منذ مدة غير يسيرة نشطت المخابرات الخارجية الجزائرية ببلجيكا وهولندا، حيث جندت أباطرة مخدرات مغاربة للإعلان في شتنبر 2023 ببروكسيل عن خطوة جديدة في إطار معاكسة المغرب، تمثلت في تأسيس ما سمي بـ "الحزب الوطني الريفي"، ووصل الأمر إلى حد فتح تمثيلية في أحد الأحياء الراقية بالعاصمة الجزائر، لمسمى «مكتب تمثيلية الريف بالجزائر»، وخصصت التلفزة الرسمية الجزائرية تغطية واسعة لتأسيس الحزب المزعوم واستضافة قيادته، التي طالبت من الجزائر معاملتهم على غرار انفصاليي البوليساريو و«افتتاح مراكز لاستقبال مجموعتهم وتدريبها على استخدام الأسلحة والاعتراف بجمهورية الريف في أقرب وقت».
لم يكن متوقعا، حتى مع اشتداد الأزمة بين البلدين الجارين في أحلك الفترات سابقا، أن يصل الصراع إلى هذا المستوى الذي يدل على فقر سياسي فظيع، ونضوب في المخيلة السياسية التي تفتقر إلى الإبداع، لقد دخلت الجزائر دورة اللعب في قلب الطنجرة الداخلية لمطبخ الدول والأكل مع السياطين بملاعق طويلة، وهو ما يزكي ما أعلنته قيادة مالي حين اتهمت النظام الجزائري بالتدخل في الشؤون الداخلية لمالي تحت يافطة قيادة مشروع للصلح بين حاكمي ومعارضي مالي، وما عبر عنه التونسيون من رفضهم لوصاية تبون على بلادهم، بعد خضوع قيس سعيد لإملاءات حكام قصر المرادية.
كيف تتفرغ دولة بكافة أجهزتها وبميزانيات ضخمة وجيش من الدبلوماسيين والسياسيين والإعلاميين والموظفين في مختلف سفاراتها بالعالم وبتجهيز إعلامها بكل وسائله، فقط للرد على قرار مغربي أو وضع حصى صغيرة في حذاء الجار المغربي؟ لم تنفع مع مرض النظام الجزائري وساطات ولا دواء اليد الممدودة التي وجهها المغرب أكثر من مرة لحكام قصر المرادية لطي النزاع وفتح صفحة جديدة بدءا من فتح الحدود وترك مسألة الصراع حول الصحراء بيد الأمم المتحدة، والتعاون في ملفات اقتصادية وأمنية ملحة وذات أولوية، وترك وشائج الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين تتطور وتتعاضد بشكل سليم، بدل نفت السموم والأحقاد بين البلدين الجارين.
خطوة الجزائر باحتضانها «مكتب تمثيلية الريف بالجزائر»، وسماحها لقناتها التلفزية الرسمية بنقل تصريحات إرهابية، من مثل تدريب عناصر تدعي أنها ناطقة باسم أهل الريف وبانتحال رمز وطني من حجم محمد بن عبد الكريم الخطابي، على استعمال السلاح ووضع نفسها في نفس مقام مرتزقة البوليساريو، يدل على أن الصراع كما يقوده جنرالات الجزائر لم يعد يجري بالأدوات السياسية والدبلوماسية المعروفة، والتي حافظت برغم كل أشكال الشد والجدب بين نظامي البلدين على شعرة معاوية، بل سمحت في لحظة مفصلية من التاريخ وحتى بعد حرب الرمال عام 1963، على عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين منذ نهاية عام 1988 حتى إعلان ميلاد الاتحاد المغاربي بمراكش في فبراير 1989.. أما اليوم فيمكن توقع أي شيء من الجار الشرقي، لأن من يقصر نظره يحرم من رؤية مدى الأفق البعيد الذي ستؤدي إليه خطواته، وهذا ما يحدث مع دولة أصبح الجيش هو من يقرر في كل تفصيل صغير في حياتها، من استيراد الفطائر والشامبو إلى قطع السلاح، ومن إعلان ميلاد جريدة إلى تأسيس حزب أو جمعية. هناك عقيدة جزائرية استعدائية اليوم مبنية أساسا على وجود عدو خارجي اسمه المغرب، وقد رأينا حين اشتعلت النيران في غابات بشمال الجزائر كيف تم اتهام المغرب على أعلى مستوى بالتسبب في هذه الحرائق، وإذا ما استهلك الجزائريون الحشيش فالمغرب هو المتهم بإغراق السوق الجزائري، رغم أن الجيش اليوم فتح مكتبا لأباطرة مخدرات محسوبين على الريف.. واتصور غدا لو أن طائر عوا أو بلارج، أو حتى مجرد كلب سائب عبر من وجدة أو فكيك إلى وهران أو تلمسان، قد يتم استنطاقه واتهامه بالعمالة للأجهزة الاستخباراتية للمغرب وتخصيص حصة مهمة له في القناة التلفزية الرسمية مع ما يرافق ذلك من فرجة وإحماء.
يبدو أن ترسيخ عقدة المغرب هي ما تبقى لنظام العسكر لتحقيق إجماع وطني والتعتيم على المشاكل الداخلية، وعلينا توقع أي حماقة اليوم فيها ضربة ولو قصيرة المدى وقليلة الربح ضد المغرب حتى ولو صرف عليها من مال الجزائريين ملايين الدولارات، ويمكن أن يتم استغلال أربعة «حراكة» من أي قرية نائية في المغرب لدعمهم وفتح مكتب خاص لهم بالجزائر للدفاع عن حق «البراغثة» أو «الدعاسقة» أو سكان «غلالة» أو «بعبولة» في الانفصال عن المغرب.. وهذا هو الخبر بعينية.
فاللهم ارزقنا خصما عاقلا بدل كل هذا الخرف الذي ينم حقا عن ضعف الخيال السياسي لدى حكام الجزائر.