الاثنين 6 مايو 2024
خارج الحدود

هل يسقط قانون الشغل حكومة فرنسوا هولند؟

هل يسقط قانون الشغل حكومة فرنسوا هولند؟

رغم مرور شهرين على بدايتها لم تتراجع التعبئة والتظاهر ضد مشروع قانون الشغل "الخمري" الذي تقترحه الحكومة الفرنسية، فقد شهدت المدن الفرنسية بما فيها العاصمة باريس تظاهرات يوم السبت الأخير، تخلل بعضها أعمال عنف متفرقة ومواجهات عنيفة مع الشرطة خاصة بمدينة رين. والتظاهرة بباريس كانت تحمل شعارات مثل "لن نتراجع" و"نريد أفضل من هذا"، وتميزت بتراجع المشاركة مقارنة مع تظاهرة 31 مارس الماضي، وفسرت النقابات هذا التراجع بتزامن التظاهرة الأخيرة مع العطل المدرسية التي تشمل في مرحلة أولى ثلثي فرنسا والمشاركة الكبيرة للطلاب والتلاميذ بهذه التظاهرات.

هذه التعبئة القوية بفرنسا ضد مشروع قانون الشغل الذي تقترحه أغلبية فرنسوا هولاند يبدو أنه يسير بها إلى الهاوية السياسية، حيث لم تتراجع قوة الاحتجاجات التي تمس اليسار ونقاباته، والذي يعد كلاسيكيا حليفا للأغلبية الحالية التي يقودها الحزب الاشتراكي.الذي قبل في ظل ظروف الضغط هذه، بمبدأ الانتخابات الأولية داخل اليسار في شهر ديسمبر المقبل. وهو  قبول ذو دلالة كبيرة، ويعني أن فرنسوا هولاند لن يكون المرشح الشرعي والوحيد لليسار في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المحتجين بمختلف المدن الفرنسية، والتجمعات الليلية التي تتم بساحة لاريببليك في كل ليلة منذ عشرة أيام، هناك لائحة توقيعات وصلت إلى أكثر من مليون و300 ألف توقيع، ضد هذا المشروع لتغيير قانون الشغل، بادرت إليها إحدى المناضلات النسائيات، كارولين دوهاس التي كانت إحدى عضوات الحزب الاشتراكي الفرنسي وتحملت مسؤولية بديوان وزير التربية ثم وزارة الاستهلاك  بونوا أمو الذي غادر الحكومة الحالية هو الآخر.لكن هذا المناضلة غادرت الحزب الاشتراكي.

 هذه التحركات ضد قانون  الشغل "الخمري" الذي يعتبره المحتجون والنقابات أكثر ليبرالية، ويتخلى عن حماية التشغيل لصالح الباطرونا. هذا الإحساس يتقاسمه عدد من مكونات اليسار الفرنسي بما فيهم جزء من أعضاء الحزب الاشتراكي الحاكم. وهو ما يحرم هذا القانون من أنصار حتى داخل الأغلبية.

هذا القانون يمكن أن يأخذ معه الحكومة وأغلبية فرنسوا هولاند، خاصة أن فرنسوا هولاند وعد بأنه لن يتقدم إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا لم يتمكن من قلب منحى ارتفاع البطالة. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية  والتشريعية المقبلة توالت النكسات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي، آخرها تخليه عن مشروع تغيير الدستور من أجل إدخال سحب الجنسية إليه، بعد أن فشل في إقناع أغلبيته ومعارضته بجدوى هذا القانون التمييزي والعزيز على الجبهة الوطنية المعادية للأجانب. بعد هذا الفشل الذريع، يبدو أن مشروع إصلاح قانون الشغل الخمري هو الآخر سوف يتم التخلي عنه من أجل الحفاظ على تماسك الأغلبية اليسارية بالحكم.

هذا القانون الليبرالي كان الهدف منه دفع المقاولات الفرنسية إلى التشغيل، وكان تغيير القانون الحالي هو أحد شروطها، خاصة أن وضع سوق الشغل لم يتغير رغم أن الحكومة الحالية منحت 40 مليارا من الأورو إلى المقاولات الفرنسية كتسهيلات ضريبية من أجل خلق دينامية بسوق الشغل ومن أجل الحد من البطالة التي عرفت منحى في اتجاه الإرتفاع مند وصول الحكومة الحالية إلى المسؤولية.

طبعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند  وأغلبيته الحكومية هم تحت الضغط الكبير والمستمر ولا شيء تغير نحو الأحسن بأداء الاقتصاد الفرنسي رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، البطالة مازالت تشمل 10 في المائة من السكان العاملين، المقاولات تتلكأ في تشغيل المعطلين رغم حصولها على امتيازات ضريبية  كبيرة وتريد إصلاح قانون الشغل الذي تعتبره متجاوزا ولا يسمح لها بمنافسة نظيراتها الأوربية. النقابات واليسار، بما فيهم أعضاء من الحزب الاشتراكي الحاكم هم ضد هذا الإصلاح، لا يرغبون في التراجع ضد الحكومة من خلال الاحتجاجات التي دامت شهرين. وهذا الضغط يزيد من تراجع شعبية الرئيس التي تحسنت منذ الضربات الإرهابية التي تعرضت لها باريس، باستثناء وقوع مفاجأة كبيرة، فكل ما يحدث على الساحة السياسية يعاكس الرئيس ومشروعه من أجل التقدم مرة ثانية إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة ومن أجل الحد من البطالة وسط الفرنسيين التي تعتبر شرطا أساسيا التزم به شخصيا.

الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس، وأمام هذه العقبات التي لا حدود لها والتي يمكن أن تعصف باغلبيته في أي وقت، ويمكن أن تدفع فرنسوا هولاند الى تغيير الحكومة الحالية، واختيار أخرى  لها  سياسية أقرب الى اليسار من الحكومة الحالية التي تعتبرها النقابات وجزء من الحزب الاشتراكي ليبرالية في اختياراتها. اختار الوزير الأول نقل النقاش إلى الجانب الهوياتي والهجوم على الأقلية المسلمة بفرنسا التي اعتبرها ضحية لأقلية سلفية ونفس العمل قامت به وزيرته لوروانس روسينيول وزيرة العائلة والطفولة وحقوق المرأة التي صرحت بأن  "النساء اللواتي اخترنا وضع الحجاب مثلهن مثل العبيد الأمريكيات اللواتي كن مع استمرار نظام العبودية". تصريحها أثار جدلا كبيرا واعتبر هجوما على مسلمي فرنسا. واختارت اليزابيت بدانتير، وهي كاتبة نسائية ومسؤولة شركة بيبليسيس للإشهار، مساندتها، وطالبت الفرنسيات بمقاطعة دور الموضة التي قدمت عروض موضة لنساء محجبات. الوزير الأول هو الآخر قام بدعم وزيرته وتصريحها. هذا التكتيك السياسي لقي نجاحا كبيرا، واندلع جدل بفرنسا حول الإسلام والحجاب وحول مسؤولية المسلمين حول الوضعية الحالية. وخلال هذا الأسبوع نسي الفرنسيون التظاهرات بالمدن الفرنسية وأحداث العنف والمواجهات التي تمت بين الشرطة والشباب الفرنسي هذا الأسبوع. كما تم نسيان البطالة التي لم تتراجع بفرنسا بل ارتفعت في ظل الحكومة الحالية.كما نسي الناس الوقفات الليلية التي تتم بساحة لاريببليك بباريس منذ أكثر من أسبوع، ويمكن أن تشبه، إذا استمرت، وقفات بوديموس بإسبانيا الذي تمكن من قلب المشهد السياسي.

وزيرة الشغل  مريم الخمري، صاحبة مشروع القانون تجاوزتها الاحداث وأصبح النقاش حول قانون الشغل يتم الحوار حوله من طرف القصر الرئاسي وقصر رئاسة الحكومة، وذلك بعد أن تحول هذا المشروع إلى خطر على الرئيس وحكومته بفعل التعبئة الكبيرة للنقابات والشباب ضده، هذا القانون الذي يمكن أن يسقط الحكومة الحالية.

لكن أمام الباب المسدود، من المؤكد ان فرنسوا هولاند سوف يتراجع عن مشروعه هذا، كما تراجع عن مشروع تعديل الدستور حول إسقاط الجنسية من مزدوجي الجنسية، لأن الوقت لم يعد في صالحه، خاصة أن فرنسا دخلت زمن الاستعدادات للحملة الانتخابية الرئاسية التي ستحاول خلالها الأغلبية الحالية تطييب خاطر الرأي العام من خلال تقديم الامتيازات، سواء الضريبة او الاجتماعية. لكن في ظل هذه الأجواء، فإن الأقلية المسلمة بفرنسا سوف تلعب دور المشجب الذي تعلق عليه كل مشاكل الفرنسيين في ظل أجواء تفكيك الشبكات الإرهابية بين باريس وبروكسيل. مانويل فالس سوف يستمر في اللجوء  إلى الخطاب الهوياتي والهوية الوطنية من اجل استقطاب رأي عام أكثر محافظة وذلك على خطى نيكولا ساركوزي الذي أنشأ وزارة خاصة بذلك اثناء حكمه، لكنها لم تؤمن له النجاح مرة ثانية في الانتخابات الرئاسية. فهل يسير فرنسوا هولند وأغلبيته على نفس الخطى أم أنه سيتخلى عن وزيره الأول من أجل سياسة ذات هوية يسارية؟ .الأيام أو الأسابيع المقبلة كفيلة بالإجابة عن أسئلتنا.