لماذا في بعض الأحيان تتعامل بعض الجهات المنظمة للمهرجانات الوطنية باستخفاف مع أعلام ورواد الفنون الشعبية، التي تعتبر موروثا تراثيا وثقافيا يصنف ضمن هوياتنا المتعددة والمتنوعة، سواء كان هذا الموروث غناء أو رقصا أو منتوجا مجاليا أبدعته أنامل المبدع والفنان والحرفي والصانع التقليدي بدقة وتفان، يروم الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا الشعبية؟
وما هي الأسباب التي تمنع تلك الجهات المعلومة، من احترام وتقدير الأعمال الفنية التراثية التي تعتبر بحق كنوزا شعبية نتوسل جميعا الإشتغال على تحصينها وتثمينها من أجل توثيقها وتدوينها والترافع عليها، باعتبارها علامة تاريخية وحضارية بارزة ضمن عناوين التراث اللامادي الذي يصون الذاكرة الجمعية الوطنية؟
هي أسئلة وأخرى تتقاسمها جريدة "أنفاس بريس" مع القراء والمهتمين، بعد أن تناسلت أصداء فضيحة عدم الاهتمام بإحدى المجموعات الفنية التراثية التي شاركت في تظاهرة فنية بمدينة الرباط في صيف 2025، والهدف من هذه الأسئلة طبعا هو استفزاز ضمائرنا ـ الوخز بالإبرـ انطلاقا من الواقع المرير والمؤلم الذي يسيء لعدالة ميزان إنصاف المجموعات الفنية الشعبية العريقة، اعترافا وتقديرا واحتراما لفنوننا الشعبية العريقة.
ليست كفة الميزان عادلة، حين تنظم مهرجانات فنيه في بلادنا ويستدعى إليها مطربون ومطربات لفظتهم أعرق المهرجانات في العالم العربي ويفرضون على الجهات المنظمة تعويضات مادية خيالية، لا توازي ما يقدمونه للجمهور المغربي. ولعل الأمثلة كثيرة كتلك التي شهدها مهرجان موازين وغيره.
من المعلوم أن فنوننا الشعبية قد قدمت لسنوات متتالية لوحات فنية هي من أعرق ما يعرفه ويزخر به تراثنا الوطني، وكانت تعرض في قصر البديع بمراكش ضمن فعاليات مهرجان الفنون الشعبية، أو مهرجان
ناوة بمدينة الصويرة وأَحَيْدُوسْ بعين اللوح، وغيرها من فنون الفرجة والمتعة والإستمتاع.
لكن لسوء الحظ، فإن كفة الميزان غير عادلة حين تستدعى فرقة شعبية عريقة من قلعة مكونة لتقدم في أحضان حديقة التجارب بالرباط لوحة فنية مبهرة، حيث يتعلق الأمر برقصة "النَّحْلَةْ" أو رقصة "تَزْوِيتْ" الأصيلة. هذه الرقصة الرائعة والجميلة التي يلتحم فيها رجال ونساء ـ عددهم 16 ـ برئاسة المايسترو إبراهيم أودرا، وهم ويبدعون بحركاتهم المتناسقة والمتناغمة "رقصة النحلة". وهي فرقة تراثية أصيلة ظلت مخلصة ووفية لبيئتها الجغرافية محافظة على طقوسها الرمزية حيث اللباس والحلي والحركات الدائرية والمحسوبة بدقة متناهية. هذه الفرقة التي جالت العالم وشاركت في مهرجانات وطنية عدة وتحظى بإعجاب وتقدير الجميع.
كفة الميزان غير عادلة، حين قدمت هذه الفرقة التراثية إلى الرباط بعد أن قطعت مسافة تقدر بثمان ساعات قطعت فيها حوالي 650 كلم، من أجل المشاركة وتقديم لوحاتها الفنية أمام جهور الرباط، إلا أن أفراد هذه الفرقة لم يجدوا في استقبالهم أي مسؤول أو أي فرد من اللجنة المنظمة لتوفير أماكن للراحة من تعب الرحلة، إلى حين موعد العرض وكذا ما يستلزم ذلك من إقامة وتغذية وترحاب يليق بمكانتهم الاعتبارية.
كفة الميزان غير عادلة، حين قدمت الفرقة عرضا فنيا مبهرا تابعه مسؤولون وشخصيات دبلوماسية وجمهور غفير عاشق لهوية وتراث بلده، ليجدوا أنفسهم بعد نهاية ما قدموه أمام السرّاب، حيث انفض الجمع وغاب أعضاء اللجنة التي من المفروض على أحد أفرادها وخاصة "المسؤول المالي" منحهم ما يستحقونه من تعويضات النقل والتغذية والإقامة وطبعا التعويض عن اللوحة الفنية التي قدموها على منصة حديقة التجارب الكائنة بشارع النصر بالرباط.
لحسن الحظ، أن نبل و شيّم أحد الأشخاص من أبناء منطقة قلعة مكونة "خالد أوملوك" دفعته غيرته على تراث الوطن تحمل مصاريف المجموعة كلها من تعويضات وتغذية وتنقل.
هنا يمكن أن نقول بأن كفة الميزان عادلة، حين هب أحد أبناء قلعة مكونة البررة بدافع الغيرة والإنصاف أن يكون سندا ودعما لأعضاء فرقة بلدته التي ظلت وفية لرقصة النحلة، حريصا منه على الحفاظ على تراث لا مادي قد يندثر بفعل كفة الميزان غير العادلة .
