Friday 6 June 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: العثماني رجل الدولة الذي اختار الوطن على مجد اللحظة

بنسعيد الركيبي: العثماني رجل الدولة الذي اختار الوطن على مجد اللحظة بنسعيد الركيبي
في مساء يوم من مساءات دجنبر الباردة، من سنة ألفين وعشرين، وقع الدكتور سعد الدين العثماني بصفته رئيسا للحكومة، على الإتفاق الثلاثي الذي أعلن من خلاله استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، برعاية أمريكية. ومنذ ذلك التوقيع لم تتوقف عاصفة الانتقادات التي طالته من خصومه ورفاقه على حد سواء. فاعتبره كثيرون متنكرا لمبادئه ومنقلبا على مواقفه السابقة الرافضة للتطبيع.
 
لكن ماذا لو رفض العثماني التوقيع؟ هل كان القرار سيتوقف؟ وهل كانت الدولة ستتراجع؟ وهل كان الرفض سيوقف مسار تم الإعلان عنه رسميا من طرف أعلى سلطة في البلاد؟ الأرجح أن شيئا من ذلك ما كان ليقع. لأن السياسة الخارجية في المغرب ليست من اختصاص رئيس الحكومة بل هي مجال محفوظ للمؤسسة الملكية بحكم الدستور والتقليد السياسي، والتوقيع في مثل هذه الحالة لم يكن تعبيرا عن موقف بل إجراء إداري باسم الدولة.
 
لقد كان بوسع العثماني أن يستقيل أو أن يعتذر لكنه اختار أن يتحمل مسؤولية التوقيع عن وعي بطبيعة الموقع وحدود الصلاحية. واختار أن يصمت وأن لا يزايد، أن يراعي توازنات الدولة وأن لا يغامر باستقرار حكومي في لحظة دقيقة كان المغرب فيها ينتزع اعترافا أمريكيا بمغربية صحرائه، واستحضر المآلات المفتوحة على كل التوقعات لحزبه وهو يعلن رفضه التوقيع.
 
وقد يقال لو كان عبد الإله بن كيران مكانه لرفض التوقيع.. لكن الواقع أن بن كيران أقر بأن العثماني، لم يكن صاحب قرار، بل مجرد مفوض ينفذ ما تم الحسم فيه على أعلى مستوى. تماما كما وقع ياسر عرفات يوما على اتفاق أوسلو ، وهو يدرك أن ما ناله كان أقل بكثير مما كان يطمح إليه لكنه فعل ذلك بحثا عن مكسب جزئي في زمن الضعف العربي. 
 
وفي نهاية المطاف فالعثماني لم يوقع على اتفاقية تسليم القدس لإسرائيل، بل على اتفاق ثلاثي يربط التطبيع بمكسب وطني في ملف الصحراء. ولأنه لم يكن صانع القرار بل منفذه فقد تصرف كما يتصرف الجندي حين يستدعى للمهمة الصعبة، بلا تردد ولا تهرب. اختار أن يوقع باسم الدولة لا باسم حزبه أو قناعاته. وأن يتحمل وحده تبعات قرار لم يصنعه، لكنه لم يتهرب منه ولأجل هذا أجدني اليوم في صفه، منصفا لرجل حمل عبء القرار فوق كتفيه ومضى بصمت كما يفعل الجنود حين ينسحبون من المعركة تاركين للناس صخب الانتصار أو مرارة الهزيمة.
 
هذا موقف مواطن لا ينسى المروءة حين يشتد العتاب.