السبت 18 مايو 2024
سياسة

قضية الصحراء لن تحلّ بنخب «الشيشة» و«الحشيش»!

 
 
قضية الصحراء لن تحلّ بنخب «الشيشة» و«الحشيش»!

الاستحقاق التشريعي الذي ستدخله بلادنا في أكتوبر 2016  ليس فقط تاريخا اعتياديا في تراتبية العمل السياسي الوطني، لكنه حدث مفصلي في مشهدنا السياسي الراهن، بالنظر إلى التطورات الشرسة التي يعاينها المغاربة في السنوات الأخيرة، تطورات ليس لها من توصيف في المعاجم سوى كلمة الحرب المفروضة علينا من أعداء الإصلاح والتقدم على المستوى الداخلي، ومن خصوم وحدتنا الترابية على المستوى الخارجي.

هي إذن وضعية حرب يعيشها المغرب على جبهتي الداخل والخارج. وبما أنها حرب ضروس ككل حروب الرهانات الكبرى فالمطلوب أن تكون على رأس الأولويات إعادة اللحمة للتماسك الوطني، وإعادة الأخلاق للسياسة، من خلال تجديد النخب السياسية. وإعادة الأمل للمغاربة في ممارسة سياسية سليمة.

ومع ذلك يبدو أن كل هذه التحديات الاستراتيجية في واد، واهتمامات نخبتنا السياسية داخل الحكومة، أو في المعارضة في واد آخر. وما يقودنا إلى تأكيد ذلك هو التشريح للممارسة السياسية المنتهجة في مغرب اليوم.

إن عبد الإله بنكيران لا يزال يشعل الحرائق ويخنق المغاربة، في تنكر سافر لبرنامجه الانتخابي المعلن في الحملة الانتخابية السابقة، ولانتظارات المواطنين. وها هي المردودية الاجتماعية لحكومته قد اقترفت المحظور بذهابها  بعيدا في الانصياع لتعاليم صندوق النقد الدولي، وهو ما لم تجرؤ الحكومات السابقة على الخوض فيه بمثل الخفة التي تطبع سلوك هذه الحكومة. يتباهى بنكيران بإقفال باب التشغيل في الإدارة العمومية، وبالوفاء للتوازنات المالية على حساب كل ما هو اجتماعي، بما يعني ذلك من استمرار تدهور الوضع الاجتماعي، خاصة بعد الجفاف الذي ضرب اقتصادنا هذا الموسم. ويتم كل ذلك بعد إقفال الحوار الاجتماعي، واحتدام التوترات الاجتماعية، والتهاب الشارع المغربي الأمر الذي لا يتصور أي منا مآلاته المستقبلية.

أما على مستوى الجبهة الخارجية فقد كان علينا أن نتعرض إلى هزتين في الحلبة الدولية (نازلة السويد التي أشهرت ورقة الاعتراف بجمهورية الوهم، وموقف المحكمة الأوربية من الاتفاق الفلاحي مع الاتحاد الأوربي، وتصريح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأخير الذي وصف المغرب بـ "المحتل") لنكشف هشاشة أدائنا الحكومي، خاصة فيما يتعلق بتدبير أمور قضيتنا الوطنية في الخارج، واكتساح فراغات المنتظم الدولي لفائدة الدعاية الجزائرية ورديفها البوليساريو. وهو الواقع الذي  يقتضي ضرورة ممارسة نقد ذاتي لحضورنا في الخارج، هذا الحضور الذي كان دائما يعتبر ريعا سياسيا تخصصه الدولة إما لمتقاعدي الشأن العام، وللأقارب، أو لاستدراج عناصر من البناء الحزبي، واللعب على تناقضاته.

الآن، وقد دقت ساعة الحسم يصبح المغرب ملزما بانتهاج سياسة مغايرة تجعل الدبلوماسيين المغاربة في الخارج على جبهة حرب، لا على مشارف النزهة.

جهد آخر مطلوب، في نفس الإطار، يتمثل في ضرورة اكتساح اليسار الراديكالي والخضر، وهذا ما لا يتأتى دون مقاربة تشاركية بين الجهاز الحكومي واليسار المغربي بكامل مكوناته، سواء تلك المتواجدة في البرلمان أو خارجه، وذلك نظرا للعلاقات الفكرية التاريخية التي تربطه بالعائلة اليسارية في العالم، ونظرا كذلك للثقة الذي يضعها الخارج في قوى اليسار المغربي بشكل عام.

أما على مستوى المعارضة التي ينيط بها الدستور المهام التشاركية فتبدو هي الأخرى غارقة في تجاذباتها الذاتية، مع الإبقاء على عين يقظة واحدة ، مفتوحة فقط على مهمة واحدة هي الانتخابات المقبلة، أما المجتمع وتحدياته ومآسيه فذلك في اعتبارات المؤجل، غير عابئة بجسامة المخاطر التي تتهدد البلاد. إنها معارضة تعيش مفصولة عن الواقع تماما، مستقيلة من دورها التشريعي الفعال، ومن مساندتها لرفع مظاهر التوتر الاجتماعي، فهي لا تريد تأزيم الأوضاع لأنها غير قادرة على ذلك ذاتيا، ولا تقدم اقتراحات عملية لحل مشاكل التشغيل والصحة والتعليم مثلما تفعل كل حكومات الظل الحزبية كما هو الحال في كل المجتمعات الديموقراطية. وبذلك تنزل الممارسة الحزبية إلى نوع من الكاريكاتور السياسي المذل لواقع الحال، بدليل أن الأحزاب الكبرى في المعارضة لا تضع في مقدمة انشغالاتها الحالية المطالب الاستراتيجية الملحة من قبيل حوار مع العالم حول قضيتنا الوطنية ودور اليمين واليسار، وحول صياغة منظومة اقتصادية لتحريك عجلة التنمية وامتصاص البطالة، أو إطلاق خطط وطنية غير مسبوقة للرفع من القدرات الشرائية للمواطنين، أو لحل معضلات التعليم والصحة على سبيل المثال، أو مبادرة ما لترشيد السياسة عبر مقترح ميثاق شرف جديد للسياسيين في المغرب. عوض ذلك يرتئي حزبا الأصالة والمعاصرة والاستقلال أن يقنعا المغاربة بأن معركة البلاد اليوم هي تقنين زراعة الكيف، وفي هذا الباب يجد قادة هذين الحزبين كل الوقت للاقتراحات لشحذ "السبسي" وتزيينه وملئه بـ"الطابا"، وبذلك تصبح الحرب الحقيقية التي نعيشها داخليا وخارجيا ذات مظهر بارودي: حرب الكيف التي تتبناها المعارضة وتعد لها كل ما استطاعت من بلاغات خطابية و"بوليميك" و"تخراج العينين"، وتقديم الاعتبار الزبوني على الاعتبار الوطني، مقابل حرب الشيشة التي تخوضها أحزاب الحكومة بقيادة حزب المصباح، ضد مقاهي "الشيشا" في محاولة إقناعنا بأنها هي الوكر الوحيد الذي يختبئ فيه أعداء المغرب في الداخل والخارج.

إنه المشهد السياسي الراهن الباعث على الشفقة والحسرة كما تصوغه حكومة التنازلات المتوالية مع معارضة الهواة اليوم.

فهل ينصت السياسيون لنداء الحرب الحقيقية، ولنبض الشارع المأزوم، أم أنهم سيستمرون في العبث بالسياسة والأخلاق فاتحين الباب للمجهول ولبيع الوطن للأعداء؟

تفاصيل أوفى تطلعون عليها في عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك