Wednesday 4 June 2025
كتاب الرأي

عبد الحكيم الزاوي: الذاكرة والتاريخ.. الطلب والتحفظ

عبد الحكيم الزاوي: الذاكرة والتاريخ.. الطلب والتحفظ عبد الحكيم الزاوي
في البدء، عادةً ما يُرافق جَدل كتابة التاريخ وتوثيق الذاكرة التباسات منهجية تُصاحب البِنيات السياسية التي جَرى في نَسْغِها العنف والعنف المضاد. يُصرِّف البعض هذه الالتباسات في انشغالات إشكالية: كيف يتأتى توضيب العلاقة بين التاريخ والذاكرة؟ كيف تُرسم الحدود بينهما؟ متى تبدأ عملية كتابة التاريخ ومتى ينتهي واجب الذاكرة؟
في الحقيقة، متى أَردنا أن نَقترب من تاريخ هذه البِنيات متى انفتحت لعبة الأقواس غير المنتهية...بحكم أن التاريخ يَفرض وجوده كتمرين أكاديمي مُقيَّدٍ بسلسلة من الضوابط والمعايير، وتَظهر الذاكرة كتمرين نفسي واجتماعي يستثير العواطف ويبحث عن بناء معنى على معنى مُشيد... وإذا جاز أن نُدقِّق أكثر، فالأمر يتعلق بإشكال منهجي بالغ التعقيد، تتعالى تفاصيله عن التخصص لتصل إلى عُمق الانشغالات الابستمولوجية...
حين تكاثف الطلب على الذاكرة، ظنَّ البعض من المؤرخين أن التدخل قد يَحدُّ من سيولة الانزلاق في الذاتية، ومن تلاعبات مالكي وسائل الإكراه والانتاج بها...الثابت في المعادلة: حضور العنف والعنف المضاد، وانمحاء اللغة والرموز واختفاء الجلاد...في المعادلة، يَصدح صوت الزنازن والمعتقلات السرية من أجل إعادة بعث الجروح الأليمة التي اعتورت الذوات المكلومة بطعم السياسة...وفي تفاصيل أدب السجون، وتقصيات الصحفيين، وسرديات المعتقلين، وشهادات الفاعلين ينكشف أحيانا المعنى، وتختفي الحقيقة داخل لعبة المصالح...وتُفصِحُ الذاكرة التاريخية المنسية خلف أقبية الظلام عن ماضي الألم والعنف؛ بما يشتمل ذلك من انتهاكات حقوقية، واعتقالات تعسفية، وتجاذبات سياسية بين الفاعلين حول السلطة...يُنجَزُ الأمر، حينما نتوسل بمبدأ المصارحة قبل المصالحة...
الإكراه هنا هو في أساسه إلتباس منهجي يعتمل داخل الصناعة التاريخية، ويفتح النقاش باستمرار حول شرعية البحث في التاريخ الراهن/ الساخن/ الفوري....وترك مساحات ظِلٍّ في الوراء دون إضاءات تاريخية، وأيضًا، حول مدلول الوثيقة الجديدة التي اقتحمت حقل التاريخ، وتفاعلات الأحياء مع ما يكتب ويُنشر في أعمدة الصحف وسوق النشر، وحول مسؤولية الذاكرة في كتابة التاريخ، والشغف المعرفي الذي يُبديه القراء لاستكشاف حقيقة ما وقع من وقائع...باختصار حول "جدل التاريخ والذاكرة" في بِنية لم تستكمل بعد مشروعها الديموقراطي.
تُسَجَّلُ في تعقب الموضوع مفارقة مُهَيكلة: بين حاجة الدولة إلى استحضار التاريخ في لحظات الأزمة والانكسار، وبين هامشية المؤرخ في مواكبة النقاش العمومي...ويَعقب المفارقة استفهامات حول هذا النوع من الكتابة التاريخية كعتبات للانطلاق في فهم الموضوع:
أي فائدة منهجية واستوغرافية يتيحها الموضوع؟ هل تَحقَّق تراكم يُؤهل لتركيب الموضوع وتشييد سردية جديدة تُخرج البحث التاريخي من حالة البؤس التي وصفها البض وتُخصِّب أوراشه البحثية؟ وهل هناك اقتناع تام من طرف مُختصي الزمن بهذا النوع من التاريخ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون هروبًا إلى الأمام، وتخصيصًا من اشكاليات تاريخ الحماية ومن عُقدة التركيب؟ وهل التاريخ الراهن يُعبِّر عن مسار طبيعي ضمن شبكة البحث التاريخي بالمغرب، أم يُحيل على انزلاق محفوف بمخاطر وهواجس؟ وكيف يُمكن للمؤرخ أن يُقيم حوارًا هادئًا مع ذاكرة سياسية موشومة بالصخب الدائم؟

يتبع.