Thursday 31 July 2025
سياسة

حسن عبد الخالق: جلالة الملك يجدد الاستعداد لحوار بين البلدين.. يد المغرب الممدودة تسائل الجزائر

حسن عبد الخالق: جلالة الملك يجدد الاستعداد لحوار بين البلدين.. يد المغرب الممدودة تسائل الجزائر حسن عبد الخالق
استحضر جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش الوضع المؤسف للعلاقات بين المغرب والجزائر، مجددا حرصه على مد اليد للأشقاء في الجزائر وتأكيد استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول وأخوي وصادق ،حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.
 
ذاكرة مشتركة غير قابلة للمحو
وينبني هذا الحرص على نظرة جلالة الملك دائما إلى الشعب الجزائري على أنه "شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك"، في مواجهة من يحاول أن يبني حدودا في العقول ويروج خطاب العداء والكراهية بين الشعبين، ساعيا في الوقت نفسه إلى طمس ما يجمعهما من روابط قوية وذاكرة مشتركة غير قابلة للمحو، بتثبيتها دور المغرب في مناصرة الثورة الجزائرية وتحوله إلى قاعدة خلفية لها في مواجهة الاستعمار الفرنسي .
 
وشكل التزام جلالة الملك بسياسة اليد الممدودة للأشقاء في الجزائر امتدادا لخطابه قبل حوالي سبع سنوات في ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2018،الذي اقترح فيه عليهم إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، مؤكدا انفتاح المغرب على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين.
 
وضمن الرؤية الملكية يمكن لهذه الآلية أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، خاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية. كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة.
 
أمن واستقرار الجزائر من أمن واستقرار المغرب
وفي ظل عدم تجاوب النظام الجزائري إيجابيا مع الاقتراح المغربي لإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار، ونزوعه إلى المزيد من التصعيد، حرص جلالة الملك على أن تظل علاقات المغرب مع الجزائر مطبوعة بحسن الجوار،قائلا في خطاب الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش (2021)" أؤكد لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا، لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره".
 
وبقي المغرب ثابتا في موقفه، بتوخيه علاقات أفضل مع الجزائر ،رغم قرار النظام فيها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 24 غشت 2021،متبوعا بقراراته إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية والمسجلة في المغرب ووقف العمل بأنبوب الغاز المغرب العربي أوروبا المار عبر الأراضي المغربية وفرض تأشيرة الدخول على المواطنين المغاربة، علما أنه أغلق قبل حوالي 31 سنة الحدود البرية بين البلدين.
 
والمؤكد أن سياسة المغرب لليد الممدودة تسائل مجددا الجزائر، لتغليب جانب الحكمة والتجاوب مع اقتراح فتح ملف العلاقات الثنائية، للبحث عن حلول للقضايا العالقة، وبناء تلك العلاقات على أسس صلبة ،بما يخدم مصالح البلدين.
 
واجب كف الجزائر عن تغذية النزاع المفتعل حول الصحراء
وفي هذا الشأن يتبين أن قضية الصحراء المغربية في مقدمة تلك القضايا العالقة ،التي يكون حلها بكف صاحب القرار في الجزائر عن تغذية النزاع الذي افتعله حولها، قبل حوالي نصف قرن ،وانخراطه في جهود المنتظم الدولي لإيجاد حل واقعي لها ،في إطار إشادته، من خلال مجلس الأمن ،منذ سنة 2007، بما وصفها الجهود الجدية وذات المصداقية للمغرب ،الذي قدم مبادرة الحكم الذاتي لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل،بتمكين سكان الأقاليم الجنوبية من تقرير مصيرهم ،بتدبير شؤونهم بأنفسهم في إطار مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية ،في إطار السيادة المغربية.
 
وحظيت هذه المبادرة بدعم كبيرمن أكثر من 120 دولة في العالم ، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وغالبية الدول الأوروبية، والعديد من دول القارة الإفريقية.
 
وبقدر اعتزاز جلالة الملك بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية، فقد أكد في خطابه الأخير حرص بلادنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، علما أن مبادرة الحكم الذاتي مطبوعة بهذه المواصفات ،لانتصارها لمبدإ تقرير المصير والخيار الديمقراطي ،بما يكفل لسكان المنطقة تدبير شؤونهم ،وانتصارها لحق الدول في تثبيت وحدتها الترابية ،بتمكين بلادنا من مقومات السيادة على الأقاليم الجنوبية.
 
إحياء الاتحاد المغاربي بدوله الخمسة
وفي سياق السعي إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الجزائر، وضعت بلادنا منذ استقلالها بناء المغرب العربي في أولويات سياستها الخارجية، لتحتضن مدينة مراكش في فبراير 1989 القمة المغاربية للدول الخمس، التي أسست اتحاد المغرب العربي ، على أساس التوجه إلى بناء فضاء موحد ،يتم فيه تيسير تنقل الأشخاص والممتلكات وإقامة التكامل الاقتصادي وتمكين دول المنطقة من الاستقرار ومواجهة التحديات المشتركة.
 
وحمل خطاب عيد العرش الأخير حرصا ملكيا على إحياء هذا الاتحاد، بقول جلالته" نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة".
 
وجاء هذا الحرص الذي يؤكد أن المغرب العربي إما أن يكون بدوله الخمسة أو لا يكون ،في أعقاب محاولة البعض إدخال المنطقة مجددا في سياسة المحاور ، بإقبار اتحاد المغرب العريي وتعويضه باتحاد شمال إفريقيا يجمع ثلاث دول فقط .
 
ويسائل التمسك بالاتحاد المغاربي مجددا الدول الخمسة لاستنهاض قدراتها لإخراجه من حالة الجمود التي يعانيها منذ أكثر من ثلاثين سنة، علما أنه سبق لجلالة الملك أن عبر في خطابه بمناسبة استعادة المغرب مقعده في الاتحاد الإفريقي (31 يناير 2017)عن الأسف لانطفاء شعلة اتحاد المغرب العربي ، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك، داعيا إلى إنقاذه بالتحرك وأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة التي تشهد تطورا ملحوظا، في إقامة مشاريع اندماجية طموحة، وتفتح مجالا حقيقيا لضمان حرية تنقل الأشخاص والممتلكات، ورؤوس الأموال.
 
ويبقى الأمل قائما في أن يتجاوب الأشقاء في الجزائر مع اليد المغربية الممدودة ، بتغيير نهجهم إزاء المغرب ووحدته الترابية ومصالحه، لفتح صفحة جديدة وبناء علاقات بين البلدين على أساس التكافؤ وخدمة مصالحهما المشتركة والتوجه لتحريك عجلة الاتحاد المغاربي بما يخدم مصالح ببلدانه الخمسة .
 
 
حسن عبد الخالق /سفير سابق