يرى محمد الطنطاوي، عضو الهيئة التقريرية لفدرالية اليسار الديمقراطي، أن حزب العدالة والتنمية قد قطف ثمار نضالات شباب 20 فبراير. مؤكدا أن رئيس الحكومة بنكيران قد أتبث عجزه في ترجمة ولو الحد الأدنى من مضامين دستور 2011. مضيفا أن الحكومة انصرفت إلى إثارة نقاشات ومجالات بوليميكية، وخير مثال على ذلك تجاهلها المطلق لأي حوار مع النقابات أو الاحزاب أو تنظيمات المجتمع المدني وانفردت بالقرارات لوحدها...
+ يرى البعض أنه لم يعد لدستور 2011 أي أفق ديمقراطي للمجتمع المغربي بعد تعطيل آلياته وعدم تنزيل وتفعيل وأجرأة مضامينه، ما هي الأسباب الحقيقية في ذلك على بعد خمس سنوات من اعتلاء حكومة بنكيران لسدة الحكم؟
- دستور 2011 لم يأت بأجوبة ومداخل حقيقية لإقلاع ديمقراطي نحو مغرب الحرية والعدالة والكرامة الاجتماعية، خاصة أنه أتى في سياق أحداث ما سمي بالربيع العربي، فكان انتقاد أحزاب فيدرالية اليسار لنصوص هذا الدستور يتركز أساسا في الفصل 19 الذي أثار الزوابع من منطلق أن هذا الفصل هو العقبة الأساس نحو تحقيق الملكية البرلمانية وفصل حقيقي للسلط، وأيضا القطع لمسطرة التشكيل الفوقية والتي تعارض الطريق نحو الانسياب إلى الأجرأة والتفعيل. وفي خضم هذا النقاش نجد أن الطرف الممثل في حزب العدالة والتنمية، والذي قطف ثمار نضالات شباب 20 فبراير بتقلده زمام قيادة الحكومة، ورغم أن هذا الحزب كان من أشد المدافعين عن هذا الدستور بزعم أنه يمنح صلاحيات واسعة للحكومة للفعل والاقتراح والمبادرة ممثلة في شخص رئيسها، إلا أن تجربة قيادة البيجيدي للحكومة أتبتث عجز رئيس الحكومة عن ترجمة ولو الحد الأدنى من مضامين الدستور، معللا ذلك أن هناك مقاومة شرسة ممن أسماهم التماسيح والعفاريت والدولة العميقة. وهو ما سيخلق إرثا ثقيلا لأي تجربة حكومية قادمة في ظل تراجعات خطيرة على مختلف المستويات.
+ نحن على مشارف استحقاقات 7 أكتوبر 2016، ومع ذلك ما زالت حكومة بنكيران تتلكأ في إخراج القوانين التنظيمية المصاحبة لهذه المحطة؟
- تعتبر الحكومة بأغلبيتها البرلمانية ملزمة دستوريا بإنزال مشاريع القوانين التنظيمية التي حصرها الدستور في 19 قانون تنظيمي، والمفروض عليها فتح نقاش عمومي حول مواضيع ومجالات هذه القوانين مع مختلف الجهات المعنية لكل قانون تنظيمي على حدة، دون إغفال مقترحات ومبادرات المجتمع المدني. والحال أن الحكومة الحالية لم تلزم نفسها دستوريا بذلك، وانصرفت إلى إثارة نقاشات ومجالات بوليميكية، وخير مثال على ذلك تجاهلها المطلق لأي حوار مع النقابات أو الاحزاب أو تنظيمات المجتمع المدني وانفردت بالقرارات لوحدها.
+ هل المعارضة السياسية استسلمت لحكومة بنكيران، وهل مازالت تقوم بأدوارها التي منحها لها الدستور المغربي؟؟
- قبل الخوض في هذا النقاش لابد من التمييز بين نوعين من المعارضة. الأولى معارضة برلمانية تتشكل من أحزاب انفصلت عمليا عن نضالات الجماهير الشعبية وأصبحت تساير إيقاع الحكومة وفقدت قوة المبادرة والاقتراح ومهدت كل الظروف للحكومة لتمرير كل القوانين والمشاريع التي عجزت الحكومات السابقة عن مجرد طرحها للنقاش، واكتفت هذه المعارضة بدور بروتوكولي تأثيثي للمشهد السياسي. أما المعارضة الثانية فهي لم تلج أبواب البرلمان لكنها تناضل من أجل مطالب تحقيق مغرب الديمقراطية الحقيقية والعدالة والكرامة في أفق ملكية برلمانية، وتتموقع في صفوف الجماهير الشعبية عاكسة معارضة حقيقية نابعة من انتظارات وحاجيات كل الكادحين والمقهورين، دون إغفال أن هناك معارضة موقعية محدودة داخل الغرفة الثانية تتزعمها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كان آخر أشكالها القيام باعتصامات داخل مجلس المستشارين لمعارضة مناقشة قوانين التقاعد ودفع الحكومة الى مسألة تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول مصير ومآل صندوق التقاعد.
+ المشاركة في الحكومة تمنح للأحزاب السياسية موقع القرار الاجتماعي والاقتصادي، ما هي في نظرك القراءة القريبة للتحالفات السياسية الممكنة قبل وبعد استحقاقات 7 أكتوبر 2016؟؟
- في ظل عدم وضوح أقطاب سياسية واضحة في مشهد سياسي تكتنفه الكثير من الضبابية والبلقنة وسيطرة المال والنفوذ، رفع فيه الحزب الحاكم شعار القطع مع الفساد والريع السياسيين، لكن بمجرد دخوله وقيادته للتجربة الحكومية استسلم لمنطق اللعبة المخزنية وأوكلت له مهمة التغطية والتبرير لمشاريع وتوجهات الدولة العميقة، وفتح الباب على مصراعيه أمام تدخلات صندوق النقد الدولي في بلورة السياسات الكبرى، وأصبحت رهانات الحزب الحاكم لا تخرج عن إرضاء هذا الأخير ونيل رضاه من أجل الاستحقاقات الانتخابية القادمة في ضرب صارخ لكل الشعارات التي حملها إبان الحملات الانتخابية السالفة.
وختاما فالملاسنات والتقاذفات التي نشهدها بين الأغلبية والمعارضة البرلمانية ما هي إلا محاولة لتحريك المياه الراكدة للمشهد السياسي، وتستهدف نيل رضى الدولة العميقة والوصول إلى بعض من الريع الوزاري البعيد كل البعد عن الانسجام والبرامج المقدمة من طرف الفرقاء. لنهدر مزيدا من الوقت خصوصا مع التغيرات العالمية وما بات يعرف بالدبلوماسية الموازية التي تلعب فيها التنظيمات الموازية دورا محوريا، ونحن أمام قضية وطنية تقتضي إحقاق ديمقراطية حقيقية تحصن الجبهة الداخلية.