الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

بسبب المؤامرات التاريخية للجزائر.. الجيلالي العدناني يستنطق الأرشيفات الأجنبية لتأكيد مغربية الصحراء

بسبب المؤامرات التاريخية للجزائر.. الجيلالي العدناني يستنطق الأرشيفات الأجنبية لتأكيد مغربية الصحراء الجيلالي‭ ‬العدناني
تتعدد‭ ‬المقاربات‭ ‬والهدف‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬تأكيد‭ ‬مغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬والارتباط‭ ‬الحاصل‭ ‬بين‭ ‬السلاطين‭ ‬وساكنة‭ ‬الصحراء‭..‬
الجيلالي‭ ‬العدناني،‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬هم‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مسار‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬المنهجي‭ ‬في‭ ‬الأرشيفات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬فرنسية‭ ‬وإسبانية‭ ‬استطاع‭ ‬استنطاق‭ ‬هذه‭ ‬الارشيفات‭ ‬ليثبت‭ ‬مغربية‭ ‬الصحراء‭.‬

 
لأن‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬أرض‭ ‬خلاء،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تثبته‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬استعرضها‭ ‬الجيلالي‭ ‬العدناني،‭ ‬أستاذ‭ ‬التاريخ‭ ‬الراهن‭ ‬بجامعة‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬ومهتم‭ ‬بالأنثروبولوجية‭ ‬التاريخية‭ ‬للحركات‭ ‬الصوفية‭ ‬والدينية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬استعراض‭ ‬تاريخي‭ ‬احتضنته‭ ‬القاعة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للمكتبة‭ ‬الوسائطية‭ ‬لمسجد‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬الخميس‭ ‬7‭ ‬مارس‭ ‬2024‭. ‬محاضرة‭ ‬حضر‭ ‬فيها‭ ‬عبق‭ ‬التاريخ،‭ ‬ظهائر‭ ‬ملكية،‭ ‬وخرائط‭ ‬رسمية،‭ ‬ومراسلات‭ ‬موثقة‭.. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬مدخلا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬مداخل‭ ‬فهم‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬ومراحلها‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬الأرشيفات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والمخططات‭ ‬الكولونيالية‭ ‬الفرنسية‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط‭ ‬لتقزيم‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمغرب‭.‬

اعتمد‭ ‬الجيلالي‭ ‬العدناني،‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الموضوع‭ ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬بدور‭ ‬الأرشيفات‭ ‬الفرنسية،‭ ‬أبرزها‭ ‬من‭ ‬«إكس‭ ‬أون‭ ‬بروفانس»‭ ‬والأرشيف‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬لنانت‭ ‬ولاكورنوف‭ ‬ومن‭ ‬مركز‭ ‬«كولوبا»‭ ‬في‭ ‬باماكو‭ ‬والأرشيفات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬دكار،‭ ‬وفكك‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المخططات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬لرسامي‭ ‬الخرائط‭ ‬الفرنسيين‭ ‬بالجزائر‭ ‬الفرنسية‭.‬

يتحدث‭ ‬العدناني،‭ ‬عن‭ ‬مساره‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتقصي،‭ ‬واصفا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬عثر‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬أرشيف‭ ‬«إكس‭ ‬-‭ ‬بروفنس»،‭ ‬بأنها‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وبحكم‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وبالضبط‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬الأرشيف‭ ‬المحاذي‭ ‬لكلية‭ ‬الآداب،‭ ‬ربط‭ ‬علاقات‭ ‬متينة‭ ‬مع‭ ‬الباحثين‭ ‬وإدارة‭ ‬المركز،‭ ‬مما‭ ‬سهل‭ ‬من‭ ‬مأموريته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬استقراء‭ ‬هذا‭ ‬الوثائق‭. ‬وبحكم‭ ‬تكوينه‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الاشتغال‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬الدارسين‭ ‬الأفريقانيين‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإفريقية‭ ‬والأمريكية‭.‬

يتابع‭ ‬الجيلالي‭ ‬العدناني‭ ‬قائلا:‭ ‬«بدأت‭ ‬منهجيتي‭ ‬العلمية‭ ‬بالاهتمام‭ ‬الفرنسي‭ ‬بالصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬الجزائر‭ ‬سنة‭ ‬1830،‭ ‬وبداية‭ ‬مشكل‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بعد‭ ‬معركة‭ ‬إيسلي‭ ‬سنة‭ ‬1844،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬الأراضي‭ ‬المغربية‭ ‬كتوات‭ ‬وتيديكيلت‭ ‬وبشار‭. ‬ويعتبر‭ ‬الحاكم‭ ‬العام‭ ‬للجزائر‭ ‬جول‭ ‬كامبون‭ ‬من‭ ‬منظري‭ ‬مخطط‭ ‬السياسة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بالصحراء‭ ‬المغربية‭.‬

خضوع‭ ‬المغرب‭ ‬للاحتلال‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬لالة‭ ‬مغنية‭ ‬سنة‭ ‬1845،‭ ‬والتي‭ ‬فقد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‭ ‬الذي‭ ‬يخضع‭ ‬له‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬ثقافيا‭ ‬وروحيا‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬وستستمر‭ ‬عملية‭ ‬الاحتلال‭ ‬والتقسيمات‭ ‬والضم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬1958،‭ ‬حين‭ ‬ضمت‭ ‬فرنسا‭ ‬مئات‭ ‬الكيلومترات‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬المغربي‭ ‬لأجل‭ ‬تأمين‭ ‬الحدود‭ ‬ومنع‭ ‬تسرب‭ ‬المقاومين‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يساندون‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭. ‬لكن‭ ‬شخص‭ ‬الحاكم‭ ‬العام‭ ‬للجزائر‭ ‬والسفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬ومدريد‭ ‬وبرلين‭ ‬"جول‭ ‬كامبون"‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬صانع‭ ‬المشكل،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬شجع‭ ‬على‭ ‬الاقتطاعات‭ ‬الترابية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬توات‭.‬

«جول‭ ‬كامبون»،‭ ‬هو‭ ‬مهندس‭ ‬مشروع‭ ‬ربط‭ ‬المستعمرة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بمستعمرات‭ ‬إفريقيا‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المغرب‭ ‬وأراضيه‭ ‬الصحراوية‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬المشروع‭ ‬الأولي‭ ‬للاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬المغرب‭ ‬كاملا‭ ‬إلى‭ ‬المستعمرة‭ ‬الجزائر‭ ‬حتى‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬واجهة‭ ‬بحرية‭ ‬أطلنتية‭. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬جول‭ ‬كامبون‭ ‬لم‭ ‬ينفذ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬فإن‭ ‬خلفاؤه‭ ‬قاموا‭ ‬بذلك‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1900،‭ ‬ولكن‭ ‬دائما‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه‭ ‬وتأثيره‭ ‬المباشر‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬عين‭ ‬سفيرا‭ ‬في‭ ‬مدريد‭ ‬(1902-1907) و‭ ‬بعده‭ ‬في‭ ‬برلين (1907-1914).‭ ‬فكل‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الرسمية‭ ‬والسرية‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬«جول‭ ‬كامبون»،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬التذكير‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬الإتفاق‭ ‬الودي‭ ‬بتعاون‭ ‬مع‭ ‬أخيه‭ ‬«بول‭ ‬كامبون»‭ ‬سفير‭ ‬فرنسا‭ ‬بلندن‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬اتفاقية‭ ‬4‭ ‬نونبر‭ ‬1911‭ ‬مع‭ ‬ممثل‭ ‬ألمانيا‭ ‬كدرلين‭ ‬بعد‭ ‬أزمة‭ ‬أكادير‭.‬

يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجيلالي‭ ‬العدناني‭ ‬أن‭ ‬الأبحاث‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬ومراكز‭ ‬الأرشيف‭ ‬تتوزع‭ ‬بين‭ ‬أفريقيا‭ ‬وأوربا،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬مراکز‭ ‬داکار‭ ‬وباماکو‭ ‬ونواكشوط‭ ‬فالرباط‭. ‬أما‭ ‬الأرشيف‭ ‬الفرنسي‭ ‬فيتوزع‭ ‬بين‭ ‬وزارة‭ ‬المستعمرات‭ ‬والداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬والذي‭ ‬يغطى‭ ‬أرشيف‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬البحار‭ ‬بإكس‭ ‬-‭ ‬بروفنس‭ ‬ثم‭ ‬أرشيف‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬بنانط‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬كورنوف‭.‬

يضيف‭ ‬العدناني،‭ ‬لقد‭ ‬همش‭ ‬الباحثون‭ ‬أرشيف‭ ‬«إكس‭ ‬-‭ ‬بروفنس»‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬يهم‭ ‬الجزائر‭ ‬بينما‭ ‬أرشيف‭ ‬الخارجية‭ ‬يهم‭ ‬المغرب‭.‬

إن‭ ‬عملية‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتقلباتها‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالأرشيف‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أنتجته‭ ‬وزارات‭ ‬الحرب‭ ‬والمستعمرات‭ ‬فالداخلية،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الخرائطي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الضباط‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬المراسلات‭ ‬مع‭ ‬الخارجية‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬الجزائر‭ ‬وباقي‭ ‬المستعمرات‭.‬

مكن‭ ‬أرشيف‭ ‬«إكس‭ ‬-‭ ‬بروفنس»،‭ ‬الأستاذ‭ ‬العدناني‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬والأرشيفات‭ ‬التي‭ ‬أطرت‭ ‬وباشرت‭ ‬سياسة‭ ‬الاقتطاع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المغرب‭ ‬وكذا‭ ‬الرصيد‭ ‬الخرائطي‭ ‬الذي‭ ‬يوثق‭ ‬له‭. ‬لكن‭ ‬أرشيف‭ ‬الخارجية‭ ‬بنانط‭ ‬ولاكورنوف‭ ‬مكنه‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الترابية‭ ‬التي‭ ‬نوقشت‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الاستقلال،‭ ‬أي‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬سرية‭ ‬لأجل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬.1956‭‬

كما‭ ‬مكنه‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬تقارير‭ ‬تهم‭ ‬الموقف‭ ‬الجزائري‭ ‬سواء‭ ‬قبيل‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬الإستقلال‭ ‬وهي‭ ‬وثائق‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التصريحات‭ ‬والاعترافات‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬اقتسام‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬النوايا‭ ‬الحقيقية‭ ‬للجزائر‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬الظهور‭ ‬بكونها‭ ‬طرفا‭ ‬محايدا‭ ‬يساند‭ ‬مبدأ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭. ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬الكبرى‭ ‬وهي‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬اعتراف‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلطاتها‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬وبالخصوص‭ ‬بمسألة‭ ‬وجود‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬وروحية‭ ‬بالصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية،‭ ‬وكون‭ ‬السلطات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنفي‭ ‬خلال‭ ‬بدايات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬لسلطة‭ ‬السلطان‭ ‬والمغرب،‭ ‬صارت‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬والعلن‭ ‬تعتمدها‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الصحراوية‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬رموز‭ ‬السلطة،‭ ‬خاتم/البرنس‭ ‬والظهير‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬العائلات‭ ‬المخزنية‭ ‬حتى‭ ‬و‭ ‬إن‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬المقاومة‭.‬

يصف‭ ‬الجيلالي‭ ‬العدناني‭ ‬خلق‭ ‬قيادة‭ ‬التخوم‭ ‬سنة‭ ‬1933‭ ‬أو‭ ‬حذفها‭ ‬سنة‭ ‬1955،‭ ‬بالمؤامرة‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمغرب‭. ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬سنة‭ ‬1930‭ ‬تنظيم‭ ‬ندوتين‭ ‬بمعهد‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬المغربية،‭ ‬الأولى‭ ‬حول‭ ‬الجبل‭ ‬والثانية‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭. ‬لكن‭ ‬ندوة‭ ‬الصحراء‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬استرعت‭ ‬بالاهتمام‭ ‬ونشرت‭ ‬أعمالها‭ ‬سنة‭ ‬1930‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬«هسبريس»‭ ‬حتى‭ ‬تعاكس‭ ‬مقولاتها‭ ‬مسألة‭ ‬الحدود‭ ‬المشتركة‭ ‬للمغرب‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬معاهدة‭ ‬فرنسا‭ ‬ألمانيا‭ ‬لسنة‭ ‬1911‭. ‬كما‭ ‬عرفت‭ ‬نفس‭ ‬السنة‭ ‬صدور‭ ‬تقارير‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬عسكرية‭ ‬ومدنية‭ ‬بالجزائر‭ ‬وفرنسا‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالمناطق‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬قيادة‭ ‬التخوم‭ ‬المغربية‭ ‬-‭ ‬الجزائرية،‭ ‬لتنضاف‭ ‬إليها‭ ‬تسمية‭ ‬الموريتانية‭ ‬وفق‭ ‬اتفاقية‭ ‬تندوف‭ ‬سنة ‭ .‬1949‭‬

قيادة‭ ‬التخوم‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬ميدلت‭ ‬إلى‭ ‬تزنيت‭ ‬سنة‭ ‬1933‭ ‬ستستقر‭ ‬بأكادير‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1955،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬حذفها‭ ‬جاء‭ ‬كقرار‭ ‬يعاكس‭ ‬استقلال‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يديرها‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬أكادير‭.‬

فندوة‭ ‬1930‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬هي‭ ‬انقلاب‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬فرنسي‭ ‬يرعاه‭ ‬العسكريون‭ ‬والمدنيون‭ ‬دفاعا‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬التاريخية‭ ‬للمغرب‭. ‬لقد‭ ‬جاء‭ ‬خلق‭ ‬قيادة‭ ‬التخوم‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬القرب‭ ‬الجغرافي‭ ‬للمغرب‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الصحراوية‭ ‬لأن‭ ‬تمويلها‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا،‭ ‬ولأن‭ ‬السلطات‭ ‬السياسية‭ ‬المخزنية‭ ‬والقبلية‭ ‬كانت‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬إدارتها‭ ‬وإخضاعها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬خلق‭ ‬قيادة‭ ‬التخوم‭ ‬كان‭ ‬يخدم‭ ‬مشروع‭ ‬المحافظة‭ ‬لفائدة‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬منفذ‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الأطلسي‭. ‬لكن‭ ‬عملية‭ ‬الحذف‭ ‬لسنة‭ ‬1955‭ ‬جاءت‭ ‬بسبب‭ ‬قرب‭ ‬استقلال‭ ‬المغرب،‭ ‬وأيضا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬استرجاع‭ ‬منطقة‭ ‬تندوف‭ ‬الغنية‭ ‬بالمعادن،‭ ‬وكذا‭ ‬لجعل‭ ‬المغرب‭ ‬خارج‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬يهدد‭ ‬استغلال‭ ‬أكبر‭ ‬منجم‭ ‬حديد‭ ‬بموريتانيا‭ ‬قرب‭ ‬الزويرات‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬احتلال‭ ‬وتقسيم‭ ‬المغرب‭ ‬ووضع‭ ‬الحدود‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالمحاور‭ ‬التجارية‭ ‬وبالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬فإن‭ ‬اكتشاف‭ ‬خيرات‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬ضم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬الغربية‭ ‬وتسميته‭ ‬بموريتانيا‭ ‬العليا‭ ‬وضمها‭ ‬لموريتانيا‭ ‬سنة‭ ‬1955،‭ ‬مع‭ ‬حذف‭ ‬قيادة‭ ‬التخوم،‭ ‬وكذا‭ ‬بداية‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬كيان‭ ‬وهمي‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬1958‭ ‬و1962‭ ‬تخلت‭ ‬عنه‭ ‬فرنسا‭ ‬لتتبناه‭ ‬الجزائر‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬.1973 ‬

شدد‭ ‬الجيلالي‭ ‬العدناني‭ ‬في‭ ‬محاضرته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬عاكست‭ ‬مغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬منذ‭ ‬1958‭ ‬وإلى‭ ‬حدود‭ ‬1962‭ ‬بشكل‭ ‬سري،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬كانت‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وفي‭ ‬رجاله‭ ‬السند‭ ‬الحقيقي‭ ‬للثورة‭ ‬الجزائرية‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬اقتطاع‭ ‬ترابي‭ ‬هام‭ ‬سنة‭ ‬1958‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬المباشرة‭ ‬لاندلاع‭ ‬حرب‭ ‬الرمال‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رابط‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬تبنتها‭ ‬فرنسا‭ ‬سنة‭ ‬1958‭ ‬لمنع‭ ‬المتسللين‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬الجزائري‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تضارب‭ ‬المواقف‭ ‬الجزائرية‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لم‭ ‬تسهل‭ ‬من‭ ‬مأمورية‭ ‬إيجاد‭ ‬توافقات‭ ‬حول‭ ‬المسألة‭ ‬الحدودية‭. ‬فالمواقف‭ ‬الجزائرية‭ ‬الموالية‭ ‬لاسترجاع‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬والمدن‭ ‬جوبهت‭ ‬بمواقف‭ ‬راديكالية‭ ‬للضباط،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬بالمغرب‭ ‬ورفضوا‭ ‬أي‭ ‬مس‭ ‬بالوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للجزائر،‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬عدم‭ ‬المس‭ ‬بالحدود‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭. ‬وهو‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬رفعه‭ ‬رجل‭ ‬القانون‭ ‬وسفير‭ ‬الجزائر‭ ‬بفرنسا‭ ‬وكذا‭ ‬ممثلها‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬محمد‭ ‬بجاوي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬الساعية‭ ‬المعاكسة‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمغرب‭ ‬ومحاصرته‭ ‬اقتصاديا‭ ‬ستتحالف‭ ‬مع‭ ‬اسبانيا‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬1963‭ ‬و1968 إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنها‭ ‬ستسقط‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬صارخ‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬مكة‭ ‬الثوار‭ ‬بعد‭ ‬استقلالها،‭ ‬لم‭ ‬تتوان‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬مشروع‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬سنة‭ ‬1966‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستغلال‭ ‬المشترك‭ ‬لمنجم‭ ‬الحديد‭ ‬غار‭ ‬أجبيلات‭ ‬مقابل‭ ‬الغاز‭ ‬الجزائري‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ممثل‭ ‬الجزائر‭ ‬بمنظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية‭ ‬بأديس‭ ‬أبابا‭ ‬أو‭ ‬ممثلها‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بنيويورك،‭ ‬لم‭ ‬يتوانا‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬فكرة‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬سنوات‭ ‬1965‭ ‬و1968. وقولهم‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬قبائل‭ ‬رحل‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬عددها‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬بالمنطقة‭.‬