Tuesday 27 May 2025
كتاب الرأي

سعيد عاتيق: الأضحية المُلغاة.. والمواطن الذي لا يُلغى

سعيد عاتيق: الأضحية المُلغاة.. والمواطن الذي لا يُلغى سعيد عاتيق
في خطوة غير مسبوقة، أعلنت السلطات عن إلغاء شعيرة الأضحية لهذه السنة، مبرّرة القرار بالأزمة الخانقة التي يعيشها قطاع الأغنام بسبب الجفاف المتواصل. 
قرار كان يُفترض أن يستقبل بالوعي والتفهم، خاصة وأنه يُتوخى منه حماية القطيع الوطني وضمان استدامته، غير أن الواقع أفرز مشهدًا مخالفًا: تهافت شعبي على اقتناء الأكباش، وارتفاع صاروخي في الأسعار، ليطفو على السطح مجددًا سؤال كبير: 
من يُسهم حقًا في تعقيد الأزمة؟ 
هل هو المواطن أم الدولة أم كلاهما؟
 
العام الماضي، رُصِدت ميزانيات ضخمة لدعم استيراد الأغنام، مرفقة بإعفاءات ضريبية شاملة، أملاً في خفض الأسعار. لكن النتيجة كانت كارثية: أسعار مضاعفة، واستياء شعبي واسع. ولا يحتاج المواطن لكثير من التحليل كي يدرك أن المال العام قد أُهدر، وأن خزينة الدولة حُرمت من موارد ضريبية كان يُفترض أن تُعيد شيئًا من التوازن للميزان المختل.
لكن ما يُثير الدهشة، وربما الأسى، هو هذا التناقض السلوكي الغريب الذي يُجيده المواطن المغربي:
 يشتكي من الغلاء والخصاص، ثم يُسارع بكل ما أوتي من جهد ومال لشراء "الدوارة" وشواء العيد، ولو على حساب ضروريات بيته. هو نفسه الذي يلعن الواقع، ويُسهم في تعقيده.
هذا التناقض يطرح إشكالاً بنيويًا:
 هل نحن أمام خلل في وعي المواطن؟ أم أننا بصدد حصاد ما زرعته السياسات العمومية عبر سنوات من التهميش والفشل التربوي؟ 
أليست الدولة نفسها من صنعت هذا النموذج الاستهلاكي غير الواعي؟ 
هل المواطن إلا نتيجة لـ"صناعة وطنية" اسمها السياسات العمومية المغربية؟
 
بالتأكيد، لا يمكن إعفاء الدولة من مسؤولياتها. فالتنشئة الاجتماعية، والمنظومة التعليمية  والآلة الإعلامية الرسمية  كلها تُسهم في تشكيل العقل الجمعي، لكنها ليست وحدها في الميدان. فالمواطن بوعيه المتراكم هو أيضًا شريك في المعادلة وفاعل في الأزمة حتى وإن كان ضحيتها.
 
إن أزمة الأضحية هذا العام ليست سوى عنوان فرعي لأزمة أعمق: أزمة وعي جماعي وأزمة ثقة وأزمة حوكمة. 
فحين تفشل الدولة في التخطيط، ويتخلى المواطن عن التفكير، لا يعود الفرق كبيرًا بين من يُنتج الأزمة ومن يستهلكها.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل نملك الشجاعة لنقول بأننا كلنا مسؤولون؟
وأن التغيير لن يبدأ من فوق فقط، ولا من تحت فقط، بل من المسافة الفاصلة بين الدولة والمواطن؟
سعيد عاتيق، فاعل حقوقي وجمعوي