السبت 11 مايو 2024
سياسة

على هامش الأزمة المغربية السويدية: المسمار الجزائري على حائط الاعتراف الدولي بالبوليساريو

على هامش الأزمة المغربية السويدية: المسمار الجزائري على حائط الاعتراف الدولي بالبوليساريو

لا تترك الجزائر أي فرصة تمر لتوريط المغرب في أزمات ديبلوماسية، وكأن حلحلة الوضع الجزائري تنهض على عزل الرباط دوليا وإغراقها في التقسيم والانقسام، أي على ما يعادي الوحدة الترابية للمغاربة؛ ولعل آخر ما نجح فيه الجزائريون هو انتزاع قرار من البرلمان السويدي بالاعتراف بجبهة البوليساريو، مما أفضى إلى أزمة ديبلوماسية غير مسبوقة مع ستوكهولم.

إن منطق "الحرب الباردة" هو الذي ما زال يحرك زعماء قصر المرادية، وهو دأب عرفت الديبلوماسية المغربية كيف تتعامل معه، إما عن طريق "إطفاء الحرائق"، وإما عن طريق اتخاذ مبادرات ديبلوماسية، في العمق الإفريقي والأمريكو لاتيني، من أجل إنهاء حالة "الاعتراف بالبوليساريو" التي كانت تتم في غالب بإيعاز من الجزائر، وبأموال النفط الجزائري.

ولعل للصراع بين المغرب والجزائر سيلاحظ دون شك النشاط المحموم الذي يقوم به اللوبي الجزائري  المساند للبوليساريو في جمهوريات أمريكا اللاتينية، وذلك لحمل بعض هذه الدول على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية، أو اتخاذ خطوات دبلوماسية تكون مقدمة لهذا الاعتراف، سواء تعلق الأمر بتلك التي سبق وسحبت اعترافها بها أو التي لم تعترف بها لحد الآن.

إن  التطورات التي شهدتها أمريكا اللاتينية باتجاه اليسار والتي قوبلت بتجاوب إيجابي من طرف القوى التقدمية في مختلف بقاع العالم، تطرح اليوم على الديبلوماسية المغربي، رسمية وموازية، تحديات جديدة، لدعم المكتسبات التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة بأمريكا اللاتينية عندما تم إقناع عدد من الدول مثل: كوستاريكا، جمهورية الدومينيك، كولومبيا، الباراغواي، السالفادور، البيرو... إلخ بسحب اعترافها بهذا الكيان الوهمي، ومواجهة حملة التغليط التي تقوم بها الجزائر حاليا.

ومن بين المؤشرات على تلك التحركات المغرضة التي نجحت فيها الجزائر، انتزاع اعتراف الأوروغواي بالجمهورية الوهمية نهاية 2005 ، على إثر صعود طاباري فاسكيز إلى الرئاسة. كما أنها سعت بعد انتخاب ميشيل باشليت رئيسة لجمهورية الشيلي ، إلى الضغط عليها للاعتراف بالجمهورية الوهمية ، لكنه مسعى لم يكتب له النجاح بفضل الجهود الدبلوماسية المتعددة الوسائط التي بذلها المغرب.

وبعد انتخاب أورتيغا رئيسا لنيكاراغوا ، حضر رئيس الانفصاليين شخصيا مراسم تسلمه السلطة وعقد معه لقاء، ليصدر بعد ذلك بلاغ مشترك بين الطرفين يفيد بإقامة علاقات دبلوماسية بينهما.

ومعلوم أن نيكاراغوا من بين الدول التي سبق أن سحبت اعترافها بهذا الكيان الوهمي. وبالإضافة إلى الدعاية المغلوطة التي يقوم بها البوليساريو في المنطقة بشأن تقرير المصير.. يحاول استجداء عطف هذه الدول بدعوى أن الجمهورية الوهمية هي الوحيدة التي تتحدث بالإسبانية في إفريقيا، وأن أزيد من 80 دولة اعترفت بهذا الكيان وهو اعتداء صارخ على الحقيقة، لأنه يغفل لائحة طويلة عريضة من الدول التي سحبت اعترافها وتتعدى الثلاثين، بالإضافة إلى أن الدول العربية والأوروبية وعددا كبيرا من الدول الإفريقية ، بما فيها إسبانيا ، ودول أمريكية لاتينية مثل البرازيل، الأرجنتين، الشيلي ، وجميع أعضاء مجلس الأمن، لم تعترف يوما بجمهورية الوهم.

 إن المغرب الذي يعد بالنسبة لدول كثيرة في أمريكا اللاتينة أول شريك تجاري واقتصادي في إفريقيا، والذي نجح في اختراق معسكر الطرف الآخر بهذه المنطقة، مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى باستثمار هذه المعطيات وعدم ترك الساحة للخصم الذي يحاول تحقيق مكاسب معنوية بعد أن فقدت أطروحته بريقهامع مقترح الحكم الذاتي الذي لقي تجاوبا كبيرا لدى المنتظم الدولي.

وبالعودة إلى التاريخ القريب للصراع المغربي الجزائري، لن ينسى المغاربة ذلك الموقف الداعم لإسبانيا الذي عبرت عنه  الدبلوماسية الجزائرية بخصوص أزمة "جزيرة ليلى"2001؛ وهو الموقف الذي يوضح بجلاء منطق "استغلال كل الفرص" لتوريط المغرب في أزمات لا مخارج لها، وأيضا لتهوية الأزمة الداخلية التي تتخبط فيها الجزائر منذ عقدين. فلا تكاد أزمة تندلع بين "الرباط" و"مدريد" حتى يبدأ المسؤولو الجزائريون في شحذ السكاكين وإذكاء النيران، لإفساد كل ما يمكن إصلاحه. أما إذا كان الهواء الذي يهب على سماء العلاقات بين البلدين (إسبانيا والمغرب) نقيا، فلا تكف الأيادي الجزائرية عن مراكمة الحطب لتحويل الأجواء إلى مداخن سوداء تحجب الرؤية، وهذا ما يطرح أكثر من تساؤل، خاصة أن الجزائر قدمت الدليل على أنها تراهن على "الكساد المغربي" لتكبر وتتسع وتعيش..

 لقد حاولت الجزائر دائما "الإقامة الجبرية" أمام مرآة عاكسة للماضي، ولم تقو أبدا عن طرد رياح "حرب الرمال"، ولم تسع أبدا إلى إعادة التفكير في علاقتها مع المغرب من أجل بناء سياسة تعاون موحدة، مما يؤكد أنها تتحرك ديبلوماسيا ضد المغرب من زاوية الطرف المعاكس، وليس من زاوية الحاضن والحامي للشرعية الدولية..

 إن السؤال المطروح على الجزائر التي ترفض باستمرار اتهامها بأنها طرف في نزاع الصحراء،هو  كيف يمكن لشرذمة من الصحراويين، الذين ينازعون بلادهم شرعية الحكم، أن يقفوا طيلة عقود في وجه دولة تتوفر على بنيات اقتصادية وجيش نظامي، لو لم تبذل هي كل ما في وسعها من أجل تمويل البوليساريو وتقوية عضلتها العسكرية والديبلوماسية، وأيضا لو لم تسخر أموال النفط لاستقطاب الأنصار والمؤيدين، في مجموعة من دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ لماذا تسعى إلى تحييد الموقف العربي وإلباس المغرب رداء المستعمر الغاشموالمنتهك للحقوق والأعراض والأرض، مثلما فعلت بعد الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحثا عن الغاز؟

إن "الجغرافية هي العنصر الثابت في السياسة"، كما يقول بسمارك، وفي الحالة المغربية- الجزائرية ما زال المغرب يسعى إلى ترتيب تفاعله مع جواره بشكل يستجيب لمصالحه. غير أن الجزائر ظلت تخلط الأوراق ضد المغرب لكسب المزيد من النقاط في المنافسة الدبلوماسية المحتدمة، فيما لا يمكن الاطمئنان، مع ذلك، لموقفها الذي مازال يصر على إغلاق الحدود ويربطه بإنهاء نزاع الصحراء.. رغم أن موقف قادة الجزائر، منذ السبعينيات، لم يتغير، وليست هناك أي بوادر في الأفق، تقول إنه سوف يتغير..