Sunday 1 June 2025
كتاب الرأي

يوسف سعيد البردويل: قيامة السنوار.. بين الهزيمة والإنتصار

يوسف سعيد البردويل: قيامة السنوار.. بين الهزيمة والإنتصار يوسف سعيد البردويل
منذ نعومة أظافره وهو وطني ثوري بإمتياز طورد وسجن ولكنه صمد حتى تحرر بصفقة ولكنها لم تكن بالنسبة للكيان الصهيوني سوى صفعة وليست صفقة حيث تبين أنه "السنوار رحمه الله" قد خدع الإحتلال الإسرائيلي ، وكما تحرر من الأسر الذي عاش فيه مرارة حكم السجان فإن تحرره لم يكن دافعا نحو نسيان رفاق دربه من شتى الوان الطيف الفلسطيني فخرج من سجنه حاملا هم أؤلئك الرفاق العظماء (اسرانا البواسل) مكملا مشواره البطولي والنضالي ، فكان هدف تحريرهم أحد أهم أسباب قيامة السنوار في اليوم الذي لن ينساه أيا من طرفي الصراع في السابع من أكتوبر 2023.
في هذا اليوم تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وهزمت مؤسسة من اقوى مؤسسات التخابر العالمية مؤسسة جهاز الشاباك الإسرائيلي وفشلت المؤسسة السياسية الإسرائيلية في فهم سلطة حماس وإدارتها لغزة فهي لم تكن إدارة مدنية كما كان راسخا لها بقدر ما هي إدارة ساحة يتم تجهيزها لمعركة كبرى أسمتها طوفان الأقصى فهجوم السابع من أكتوبر كان بمثابة مفاجأة للعالم اجمع أهم ما في تلك المفاجئة هو جرأة حركة حماس على مهاجمة إسرائيل برغم معرفتها المسبقة بعدم قدرتها ولكنها تجرأت ويبدو أنها لم تكترث كثيرا لنتائج ذلك الهجوم فعقلية "السنوار رحمه الله " على ما يبدو أنها عنيدة لحد لا يوصف بل هي عقلية تتطابق والمثل الشعبي الفلسطيني ( أضرب واللي ليها ليها) ويبدو بل والمؤكد ان هذا هو أساس قيامة السنوار "رحمه الله " في ذلك اليوم الذي لم يكاد ينتهى حتى بدأت إسرائيل بالرد الوحشي على ذلك الهجوم الذي هز هيبة الكيان الإسرائيلي بكل مؤسساته ومستوياته لاسيما أن ذهن الاسرائيلي لا زال يذكر السادس من اكتوبر من العام 1973 ونصر اكتوبر المجيد حتى باغته السابع من أكتوبر الاكثر مجدا والأكث إيلاما.
إن المعظلة والمشكلة الحقيقية ليست فيما حققه السنوار "رحمه الله " من نصرا مؤزرا في ذلك اليوم بل تكمن المشكلة في السؤال الأكثر أهمية وهو ماذا بعد؟
ما الذي أحدثه ذلك الهجوم من أثر على العقلية الإسرائيلية في رد الاعتبار وجعل حماس وغزة عبرة لمن لا يعتبر عبرة لمن يفكر مجرد التفكير في مهاجمة إسرائيل بل وثمة مشكلة أخرى تتعلق بما بات يسمى ب(محور المقاومة) أو (محور الممانعة) أين هذا المحور من تلك القيامة هل هو محور رئيسي في تلك القيامة فعلا أم من هول صدمته في الرد الإسرائيلي وخشية على نفسه تخلى وتراجع وترك السنوار"رحمه الله" وقسامه وغزته يحرق في نار تلك القيامة ، وثمة سؤال رئيسي حاسم هل حقا فكر السنوار"رحمه الله" في حجم الرد الإسرائيلي وتوقعه وهل كان يشك في إمكانية تخلى الأحلاف عنه وتركه يغرق في تلك القيامة وحيدا
لا يمكن لأي كان أن ينكر النصر المؤزر الذي حققه السنوار "رحمه الله" في تلك المعركة وتلك القيامة التي بعثت بها إسرائيل القيامة التي إستمرت لأقل من يوم بدأ بصباح مؤلم لإسرائيل وانتهى بفتح جرحا في جسد غزة لا زال ينزف حتي اللحظة.
لا شك في أن مقاتلي حماس أبدو مقاومة شرسة وجسدو أروع صور البطولات في التحدي والصمود والمقاومة وضربو الجيش المصنف عالميا وأوقعوه في كمائن القنص والتفخيخ والتفجير وكانت المثلثات الحمر تملئ شاشة الجزيرة وما كان للدويري سوى أن يحلل إستجابة لنداء أحد مقاتلي حماس فزداد الدويري فخرا وإزدادت غزة الما وذبحا.
ولكن سرعان ما تغير المشهد فبدأت المثلثات الحمر تختفي وإختفى معها الدويري وتم تغييب نصرالله وحزبه ثم رحل "إسماعيل هنية رحمه الله" في عقر دار حليفهم ، بدورها إختفت إيران عن المشهد ولم يعد السنوار"رحمه الله " موجودا وقد رحل في مشهد مشرف ومؤلم في آن واحد فقد رحل يقاوم طائرة بعصاه ورحل وحيدا وكأته يريد القول بأن محور (المقاومة والممانعة) تركه وحيدا
ثم بدت تتجلى مظاهر النصر المبين حيث تجاوز عدد الشهداء الخمسين الف شهيد تركوا خلفهم أرامل ويتامى وقلوب أمهات مكسورة تجلت مظاهر النصر في ما لا يقل عن المئة الف مصاب وآلاف الأسرى ولقد إنتشرت الخيام في كل بقاع غزة التي كانت تعج بعمارات سكنية أشبه بناطحات السحاب وتشرد جميع سكان غزة الذين لم يعد لهم مأوى سوى الشوارع وأرصفة الطرقات وإنتشرت عربات الخضار والسلع وحلت محل المولات وبيعت السلع بأثمان ضاهت أثمان الماركات العالمية وأصبحت احلام وطموحات المواطن الغزي تتمثل في الحصول على لتر زيت أو كيلو سكر الذي تراوح سعره مابين 40الي 60 دولار أمريكي مظاهر الانتصار كثيرة ،ومن أروع صور الإنتصار إنتشار التكيات و طوابير الجوع في شوارع غزة وعدم نجاة تلك الطوابير من الصواريخ الصهيونية اللإنسانية وشح المواد الغذائية مما أدى أن تضور الناس جوعا والذي إنتهي بموتهم جوعا ، ولعل أبرز مظاهر النصر أيضا هي تحدي قادة حماس لظروف سكان غزة ويبرز ذلك التحدي من خلال تصريحاتهم التي لاقت إستهجانا وإستنكارا واسعا من قبل أهل غزة رافضين لتلك التصريحات والتي برروها بكون تلك القيادة تعيش خارج غزة حياة الرفاهية ف(اللي إيدو بالمية مش زي اللي إيدو بالنار) علاوة على أن غياب رؤية واضحة من قبل حماس لمسار برنامج المقاومة زاد من تعقيد المشهد فبعدما كانت مطالب الحركة تتمثل في تحرير أكبر قدر من الأسرى أصبح المطلب الرئيسي هو إيقاف الحرب " وهذا مؤشر على تراجع قوة الحركة وقدرتها وإدراكها الي حد ما بخطأ ما أرتكب في حسابات السابع من إكتوبر" ولعل أبرز مظاهر الإنتصار أيضا هو تخلي العالم أجمع عن غزة عامة وعن حركة حماس خاصة وتركها وحدها في الميدان لاسيما البعد العربي والإسلامي والذي لم يحرك ساكنا تجاه غزة ومقاومتها وأهلها
ومظاهر الإنتصار كثيرة فمن أكل السلع ذات الصلاحية المنتهية الي أكل أوراق الشجر إلي روث الحيوانات ومن شرب الماء الملوث وصولا لشرب ماء البحر المالح ومن سرقة المنازل المهجورة من قبل أهلها اللذين أصبحو نازحين بل مشردين الي سرقة شاحنات المساعدات والإستيلاء عليها وإعادة بيعها بأسعار خيالية كل ذلك وأكتر رسم ملامح إنتصار قيامة السنوار "رحمه الله " أما الهزيمة العظمى والكارثة التي فاقت الكوارث الطبيعية فتمثلت في الإدارك الخاطىء لما بعد يوم القيامة والحسابات الخاطئة لإيجابيات وسلبيات طوفان الأقصى ، وهل لمن خطط لهذا الهجوم وبهذا الحجم أن يخطئ في حساباته ، الهزيمة تحققت في عناد قادة حركة حماس وإصرارهم على مطالبهم لإنهاء الحرب والتي يبدو أنها تميل الي الشخصانية والنفعية أكثر من ميلها نحو المصلحة العامة ، الهزيمة المجحفة بحق شعبنا هي أن شعبنا صبر وصمد مع حماس طوال مدة الحرب وكأن حماس لم تقدر ذلك ولا زالت تطالبه بالصمود برغم فقدانه لأبسط مقومات الصمود ، الهزيمة العظمى والكارثة الحقيقية هي أن حماس لم تعد تملك أي من مقومات الصمود بإعتبار أن "نتنياهو وحكومته العنصرية" لم تعد تكترث للمختطفين لدى حركة حماس وأنها تؤكد على الحل العسكري وبرغم ذلك لا زالت حماس تكابر وتفرض وترفض الشروط برغم علمها أنها في موقع لا يسمح لها بفرض الشروط ، وأخيرا فحتى تنتهي هذه القيامة بكل سلبياتها يجب على حماس أن تدرك أن أي إتفاق من البديهي أن يأتي بنوده إنعكاسا لظروف وواقع الميدان والواقع يقول بأن حماس وشعب غزة ليس في حال من يفرض الشروط بل من يقبلها ومن يجب عليه قبولها برغم معرفته بظلمها ، رحم الله السنوار وخلد التاريخ قيامته سواءا أكانت هزيمة أم إنتصار .