في الوقت الذي تم فيه تسجيل مشاعر ارتياح واسعة لقرار إلغاء شعيرة عيد الأضحى بسبب غلاء المواشي في الأسواق ووصول أثمانها إلى مستويات فلكية، ورحّب به الكثيرون، كان البعض يشتري خروف العيد خلسة. لم يكن أحد يتوقع أن هناك فئات من الشعب المغربي ستستغل إعلان الملك إلغاء نحر أضحية العيد، لتسبح عكس التيار، مستفيدة من تراجع الأسعار في الأسواق.
لم يتوقع أحد هذا التحول السريع في قناعات المغاربة بين ليلة وضحاها. فالشعب، الذي كان بالأمس في نقاشاته على وسائل التواصل الاجتماعي وفي جلسات المقاهي، يعتبر نحر الخروف يوم عيد الأضحى غير ملزم شرعاً، وأنه لا بأس بالاستغناء عنه هذا العام بسبب ضيق الحال، ولتفويت الفرصة على "الشناقة" سواء في الأسواق أو من التهموا 13 ملياراً من ميزانية الخزينة العامة في صفقة استيراد المواشي.
هذا التحول لا يمكن قراءته إلا كتجلٍّ لحالة مرضية تتجلى في ثلاث صور: النفاق الديني، الانتهازية، والنفاق الاجتماعي. وهي حالات تجد امتداداً لها حتى في سلوك بعض النخب السياسية. ويتجلى ذلك اجتماعياً من خلال محاولة البعض استغلال تراجع أسعار المواشي، للقيام بذبح الأضحية وكأنها فريضة ملزمة، رغم أنهم كانوا يرفضونها بالأمس القريب.
هذا التحول في الموقف بناءً على المصلحة لا يمكن وصفه إلا كنوع من "الانفصام السيكوفريزي".
إن تفاعل القرار الرسمي مع مطلب إلغاء عيد الأضحى يُعدّ تجسيدًا لتغليب المصلحة العليا للوطن والمواطنين على لحظة دينية من شأنها إنهاك جيوب الأغلبية الساحقة من ذوي الدخل المحدود والمصنفين تحت عتبة الفقر، وهي الفئة التي خصصت لها الدولة دعماً اجتماعياً. إلا أن جزءاً واسعاً منها سارع إلى شراء الأضاحي، ضارباً عرض الحائط بروح التضامن التي عبّر عنها القرار الرسمي، دون مراعاة لتأثير ذلك على وضع القطيع الوطني وأثمان اللحوم في الأسواق.
كما أن فئة من الطبقة المتوسطة وطبقة الأغنياء سلكت نفس المسلك، واختارت السباحة عكس تيار المصلحة الوطنية، في حين أن نسبة مهمة من هاتين الفئتين تفاعلت بشكل إيجابي مع قرار الإلغاء، وقد سبق لها أن تخلت عن نحر أضحية العيد في السنة الماضية بدافع من وعي اقتصادي.
إن عدم الانضباط لهذا القرار الرسمي، الذي تضررت منه فئة مهمة من الكسابة، يعدّ خرقًا لمبدأ التضامن الذي يُفترض أن يسود بين أفراد الشعب المغربي الذين يوحّدهم مصير مشترك.
إن الإقبال على شراء الأضاحي وذبحها يوم العيد، أو حتى تخزينها قبل موعده، يُعدّ نوعًا من التحايل يرقى إلى مستوى العصيان -عصيان للقرار الرسمي ولمصلحة الوطن-. وهو ما يستدعي إيجاد آليات لضبط هذا السلوك، في ظل غياب قانون زجري يجرّم هذا الفعل، وغياب الدور المفترض للأحزاب السياسية في التعبئة لتنفيذ القرار الصادر عن أعلى مؤسسة في البلاد، إلا إذا كانت تعارضه ضمنيًا من خلال صمتها. هذه الأحزاب، التي كلما وضعها التاريخ في موضع امتحان وطني فشلت فيه، وقدّمت مصالحها السياسية على مصلحة الوطن.
وينطبق الأمر ذاته على المجتمع المدني، الذي يستفيد من مليارات الدعم، ومع ذلك لم نشهد منه أي مبادرة تعبئة تُذكر، باستثناء بعض التحركات المحدودة في مدينة العيون.
إن هذا العصيان، الذي تمارسه فئات تفتقد للروح الوطنية، لا يمكن مواجهته إلا من خلال تجنيد السلطات لتسجيل المخالفين، والاعتماد على المعطيات التي تتوصل إليها، وحرمانهم من جميع أشكال الدعم والامتيازات التي تقدمها الدولة، سواء في القطاع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الفلاحي.