من جديد، يعود الموت ليستقر بين زوايا الشوارع الرئيسية لمدينة وزان، متربصًا بضحاياه الذين لا محالة سيرتفع عددهم خلال فصل الصيف، الذي بدأت خيوط شمسه الحارقة تلسع الأجساد، مع العودة الجديدة للسياقة الاستعراضية التي ملأت المدينة ضجيجًا مزعجًا.
وإذا كانت السياقة الاستعراضية مرفوضة في مختلف المدن المغربية، فإنها في وزان لا يمكن أن تجد لها موطئ قدم، نظرًا لضيق شوارع المدينة عرضًا، وقصرها طولًا، ناهيك عن الأرصفة المحدودة. وهي وضعية تؤدي إلى ارتباك في حركة السير والجولان، واختلال في انسياب المركبات، بسبب التدفق الكبير للساكنة على شوارع بعينها، خاصة في الفترة المسائية.
السياقة الاستعراضية، التي اجتاحت شوارع دار الضمانة مطلع شهر ماي الجاري، خلفت استياءً عميقًا في صفوف مستعملي الفضاء العام (الشوارع والأزقة). وإذا لم يتم التصدي لها بشكل عاجل من طرف مختلف المتدخلين، فإن عدد ضحاياها مرشح للارتفاع، خاصة في صفوف الأطفال، والمسنين، والنساء، الذين يتوافدون على الشوارع الرئيسية للمدينة (وهي قليلة العدد) كل مساء، بحثًا عن لحظات استجمام تعوضهم عن حرمان أحيائهم من فضاءات للترفيه وتزجية الوقت. وهو حرمان يُعد صك إدانة للمجالس الجماعية المتعاقبة على تدبير الشأن المحلي، علماً أن "القرب" يمثل جوهر الأدوار التي أناطها المشرع بالجماعات.
ولا تقتصر خطورة هذه الظاهرة على ما تسببه من حوادث، بل إنها أيضًا تمثل اعتداءً سافرًا على قيمة المواطنة الحقة. فقد انتقلت ظاهرة "السياقة الجنونية" إلى قلب الأحياء السكنية، ما يرفع منسوب المخاطر المهددة للحق في الحياة. ويضاف إلى ذلك الإزعاج الناتج عن ضجيج الدراجات النارية، التي لا يتوقف هديرها حتى بعد منتصف الليل!
ويُذكر أن وزير الداخلية، وفي إطار تفاعله مع سؤال كتابي تقدّم به نائب برلماني حول مخاطر السياقة الاستعراضية وتعريض حياة عناصر الشرطة والمواطنين للخطر، أوضح أن مصالح وزارة الداخلية بادرت بتوجيه تعليمات إلى الولاة وعمال الأقاليم والمصالح الأمنية، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدي لهذه الممارسات، التي تعرض مستعملي الطريق للخطر وتُحدث ضوضاء وسط الفضاءات والتجمعات العمومية، مع ضرورة التنسيق مع السلطات القضائية المختصة.
والأمل معقود على تدخل حازم من مختلف الجهات المعنية بوزان، وذلك عبر تفعيل تعليمات وزير الداخلية قبل أن تقع الكارثة. وسيكون من السلوكيات المدنية الراقية أن يطلق المجتمع المدني بالمدينة حملة تحسيسية وتواصلية موجهة حتى إلى الشباب المنخرطين في هذه الظاهرة، لمصالحته مع قيمة المواطنة، التي لا شك أن البيئة الملوثة التي تعيشها الساكنة كان لها أثر كبير في تقليص منسوبها.
وإذا كانت المناسبة شرطًا، فإننا نغتنم هذا المنبر الإعلامي لنتوجه بأجمل التهاني وأطيب الأماني لنساء ورجال الأمن بدار الضمانة، بمناسبة تخليد أسرة الأمن الوطني للذكرى 69 لتأسيسها، ونسجل بكل اعتزاز الجهود التي يبذلونها في مختلف الواجهات، والتي تسهم في إشاعة الأمن والطمأنينة بين ساكنة وزان. والأمل يظل معقودًا على ضخ المزيد من "الأوكسجين النقي" في شعار: "الشرطة في خدمة المواطن(ة)".