الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مارية الشرقاوي: نهاية زعامة

مارية الشرقاوي: نهاية زعامة مارية الشرقاوي

عقد المجلس الوطني لحزب العدالة والتمنية دورة استثنائية يوم 26 نونبر 2017، انتهت أشغاله برفض تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب، والتي كان بموجبها يريد عبد الإله بنكيران التمديد لولاية ثالثة، لكنه خرج من المجلس بخفي حنين، حيث تم التصويت برفض تعديل المادة 16 من طرف 126 عضو مقابل 101 صوتت بنعم للتعديل، فيما اعتبرت أربعة أصوات ملغاة. وبهذا يكون المجلس الوطني أسدل الستار على مرحلة الزعامة البنكيرانية، بما لها وما عليها.

لكن  حقيقة لابد من قولها حتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع السيد عبد الإله بنكيران، أنه منذ توليه رئاسة الحكومة كان جريئا في ملامسة ملفات ساخنة وحساسة، كالكشف عما تعانيه بعض الصناديق من عجز كالصندوق المغربي للتقاعد، الشيء الذي لم يتجرأ على القيام به سابقوه، بل تجاوز ذلك بالإعلان عن هذا العجز للرأي العام فانتهج بذلك أسلوبا سياسيا جديدا وهو إخراج مثل هاته الإشكاليات من صالونات النخب السياسية إلى عموم الرأي العام. فحينما صرح في إحدى خرجاته الإعلامية بالمعضلة التي يعرفها الصندوق المغربي للتقاعد، اعتبرناه تصريحا شجاعا كشف عن المستور المفهوم غير المنطوق والمسكوت عنه ردحا طويلا من الزمن. لكن على مستوى التفعيل اتضح جليا بأن خطاباته وخرجاته الإعلامية كانت دغدغة للعواطف وضحكا على الذقون.. ولن ينسى المواطن المنتمي سواء للطبقة الوسطى أو الفقيرة، ما قام به من إجراءات ضده أجهزت على قدرته الشرائية. وسأذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض ما وصفه إصلاحا ووصفته شريحة كبيرة من الشعب المغربي خطأ فادحا في حقها كإصلاح صندوق المقاصة الذي اعتبرناه استغفالا لنا وجرا للهاوية، قانون إصلاح أنظمة التقاعد اعتبرناه ثالوثا ملعونا نظرا للإجراءات الثلاثة التي تمس الموظف في جيبه وصحته، ضربه للحوار الاجتماعي عرض الحائط وبدم بارد، واستفراده بالقرارات، كقرار الاقتطاع من أجور المضربين دون الرجوع إلى النقابات كطرف معني. ففي عهد ولايته ارتفعت المديونية، جمدت الأجور، المنظومة التعليمية زادت افلاسا. في عهده كذلك تعرض الأساتذة المتدربين للزرواطة والقمع مقسما بأغلظ الأيمان أن لا تراجع عن تعديل القانونين التنظيميين الخاصين بهم، الخطاب السياسي عرف رداءة لم يسبق لها مثيل في مشهدنا السياسي، وزيد وزيد...

كل ما ذكرت جعل المغرب يسير بسرعتين قصوتين، ازداد معها البون الصارخ بين المستفيدين من ثمار المسار التنموي الكبير بالمملكة، وبين من لم تطلهم أية منفعة أو قيمة مضافة همت استقرار حياتهم الاقتصادية والاجتماعية وأمنهم الغذائي. فما اعتبره عبد الإله بنكيران إصلاحا أعتبره خرجة نشاز، كونه اختار أسهل الطرق للإصلاح.. اختار الإجهاز على صحة وجيب المواطن المغلوب على أمره، لأنه لم يملك الشجاعة والجرأة للكشف عما يقع في صناديق الدولة. وأستحضر هنا مقولة له "الفساد يحاربني ولست من يحاربه، ومن الله باقي واقف هنا، ويعلم الله فين كنت غادي نكون؟ "

هكذا صرح السيد عبد الإله بنكيران بعد ثلاث سنوات من قيادته للحكومة، أمام مجلس النواب خلال الجلسة الشهرية حول السياسيات العامة.. أجيبه مع كل احترام وتقدير: أين كنت ستكون؟ الإصلاح ومحاربة الفساد كانت تلزمهما الجرأة والشجاعة، مناضلون عديدون دفعوا دمهم وحريتهم من أجل الوطن تيتم أطفالهم وترملت نساؤهم.. ولولا نضال هؤلاء سابقا ما كنت رئيسا لحكومتنا يوما. يجب أن تعلم بأن الشعب المغربي حينما منحك صوته، توسم نورا من مصباحكم يضيء مستقبله ومستقبل أطفاله وأحفاده، أرادك أن تكون معه لا عليه، أرادك أن تكون أبا له لا زوج أم.. فإجراءاتك التي اعتبرتها إنجازا، كنت من خلالها حَمَلا وديعا أمام التماسيح والعفاريت، وأسدا مفترسا أمام المواطن البسيط والمقهور.

فوداعا سيدي.. لقاؤنا أمام الله...