الأحد 5 مايو 2024
خارج الحدود

"طوفان بناما بايبرز".. الفصل الجديد من المسرحية لعبت أول أدوارها "ويكيليكس"

"طوفان بناما بايبرز".. الفصل الجديد من المسرحية لعبت أول أدوارها "ويكيليكس"

قبل كارثة الربيع العربي جاء طوفان ويكيلكس. آلاف البرقيات زعمت جهات أمريكية أنه تمت قرصنتها في بلد منتج للقراصنة كي يضحكوا على المغفلين من "ثوار" آخر لحظة و"ثوار الشكارة". ولم يتساءل أحد عن سر هذا السيل الهائل من البرقيات التي تم تسريبها، ولماذا ركزت على هذا وأغفلت آخرين، وبعد مرور سنوات تبين أن الهدف هو صب الزيت على نار الاحتجاجات الاجتماعية قصد تحويلها إلى "ثورات" في خمسة أيام في وقت لم تنجح ثورات عمرها خمسون سنة.

تبين فيما بعد أن ويكيليكس أو موسوعة التسريبات هي صناعة أمريكية، لا يعني ذلك التطابق التام بين أطرافها، مثلما هو شأن العلاقة بين المخابرات الأمريكية وبين أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، أو بينها وبين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأن الغرض منه هو أن يكون بمثابة المحرك للنار بعد أن تم تكوين قيادات مدربة على تأجيج الشارع. ولم يعد خافيا اليوم أنه يمكن تنظيم ثورة بطريقة تنظيم حفل عرس.

ولما تفطن الناس لأحبولة ويكيليكس، التي كانت فخا وقع في شراكه كثير من "المبدئيين" سذاجة منهم أو انقيادا لـ"الثوار المحترفين"، مما جعل سمعة هذه الموسوعة سيئة، جاء اليوم طوفان "بناما بايبرز"، من خلال تسريب 11 مليون وثيقة تهم زبناء مكتب للمحاماة له علاقة بتأسيس الشركات وفتح حسابات بنكية.

انتبهوا جيدا: لم تتم سرقة صندوق أو صندوق من الوثائق ولكن 11 مليون وثيقة. من هو هذا اللص الذي لديه هذه القدرة؟ ولماذا سيقوم بذلك؟ ولفائدة من؟

انتبهوا جيدا: أن هذه الـ11 مليون وثيقة سقطت بيد جريدة ألمانية صغيرة. وهي التي كلفت 370 صحفيا بالتعاون مع 100 صحيفة دولية قصد قراءة هذه الوثائق وفك شفرتها.

انتبهوا جيدا: كل ذلك بمحض الصدفة.

هذا كلام يمكن أن يصدقه بسطاء الناس، لكن من يفهم في تكوين الجغرافية السياسية، يعرف أن العملية معقدة وتقف وراءها دول ومؤسسات.

أول ما ينبغي أن نعرفه أن الفيدرالية الدولية للصحافيين الاستقصائيين (IFJI) مؤسسة توجد بواشنطن، ينتمي إليها صحفيون، لكن هناك معطى مهم ينبغي أن نعرفه عنها، هو أن جزءًا كبيرا من المشتغلين فيها هو من الديبلوماسيين السابقين وموظفي الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى عناصر المخابرات السابقين.

ومن بين شركاء هذا التحقيق الصحفي، جريدة لوموند الفرنسية، التي عندما تذكر في صالونات باريس فإنها تعبر عن رأي الخارجية الفرنسية والمخابرات الخارجية. ويبقى السؤال المحير لماذا لا يوجد أي اسم أمريكي ولا شركة أمريكية ضمن الوثائق المذكورة؟

هناك "خلطة" كبيرة وأسماء متنوعة، من عالم السياسة إلى عالم الرياضة، لكن ينبغي التنبيه إلى أن التركيز انصب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن خلال أصدقائه فقط دون أن يصلوا إلى شيء يخصه، لأن الانتخابات الروسية على الأبواب وهم يراهنون على التلقي الشعبي وليس على النخب. كما ركزوا على بعض دول الخليج، التي حاولت التمرد على الموقف الأمريكي من الاتفاق على الملف السوري.

اللعبة إذن واضحة، ولا يهم مضامين الوثائق، ولكن يهم سياقها، الذي يفيد أن العالم مقبل على ربيع جديد بعد فشل الجولة الأولى.

العنوان من اقتراح هيأة تحرير الموقع