Thursday 11 September 2025
مجتمع

مرصد الإجرام: مخدر البوفا.. التهديد الصامت الذي يفتك بالشباب المغربي 

مرصد الإجرام: مخدر البوفا.. التهديد الصامت الذي يفتك بالشباب المغربي  برزت في المغرب ظاهرة "المخدرات الرخيصة" على رأسها مخدر "البوفا"
بين المرصد الوطني للإجرام دراسة تحليلية شاملة حول ظاهرة مخدر "البوفا" في المغرب، ازدياد انتشار هذا المخدر الاصطناعي الرخيص بين 2022 و2024، مع ارتفاع ملحوظ في القضايا والموقوفين والمصادرات المرتبطة به، خاصة في المناطق الحضرية. الدراسة تناولت التحديات التشريعية والمؤسساتية والتقنية والاجتماعية المرتبطة بهذه الظاهرة، وقدمت توصيات استراتيجية لتحديث الإطار القانوني، تطوير آليات الكشف والوقاية، وتحسين برامج العلاج والتعاون الدولي لمواجهة هذا التهديد الصحي والأمني المتنامي.  
 
أصدر المرصد الوطني للإجرام مؤخرا موجز سياسات تجريمية ودراسة تحليلية حول ظاهرة مخدر "البوفا" في المغرب تحت عنوان: "مخدر البوفا في المغرب: تحليل الاتجاهات والاستجابات الاستراتيجية"، وذلك في سياق دولي يشهد تناميا مقلقا لهذا النوع من المخدرات. 
وكانت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات قد حذرت في تقريرها لسنة 2024 من "التوسع السريع لصناعة المخدرات الاصطناعية غير المشروعة"، باعتباره "تهديداً رئيسياً للصحة العامة العالمية". كما أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تقريره لسنة 2025 الهيمنة المتزايدة للمخدرات الاصطناعية، بحيث شهد هذا السوق توسعاً سريعاً، وحققت المنشطات من نوع الأمفيتامين المصادرة أرقاماً قياسية عالمياً سنة 2023، مثلت ما يقارب نصف المخدرات الاصطناعية المصادرة على مستوى العالم. 
وفي هذا السياق الدولي، برزت في المغرب ظاهرة "المخدرات الرخيصة" على رأسها مخدر "البوفا" أو ما يعرف كذلك بـــ "كوكايين الفقراء"، وهو خليط غير متجانس محلي الصنع يتكون من بقايا الكوكايين ممزوجة بمواد كيميائية وعقاقير طبية متنوعة، وقد ظهر هذا المخدر سنة  2020 وزاد انتشاره خلال جائحة كورونا نتيجة صعوبات الوصول إلى المخدرات المستوردة. 
وكشفت الدراسة الصادرة عن المرصد الوطني للإجرام التي اعتمدت معالجة البيانات الإحصائية الرسمية الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي للفترة ما بين سنوات 2022-2024 مع تحليل البعد الكمي للظاهرة عبر تطور المصادرات والتوقيفات، والبعد الجغرافي من خلال التوزيع الإقليمي، والبعد الاجتماعي الديموغرافي للأشخاص المتورطين، عن مجموعة من المعطيات المتعلقة بنشأة وانتشار هذه الظاهرة. 
فما بين 2022-2024 تعاملت الأجهزة الأمنية مع 878 قضية مرتبطة بمخدر البوفا، أسفرت عن توقيف 1,044 شخصا مع مصادرة أكثر من 18 كيلوغراما من هذه المادة، فيما سجلت 3 حالات وفاة مؤكدة مرتبطة باستهلاكها. 
وتطورت الظاهرة بشكل مضطرد من 493 غرام محجوز سنة 2022 إلى 8014 غرام سنة 2023، ثم 9697غرام سنة 2024. كما تطور عدد الموقوفين من 92 شخصا سنة 2022 إلى 482 موقوفا سنة 2023، ثم 470 موقوفا في سنة 2024. 
فيما يتركز انتشار مخدر البوفا في المجال الحضري بنسبة 82% من المحاضر و76% من الموقوفين. 
 وتسجل جهة الدار البيضاء-سطات أعلى المعدلات بـ 712 محضراً من أصل 878، تليها جهة الرباط-سلا-القنيطرة بـ 85 محضراً، بينما تظهر الأقاليم الجنوبية وجهة درعة تافيلالت غيابا شبه تام للظاهرة. 
وبخصوص الفئة العمرية فإن الظاهرة تستهدف بالأساس فئة ما بين 18سنة و 55 سنة بنسبة تتجاوز 90%، مع تركيز في صفوف الذكور بنسبة 88.9% والمواطنين المغاربة بنسبة 91.3%. كما يتسم معظم المتورطين بوضعية اقتصادية وتعليمية هشة، حيث تتركز النسب العالية بين العاطلين عن العمل وغير المتمدرسين أو ذوي التعليم الأساسي. 
  
وقد اعتبر المرصد الوطني للإجرام أنه وعلى الرغم من أن الأرقام الخاصة بمخدر البوفا قد تبدو للوهلة الأولى محدودة مقارنة باستهلاك المخدرات التقليدية بالمغرب أو المخدرات العقلية الأخرى، فإن معدل النمو المسجل خلال الفترة ما بين 2022-2024 يستدعي الاستباق واتخاذ التدابير اللازمة لمحاصرة انتشار استهلاك كل أشكال المخدرات الاصطناعية التي تشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة بشكل عام. 
لاسيما وأن المغرب يتوفر على مقومات مؤسساتية عالية الكفاءة لمواجهة هذا التحدي من خلال سلطات إنفاذ القانون وخبرة المرصد المغربي للمخدرات والإدمان وشبكة مراكز العلاج المتخصصة التي يتعين تعزيزها بالإضافة إلى الموقع القيادي للمملكة في هيئات الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات. 
وحدد المرصد الوطني للإجرام أربع فئات من التحديات التي يواجهها المغرب في مجال مكافحة المخدرات، وبشكل خاص المخدرات الاصطناعية الناشئة مثل البوفا. 
تتمثل الفئة الأولى في التحديات التشريعية والتنظيمية، حيث تبرز عدم ملاءمة النصوص القانونية الحالية لخصوصيات المخدرات الاصطناعية، إذ تستدعي هذه المواد الجديدة تحديث ظهير 21 ماي 1974 لمواكبة تطور الظاهرة، كما تظهر فجوات في تنظيم المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في التصنيع المحلي لهذه المخدرات. 
أما التحديات المؤسساتية فتركز على ضرورة تعزيز التنسيق بين القطاعات والمؤسسات المعنية، إلى جانب الحاجة إلى توضيح أكبر لصلاحيات اللجنة الوطنية للمخدرات لضمان فعالية الاستجابة المؤسساتية الموحدة. 
وتشمل التحديات التقنية والعلمية صعوبة الكشف المخبري للتركيبات المتغيرة لمخدر البوفا، مما يتطلب تطوير قدرات الإنذار المبكر وتكييف البروتوكولات العلاجية الموجودة مع طبيعة هذه المواد الاصطناعية الجديدة. 
وتتضمن الفئة الرابعة التحديات الاجتماعية والثقافية، والتي تشمل مسائل الوصم الاجتماعي للمدمنين وضعف مستوى التوعية العامة حول مخاطر هذه المواد الجديدة، بالإضافة إلى صعوبات إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للأشخاص الذين تعافوا من الإدمان. 
  
واستنادا إلى هذه التحديات، قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات المصنفة في ستة محاور استراتيجية: 
¬  تحديث الإطار القانوني: يشمل استكمال الإطار التنظيمي لظهير 1974 ووضع تعريفات دقيقة للمخدرات الاصطناعية مع تعزيز العقوبات المتعلقة بالإنتاج المحلي غير المشروع. 
¬  تطوير القدرات التقنية: يتضمن تحديث المختبرات بأحدث التقنيات المتقدمة وتكوين خبراء متخصصين في التحليل الكيميائي، إضافة إلى تكييف البروتوكولات العلاجية مع خصوصيات المخدرات الاصطناعية. 
¬  تطوير نظام الإنذار المبكر: من خلال إنشاء شبكة رصد متخصصة في المواد الجديدة وتطوير قاعدة بيانات وطنية موحدة، مع تعزيز آليات التعاون الدولي لتبادل المعلومات حول التهديدات الناشئة. 
¬  تعزيز الوقاية والتحسيس: عبر تطوير حملات توعوية متخصصة تستهدف الفئات الأكثر عرضة للخطر، وتنفيذ برامج وقائية شاملة في الوسط المدرسي، ومكافحة الوصم الاجتماعي المرتبط بالإدمان. 
¬  تطوير العلاج والعقوبات البديلة: يشمل تسريع إحداث المراكز العلاجية الجهوية المتخصصة وتفعيل تطبيق العقوبات البديلة، مع تعزيز برامج إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمتعافين. 
¬  تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: من خلال تطوير آليات التعاون القضائي الفعال وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الشبكات الإجرامية، إضافة إلى تقاسم أفضل الممارسات العلاجية والوقائية مع الشركاء الدوليين. 
كما أصدر المرصد الوطني للإجرام بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها الذي يصادف 26 يونيو، عددا خاصا ضمن سلسلة إضاءات المرصد الوطني للإجرام "ONC Insights" تحت عنوان "من البيانات إلى السياسات: دروس دولية لمكافحة وطنية"، والذي يقدم تحليلا مقارنا للبيانات والأرقام الخاصة باستهلاك المخدرات استنادا إلى المؤشرات العالمية الصادرة في معرض التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة برسم 2025، والمؤشرات الوطنية بما في ذلك تلك المتعلقة بمخدر البوفا. 
حيث اعتبر المرصد الوطني للإجرام أن ظاهرة مخدر البوفا ليست مجرد "حالة محلية"، بل نافذة على مستقبل التهديدات الأمنية في عالم متحول، كما أن فهم هذه الظاهرة يمنحنا ميزة استراتيجية في بناء أنظمة مقاومة للتهديدات التي لم تظهر بعد. 
فعندما تقول الأمم المتحدة "الأدلة واضحة: لنستثمر في الوقاية"، فإن المرصد الوطني للإجرام يجيب: 
"الأدلة واضحة فعلا، والاستثمار الذكي في الوقاية يبدأ بالتعلم من الظواهر الناشئة قبل أن تتحول إلى أزمات". 
وجدير بالتذكير أن هذه الإصدارات تندرج ضمن اختصاصات المرصد الوطني للإجرام المتمثلة في تجميع وتحليل البيانات الإحصائية للجريمة وإجراء دراسات للظواهر الإجرامية من أجل العمل على المساهمة في تقييم فعالية السياسات العمومية المتعلقة بمكافحة الجريمة، ورفع توصيات ومقترحات لتحسين الأداء وتطوير آليات التدخل.