تمثل الدعوة التي اطلقها المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية ، من اجل تحريك المبادرات التشريعية في دول العالم من أجل تصنيف جبهة "البوليساريو" كمنظمة إرهابية خيارا استراتيجيا بالغ الأهمية، لما له من انعكاسات مباشرة على المستويات القانوني، الأمني، السياسي، الدبلوماسي، والإعلامي. ويكمن جوهر هذا التوجه في أنه ينقل المعركة من مجرد نزاع سياسي أو إقليمي محدود تقف وراءه الجزائر ، إلى إطار أوسع وأشمل، هو إطار الحرب الدولية على الإرهاب، بكل ما يحمله من آليات وضغوط وتحالفات دولية.
البعد القانوني :
عندما تعتمد برلمانات أو حكومات دول قوانين أو قرارات تدرج "البوليساريو" ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية، فإن ذلك يمنح الموقف المغربي شرعية قانونية دولية ممتدة تتجاوز حدوده الوطنية. هذا السند القانوني لا يقتصر على الدعم الرمزي، بل يتيح لتلك الدول تطبيق منظوماتها التشريعية الخاصة بمكافحة الإرهاب، بما يشمل تجميد أموال الجبهة في البنوك الدولية، ومصادرة أصولها، وحظر أي أنشطة أو تجمعات مرتبطة بها، ومنع سفر قادتها وأعضائها عبر مطاراتها. وبموجب هذا التصنيف، تصبح أي علاقة تمويل أو دعم أو تعاون مع الجبهة جريمة يعاقب عليها القانون في تلك الدول، مما يحد بشكل كبير من قدرتها على جمع الموارد أو التحرك بحرية.
البعد الأمني والاستراتيجي:
من الناحية الأمنية، يسهم التصنيف في تضييق الخناق على أنشطة " البوليساريو "، سواء في مناطق النزاع أو في الفضاءات العابرة للحدود. فهو يمنعها من الاستفادة من الملاذات الآمنة أو الشبكات اللوجستية المنتشرة في بعض الدول، كما يسهل إدراج تحركاتها ضمن أولويات أجهزة الاستخبارات الدولية. اما على المستوى الاستراتيجي، يؤدي إدماج ملف "البوليساريو" في أجندة الحرب العالمية على الإرهاب إلى رفع مستوى التعامل معها، بحيث تعامل كما تعامل التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود مثل "داعش" أو "القاعدة"، وهو ما يقلص من قدرتها على العمل الميداني والسياسي في آن واحد.
البعد السياسي والدبلوماسي:
سياسيا، يفرض التصنيف حالة من العزلة على "البوليساريو" تقلص بشكل كبير من هامش مناورتها، إذ تجد نفسها محرومة من الدعم العلني حتى من بعض الحلفاء التقليديين وعلى راسهم النظام العسكرىالجزائري ، الذين سيتجنبون الارتباط باسم مصنف إرهابيا. كما أن الدول أو الكيانات التي تستمر في دعمها ستصبح عرضة لضغوط سياسية وإعلامية متزايدة، ما قد يدفعها إلى مراجعة مواقفها.
أما دبلوماسيا، فإن التصنيف يغير الخطاب الدولي من خطاب مايسمى ب "تقرير المصير" إلى خطاب "مكافحة الإرهاب"، وهو تحول نوعي في السردية يضع المغرب في موقع الطرف المتعاون مع المجتمع الدولي في محاربة التهديدات الإرهابية، بدل طرف ضمن اطراف اخرى معنية بنزاع إقليمي.
البعد الاعلامي والرمزي :
للإعلام دور محوري في ترسيخ التصنيفات وبناء الصور الذهنية. فبمجرد إدراج "البوليساريو" في قوائم الإرهاب، تنتقل صورتها في وسائل الإعلام والرأي العام الدولي من "حركة سياسية" كما دابت على ترويج ذلك طيلة العقود السابقة ، الالة الاعلامية التابعة للنظام الجزائري واللوبيات المرتبطة به ، إلى "تنظيم عنيف"، وهو ما يضعف جاذبيتها ويقلص ويقلل من قدرتها على كسب التعاطف الخارجي. كما أن كل دولة تتبنى هذا التصنيف تضاف إلى سجل المواقف التي يمكن للمغرب استثمارها في خطاباته الإعلامية والدبلوماسية، مما يخلق تراكما إيجابيا يخدم قضيته على المدى البعيد.
إن الدفع نحو تحريك المبادرات التشريعية لتصنيف "البوليساريو" كمنظمة إرهابية، يعد استراتيجية شاملة تتكامل فيها الأبعاد القانونية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، لتشكل ضغطا متعدد الاتجاهات على النظام العسكرى الجزائري و"البوليساريو" وداعميها. هذا المسار يساهم في تحجيم قدرات خصوم الوحدة الترابيةللمملكة ، و ينتج عنه إعادة صياغة السردية الدولية حول النزاع، فضلا عن تعزيز موقع المغرب كشريك موثوق في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
