في بلد يُفترض أنه جمهوري، حيث للرئيس دور في تمثيل الشعب ومواساته والوقوف معه وقت المحن، يبدو أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون قرر أن ينتهج نهجًا جديدًا في الحكم: "الرئاسة بالتقسيط" والظهور عند الضرورة (أو عند الرغبة فقط)".
فاجعة واد الحراش التي أودت بحياة 18 جزائريًا لم تكن كافية لتحرّك الرئيس من صمته الأبدي. لا خطاب، لا زيارة ميدانية، لا صورة، لا حتى تغريدة من تلك التي يرسلها الملوك والرؤساء عبر الهاتف وهم يحتسون القهوة. فقط بيان باهت يقول إن الرئيس "أعطى تعليمات صارمة" - جملة تصلح لكل المناسبات، من سقوط حافلة إلى تأخر تسليم شحنة بصل.
لكن لنكن منصفين، فالرئيس متابع للوضع عن كثب. هكذا تقول رئاسة الجمهورية. كيف يتابع؟ من أين؟ لا أحد يعلم. فالرجل يملك قدرة خارقة على ممارسة الحكم عن بُعد. ربما هو أول رئيس في التاريخ يحكم بلاده مثلما يدير أحدهم حساب إنستغرام: قليل من "المحتوى"، كثير من الاختفاء، وتعليمات تُلقى هنا وهناك كأننا في لعبة "سيمز".
مصادر غير رسمية تقول إنه في ألمانيا. مصادر النظام تقول إنه في الجزائر. المواطن، في هذه الفوضى، لا يملك سوى مصدر واحد: الشك. شك في كل شيء: في مكان الرئيس، في صحته، في طريقة حكم البلد، بل وحتى في جدوى الانتخابات التي أوصلته.
الناشطون المعارضون، وعلى رأسهم محمد سيفاوي، تحدثوا بصوت عالٍ عمّا يهمس به الجميع: الرئيس يقضي عطلته بينما الجزائريون يُدفنون. تخيّلوا رئيسًا يغيب وقت الكارثة، ثم يظهر فقط ليقرأ خطابًا عن "المجاهدين" وكأن البلاد لا تحترق. نحن لا نطلب خطابًا تاريخيًا، فقط ظهورًا بشريًا.
والأطرف من كل هذا، أن إعلام النظام قرر أن يُدخلنا في مسلسل التجسس والمخابرات، حيث كل من ينتقد الرئيس هو "عميل فرنسي"، وكل تساؤل حول مكان تبون هو "مؤامرة ضد استقرار الوطن". استقرار، على فكرة، هو نفسه الذي انهار في واد الحراش دون أن يرفّ جفن في الرئاسة.
البلد، يا سادة، لا يُحكم بالبيانات المكتوبة ولا بالتعليمات الغيبية. البلد يُحكم بالحضور، بالمسؤولية، بالرمزية. لكن حين يغيب الرمز، يبقى الشعب وحده في العراء، يواجه الموت، والغضب، واللا مبالاة.
فهل ننتظر بيانًا جديدًا يخبرنا أن الرئيس يتابع الوضع من القمر؟ أم نقتنع بأن في الجزائر… الرئيس ليس مواطنًا، بل لغزًا وطنيًا؟
كريم مولاي، خبير أمني جزائري/ لندن
