"أهنئكم بنجاح مؤتمركم الوطني السابع، وبانتخاب الكاتب العام من المؤتمر" (عبد القادر الزاير).
"ألتزم أمام المؤتمر بأن فترة ولايتي على رأس المنظمة، ستكون ولاية واحدة، وأتعاقد معكم والتزم بتنزيل توصيات المؤتمر" (خليد هوير العلمي).
موقفان، بحمولة مضامينهما السياسية والاجتماعية والتنظيمية والثقافية، وبالنظر إلى سياق وتوقيت وظرفية الإعلان عنهما، شكّلا من قلب المؤتمر الوطني السابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل المنعقد أيام 28ـ29ـ30 دجنبر 2025 بالمركز الدولي للشباب بمدينة بوزنيقة تحت شعار "الوفاء لمبادئ التأسيس ومواصلة النضال الاجتماعي والديمقراطي" إعلانا صريحا من المسؤولَيْنِ النقابيين لأكبر تنظيم نقابي عمالي يساري تقدمي وجماهيري، عن بداية الانخراط العملي للطبقة العاملة المغربية في ثورة ثقافية تنظيمية هادئة تروم خلخلة البنية التقليدية للتنظيم المكرسة في العديد من مظاهرها للأعطاب والتراجع والإخفاق والابتعاد بمسافة عن مبادئ التأسيس، وتقطع في روح تفاصيل مضامينها مع كل الممارسات والأساليب والصيغ التي أسست عبر مساراتها التاريخية ومحطاتها التنظيمية قاعدة وبنك أهداف صناعة الزعيم وتوطينه على هرم المسؤولية، وتحويل المحتضن منهم من طرف السلطة أو المخزن، ولوبيات المال والأعمال، إلى شخص خارج المساءلة والمحاسبة، والعمل انطلاقا من هذا التوجه المستشري في بنية العقل السياسي والحزبي والنقابي في بلادنا منذ الاعلان عن الاستقلال السياسي، على تحصين مركزية موقع كرسي "الشيخ/ الزعيم" وتأثيث محيطه بحزمة بشرية من المريدين ومن مواقع متعددة يتحكمون في تدبير الشأن النقابي أو السياسي الحزبي أو التنظيمات الموازية لهذه الهيئات، وبامتدادات البعض منهم داخل أجهزة السلطة، التي تشكل في الكثير من المحطات الاستحقاقية، المرجع الرئيس في تأمين الاستمرارية من عدمها للكثير من هذه الأدوات المرتبطة المصالح والخدمات والأجندات السياسية والنقابية.

ليلة القبض على الثورة الثقافية التنظيمية، او ذلك، الضوء الهارب
كانت الساعة تشير إلى ما بعد منتصف ليلة السبت الأحد 29 ــ 30 نونبر 2025، وكان وقتها قد صادق المؤتمر في أجواء وسمت بكل أشكال النقاش والنقد العميق والترافع المسؤول، على تقارير اللجان، وقبلها التقرير الأدبي والمالي، وكانت لحظتها، النقطة الساخنة التي يترقبها المؤتمر ومعه الرأي العام، انتخاب الكاتب العام للمنظمة بعد أن أنهى المؤتمر بشأنها في جلسة التصويت، كل أشكال الجدل، بعد مصادقته على مقترح انتخاب الكاتب العام من المؤتمر بشكل ديمقراطي. لتسود بعدها حالة من التوجس والصمت المشوب بالترقب والحذر عن اسم المرشح المرتقب أو المرشحين المرتقبين، سيما بعد أن بات اسم خليد هوير العلمي، يتردد بقوة وسط فضاء المؤتمر، كمرشح قوي لخلافة المناضل الكبير عبد القادر الزاير على قيادة المنظمة.
ولم تأخذ ساعة الانتظار من المؤتمرات والمؤتمرين الكثير من الوقت كما كان يسود الاعتقاد لدى الفئة العريضة منهم. وبدى جليا أن وقتها قد حط رحاله في صمت ودون جلبة، ومضى كطيف هادئ مسترخيا في فضاء القاعة يسترق النظر على مسافة قصيرة من الحضور دون أن يقوى أحد على لمسه أو رؤيته أو تبادل الهمس معه خلسة وفي غفلة من الجميع حول الإسم المنتظر للجلوس على كرسي قيادة المنظمة. وبدت لحظة الترقب والانتظار قد دنت ولم يعد يفصلها على الموعد المنتظر غير لحظات معدودات. وعلى حين غرة، تململت الجلسة العامة في صمت مشوب بالحذر، وكأن شيئا ما حدث اللحظة، التقط المؤتمر سريعا اشارته ولم تكن سوى الإعلان عن دخول رئيس المؤتمر الأستاذ عبد القادر الزاير الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل المنتهية ولايته الأولى، قاعة المؤتمرات. يمشي الهوينا، هادئا متثاقلا، يرمي التحية هنا وهناك، ويوزعها بتلقائية وعفوية على المؤتمرات والمؤتمرين دون استئذان، ودون كبير تحديق في الوجوه، بدت معها ملامح وجه الرجل وكأنها تحمل شيئا من التعب إن لم نقل الكثير منه، الذي ظل رفيقا وملازما له على امتداد أزيد من أربعة عقود من المسؤولية النقابية المحلية والوطنية والمركزية. تنطق بها تقاسيم ملامح وجهه الشاحب قليلا، يبدو معها من أول نظرة، وكأنك تقف أمام لوحة مائية يختلط في صورتها الماثلة أمام الجمهور الكونفدرالي، الحزن بالأمل، والضوء بالعتمة، والحاضر بالمستقبل.
إلا أن الزاير، بدا وفي لحظة فاصلة، وكأنه قد تخلص بقوة، وبشجاعة أدبية من كل أشكال التوتر والضغوط التي حاطت به من هنا وهناك، وهناك الهناك، كادت أن تأخذ معها المؤتمر إلى تأخير بعض الوقت عن موعد الإعلان عن اسم خليفة الزاير خلال أشغال الجلسة العامة، بعد أن اعتقد بعض المؤتمرين أو كما بدى لهم من قراءة أولية لما جاء على لسانه كرئيس المؤتمر وكاتب عام سابق، أن الرجل يعتزم الترشح لولاية ثانية. أدرك الرجل بحس متقدم سوء فهم البعض لجوهر الرسالة التي كان يود إيصالها للمؤتمر بعد أن التقط رسائل الكونفدراليين في مداخلاتهم على امتداد أيام المؤتمر. وفي غفلة من الجميع، يستعيد الزاير، بحنكة الرجل الذي خبر التنظيم ومحطاته الكبرى النقابية والسياسية على مدى عقود متتالية، زمام المبادرة التنظيمية، وينهي بلغة مسؤولة وحازمة كل مظاهر التوتر والاحتقان والانتظار والتوجس التي سادت بمنسوب مرتفع فضاء المؤتمر، ويعلن عن موقفه الحاسم والثابت كما أعلن عنه في خلوة بعد عصر السبت، الليلة ثانية من أيام المؤتمر، من المرحلة ومستقبلها ورهاناتها وانتظاراتها، وكأنه، يقبض على ذلك الضوء الهارب، ويمسك بخيطه الناظم المؤسس في تفاصيله لثورة ثقافية تنظيمية هادئة ومحتضنة من قبل الجماهير العمالية الكونفدرالية كما رفعت شعاراتها في هذه المحطة التنظيمية، وفي اجتماعات اللجنة التحضرية للمؤتمر، ودورات المجالس الوطنية الكونفدرالية وصدحت بها عالياً، حناجر المؤتمر في مشهد لم يحدث بهذه الصورة وعفويتها وصدقيتها إلا مع سي عبد الرحيم بوعبيد في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومع الزعيم المؤسس للمنظمة فقيد الطبقة العاملة المغربية نوبير الأموي، والزاير في المؤتمر الوطني السادس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حين قال وهو على كرسي رئاسة المؤتمر يجلس إلى جانب رفيقه خليد هوير العلمي، "هنيئا بنجاح مؤتمركم الوطني، وبانتخاب الكاتب العام من المؤتمر".
وحدها، هذه الكلمة، كانت كافية لتأتي وبصوت جماهيري للمؤتمر الوطني السابع، بخليد هوير العلمي، إلى قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

