Wednesday 14 May 2025
فن وثقافة

فريق بحث مغربي يقتفي أثر "البحث في علم مقارنة الأديان"

فريق بحث مغربي يقتفي أثر "البحث في علم مقارنة الأديان"

صدرت عن دار صفحات للنشر والتوزيع، دمشق- دبي مجموعة من الكتب الهامة التي تشترك جميعها في أنها لمؤلفين مغاربة شباب تخرجوا من ماستر الدراسات السامية ومقارنة الأديان الذي أسسه الأستاذ سعيد كفايتي سنة 2007 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس، فاس، المغرب، والذين ينتمون الآن إلى فريق البحث في علم مقارنة الأديان التابع لمختبر الخطاب والإبداع والمجتمع، حيث يسهرون على إنجاز أطروحات دكتوراه ستكون بعد تحريرها ومناقشتها تتويجا لسنوات عديدة من التحصيل المتأني، والتكوين الرصين في علم مقارنة الأديان.

اتخذ الباحث منير تمودن في كتابه الرؤية الميثولوجية لعقيدة التثليث المسيحية موضوعا حساسا ومثيرا للجدل لأنه يجعلنا أمام تعارض ما  بين الرؤية المسيحية التي تبرر وجود التوحيد وتنفي عنها التعدد والرؤية الإسلامية التي كشفت من خلال القرآن الكريم زيف هذه العقيدة. غير أن المؤلف ارتأى أن يلتزم بالقراءة التاريخية والميثولوجية، وأن يضع تصور المسيحية لهذه العقيدة في كفة والتصور الميثولوجي في كفة أخرى، وذلك بهدف التمييز ما بين الراجح والمرجوح.

 

 وينقلنا الباحث جمال صوالحين في كتابه صورة المرأة اليهودية بين الشريعة والواقع إلى المرأة كما تعكسها التوراة والتلمود والتفاسير والشروح الربية، والتي تكاد تنحصر وظيفتها في الإنجاب وتربية الأطفال، والقيام بالأشغال المنزلية. ونظرا لكونها مصدرا للنجاسة فقد تم حرمانها من أداء الصلوات الجماعية، ودراسة التوراة...غير أننا نعثر في التوراة نفسها على صورة أخرى للمرأة مخالفة تماما للصورة الأولى حيث تتربع على عرش الملك، وتتولى القضاء، بل إننا نجد نساء نبيات. وقد تتبع الباحث جمال صوالحين أثر التحولات الاجتماعية والسياسية والدينية في وضعية المرأة اليهودية. 

 

 أما كتاب مناهج نقد العهد القديم عند الغرب للباحثة أسماء وردي فيندرج ضمن الأعمال الأكاديمية التي شقت لنفسها طريق الاتجاه النقدي في دراسة الأديان أو ما يُصطلح على تسميته في الغرب الأوروبي بنقد الكتاب المقدس بشقيه أي العهد القديم والعهد الجديد. وقد سلطت الباحثة أسماء وردي الضوء على منهج النقد المصدري، وذلك بسبب ارتباط هذا المنهج باسم يوليوس فلهاوزن الذي كان أثره كبيرا في نقد العهد القديم.

 

 ويتأرجح كتاب "قصة يوسف بين التوراة والقرآن الكريم: "الخصائص الفنية" للباحثة كريمة كطيبي بسبب طبيعة موضوعه ما بين عالم السرديات، والدراسات الأدبية والنقدية، وعالم مقارنة الأديان، ومناهج نقد التوراة، ونقد الكتاب المقدس. ولم يكن تركيزها على قصة يوسف عليه السلام، كما وردت في كل من التوراة والقرآن الكريم، اعتباطا، بل هو ناتج عن اعتبارات عدة لعل أهمها على الإطلاق هو أن عناصر الاتفاق بين هاتين القصتين تكاد أن تكون هي الأغلب مقارنة مع وجوه الاختلاف التي تكاد تنحصر في بعض التفاصيل فقط.

 

وآثر الباحث كمال الدوش في كتابه "أثر الفكر الإسلامي على فرقة القرائين اليهودية" أن يُوجه نظره نحو فرقة القرائين التي اشتهرت بمعاداتها للربيين. وقد أفاض في عرض أهم مبادئها، وفي التعريف بأعلامها مقدما للقارئ مادة "دسمة" في حقل الدراسات اليهودية. وبما أن فرقة القرائين نشأت وترعرعت في ظل الحضارة العربية الإسلامية فإنها لم تكن، مثلها في ذلك مثل باقي أنماط الثقافة اليهودية، بمنأى عن أثر الفكر الإسلامي.

 

وخلافا إلى هذه الكتب الخمسة التي صدرت كلها عن دار صفحات للنشر والتوزيع فإن الكتاب السادس صدر في عمان عن "دار الأكاديميون للنشر والتوزيع" بعنوان "قصة الطوفان بين الأسطورة والدين"، دراسة وصفية تحليلية مقارنة لصاحبه هشام مباركي. ويتناول الكتاب قصة الطوفان كما جاء ذكرها في كل من الكتب الدينية، وفي أساطير الشرق الأدنى القديم، وفي بعض الحضارات الأخرى. وقد قدم الباحث هشام مباركي صورة شاملة ورؤية بانورامية حول حيثيات قصة الطوفان، وعرضها انطلاقا من رؤى مختلفة وزوايا متعددة، وذلك من أجل استجلاء واستنباط خصوصيات كل قصة أو أسطورة، وإبراز مدى تأثرها بالقصص والأساطير السابقة، ومدى تأثيرها في القصص أو الأساطير اللاحقة. 

جملة القول تُعد هذه الكتب الستة، باندراجها في علم الأديان، وبمادتها الغنية، وبالمراجع المعتمد عليها (عربية وفرنسية وإنجليزية وعبرية)، وبالمنهج العلمي المتبع، وبلغتها السلسة إضافة نوعية ستُثري دون شك المكتبة المغربية والعربية، وستكون عونا للباحثين ممن اختاروا البحث في هذا القبيل من التخصص الذي لا يزال يبحث له عن موطئ قدم في الجامعة المغربية.