الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

عبد العزيز كوكاس: اللعب صغار مع الجزائر.. هناك ضعف مخيف في الخيال السياسي

عبد العزيز كوكاس: اللعب صغار مع الجزائر.. هناك ضعف مخيف في الخيال السياسي عبد العزيز كوكاس
منذ‭ ‬مدة‭ ‬غير‭ ‬يسيرة‭ ‬نشطت‭ ‬المخابرات‭ ‬الخارجية‭ ‬الجزائرية‭ ‬ببلجيكا‭ ‬وهولندا،‭ ‬حيث‭ ‬جندت‭ ‬أباطرة‭ ‬مخدرات‭ ‬مغاربة‭ ‬للإعلان‭ ‬في‭ ‬شتنبر‭ ‬2023‭ ‬ببروكسيل‭ ‬عن‭ ‬خطوة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معاكسة‭ ‬المغرب،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ‭ ‬"الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الريفي"،‭  ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬فتح‭ ‬تمثيلية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأحياء‭ ‬الراقية‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الجزائر،‭ ‬لمسمى‭ ‬«مكتب‭ ‬تمثيلية‭ ‬الريف‭ ‬بالجزائر»،‭ ‬وخصصت‭ ‬التلفزة‭ ‬الرسمية‭ ‬الجزائرية‭ ‬تغطية‭ ‬واسعة‭ ‬لتأسيس‭ ‬الحزب‭ ‬المزعوم‭ ‬واستضافة‭ ‬قيادته،‭ ‬التي‭ ‬طالبت‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬معاملتهم‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬انفصاليي‭ ‬البوليساريو‭ ‬و«افتتاح‭ ‬مراكز‭ ‬لاستقبال‭ ‬مجموعتهم‭ ‬وتدريبها‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬والاعتراف‭ ‬بجمهورية‭ ‬الريف‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت»‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعا،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬اشتداد‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الجارين‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الفترات‭ ‬سابقا،‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬فقر‭ ‬سياسي‭ ‬فظيع،‭ ‬ونضوب‭ ‬في‭ ‬المخيلة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع،‭ ‬لقد‭ ‬دخلت‭ ‬الجزائر‭ ‬دورة‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الطنجرة‭ ‬الداخلية‭ ‬لمطبخ‭ ‬الدول‭ ‬والأكل‭ ‬مع‭ ‬السياطين‭ ‬بملاعق‭ ‬طويلة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزكي‭ ‬ما‭ ‬أعلنته‭ ‬قيادة‭ ‬مالي‭ ‬حين‭ ‬اتهمت‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لمالي‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬قيادة‭ ‬مشروع‭ ‬للصلح‭ ‬بين‭ ‬حاكمي‭ ‬ومعارضي‭ ‬مالي،‭ ‬وما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬التونسيون‭ ‬من‭ ‬رفضهم‭ ‬لوصاية‭ ‬تبون‭ ‬على‭ ‬بلادهم،‭ ‬بعد‭ ‬خضوع‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لإملاءات‭ ‬حكام‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭.‬

كيف‭ ‬تتفرغ‭ ‬دولة‭ ‬بكافة‭ ‬أجهزتها‭ ‬وبميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬وجيش‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬والموظفين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬سفاراتها‭ ‬بالعالم‭ ‬وبتجهيز‭ ‬إعلامها‭ ‬بكل‭ ‬وسائله،‭ ‬فقط‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬مغربي‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬حصى‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬حذاء‭ ‬الجار‭ ‬المغربي؟‭ ‬لم‭ ‬تنفع‭ ‬مع‭ ‬مرض‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬وساطات‭ ‬ولا‭ ‬دواء‭ ‬اليد‭ ‬الممدودة‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬المغرب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬لحكام‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬لطي‭ ‬النزاع‭ ‬وفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬الحدود‭ ‬وترك‭ ‬مسألة‭ ‬الصراع‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬بيد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وأمنية‭ ‬ملحة‭ ‬وذات‭ ‬أولوية،‭ ‬وترك‭ ‬وشائج‭ ‬الروابط‭ ‬الأخوية‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬تتطور‭ ‬وتتعاضد‭ ‬بشكل‭ ‬سليم،‭ ‬بدل‭ ‬نفت‭ ‬السموم‭ ‬والأحقاد‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الجارين‭.‬

خطوة‭ ‬الجزائر‭ ‬باحتضانها‭ ‬«مكتب‭ ‬تمثيلية‭ ‬الريف‭ ‬بالجزائر»،‭ ‬وسماحها‭ ‬لقناتها‭ ‬التلفزية‭ ‬الرسمية‭ ‬بنقل‭ ‬تصريحات‭ ‬إرهابية،‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬تدريب‭ ‬عناصر‭ ‬تدعي‭ ‬أنها‭ ‬ناطقة‭ ‬باسم‭ ‬أهل‭ ‬الريف‭ ‬وبانتحال‭ ‬رمز‭ ‬وطني‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الخطابي،‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬ووضع‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬مقام‭ ‬مرتزقة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬كما‭ ‬يقوده‭ ‬جنرالات‭ ‬الجزائر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يجري‭ ‬بالأدوات‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬المعروفة،‭ ‬والتي‭ ‬حافظت‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الشد‭ ‬والجدب‭ ‬بين‭ ‬نظامي‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬شعرة‭ ‬معاوية،‭ ‬بل‭ ‬سمحت‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الرمال‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬العلاقات‭ ‬الطبيعية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1988‭ ‬حتى‭ ‬إعلان‭ ‬ميلاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬المغاربي‭ ‬بمراكش‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1989‭.. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فيمكن‭ ‬توقع‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الجار‭ ‬الشرقي،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يقصر‭ ‬نظره‭ ‬يحرم‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬مدى‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد‭ ‬الذي‭ ‬ستؤدي‭ ‬إليه‭ ‬خطواته،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬أصبح‭ ‬الجيش‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تفصيل‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬من‭ ‬استيراد‭ ‬الفطائر‭ ‬والشامبو‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬السلاح،‭ ‬ومن‭ ‬إعلان‭ ‬ميلاد‭ ‬جريدة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬حزب‭ ‬أو‭ ‬جمعية‭. ‬هناك‭ ‬عقيدة‭ ‬جزائرية‭ ‬استعدائية‭ ‬اليوم‭ ‬مبنية‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬عدو‭ ‬خارجي‭ ‬اسمه‭ ‬المغرب،‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬حين‭ ‬اشتعلت‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬غابات‭ ‬بشمال‭ ‬الجزائر‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬اتهام‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬بالتسبب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرائق،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬استهلك‭ ‬الجزائريون‭ ‬الحشيش‭ ‬فالمغرب‭ ‬هو‭ ‬المتهم‭ ‬بإغراق‭ ‬السوق‭ ‬الجزائري،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬اليوم‭ ‬فتح‭ ‬مكتبا‭ ‬لأباطرة‭ ‬مخدرات‭ ‬محسوبين‭ ‬على‭ ‬الريف‭.. ‬واتصور‭ ‬غدا‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬طائر‭ ‬عوا‭ ‬أو‭ ‬بلارج،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬كلب‭ ‬سائب‭ ‬عبر‭ ‬من‭ ‬وجدة‭ ‬أو‭ ‬فكيك‭ ‬إلى‭ ‬وهران‭ ‬أو‭ ‬تلمسان،‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬استنطاقه‭ ‬واتهامه‭ ‬بالعمالة‭ ‬للأجهزة‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬للمغرب‭ ‬وتخصيص‭ ‬حصة‭ ‬مهمة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬القناة‭ ‬التلفزية‭ ‬الرسمية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يرافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬فرجة‭ ‬وإحماء‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬ترسيخ‭ ‬عقدة‭ ‬المغرب‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لنظام‭ ‬العسكر‭ ‬لتحقيق‭ ‬إجماع‭ ‬وطني‭ ‬والتعتيم‭ ‬على‭ ‬المشاكل‭ ‬الداخلية،‭ ‬وعلينا‭ ‬توقع‭ ‬أي‭ ‬حماقة‭ ‬اليوم‭ ‬فيها‭ ‬ضربة‭ ‬ولو‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬وقليلة‭ ‬الربح‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬صرف‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬الجزائريين‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬أربعة‭ ‬«حراكة»‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قرية‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لدعمهم‭ ‬وفتح‭ ‬مكتب‭ ‬خاص‭ ‬لهم‭ ‬بالجزائر‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬«البراغثة»‭ ‬أو‭ ‬«الدعاسقة»‭ ‬أو‭ ‬سكان‭ ‬«غلالة»‭ ‬أو‭ ‬«بعبولة»‭ ‬في‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬المغرب‭.. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الخبر‭ ‬بعينية‭. ‬

فاللهم‭ ‬ارزقنا‭ ‬خصما‭ ‬عاقلا‭ ‬بدل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الخرف‭ ‬الذي‭ ‬ينم‭ ‬حقا‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬الخيال‭ ‬السياسي‭ ‬لدى‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭.‬