب في حاجة إلى نخب مثل تلك التي أفرزت قادة سياسيين، مثل عبد الرحمن اليوسفي. إن المعنى العميق لذلك، غير ما يعتقده الكثيرون (وما يتوهمه البعض)، أن اليوسفي ليس جزءا من الماضي، نمجده فقط، بل إنه كمعنى سلوكي هو عنوان للمستقبل أيضا. وهنا عمق الرسالة الأكبر. الرسالة أن الطريق، هي طريق رجال الدولة. ها هنا معنى "شارع عبد الرحمن اليوسفي" الذي على السياسيين والسياسة المغربية عبوره.