الاثنين 29 إبريل 2024
سياسة

تجنيد الأطفال.. آخر أوراق الرابوني الآيلة للسقوط!

تجنيد الأطفال.. آخر أوراق الرابوني الآيلة للسقوط! اعتبر الحاضرون أن حماية الأطفال ورعايتهم يجب أن تكون أولوية قصوى
خلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الحدث بمعية منظمات وخبراء في حقوق الإنسان، توازيا مع انطلاق أعمال الدورة العادية 55 لمجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة بجنيف، بتنظيمها لنشاط مواز حول حالة حقوق الإنسان في مناطق النزاعات في إفريقيا، تجنيد الأطفال في مخيمات الصحراويين بمنطقة تندوف جنوب غربي الجزائر نموذجا. 
وأشار المشاركون في الندوة، إلى جسامة الانتهاكات المرتكبة في علاقة بإجبار الأطفال على الانخراط في العمل العسكري بمنطقة تندوف في تحد صارخ لقواعد القانون الدولي، حيث أكدوا أن الأطفال لا يشكلون الضحايا الرئيسيين للنزاعات المسلحة فحسب، بل يتم تجنيدهم واستخدامهم من قبل الجماعات المسلحة كأدوات للعنف، وبالنظر إلى المشهد الحالي للنزاع المسلح في الصحراء، حيث ترسم عديد من التقارير الأخيرة صورة قاتمة عن زيادات كبيرة في تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، وهو أمر من شأنه أن يضعف من فرص وضع استراتيجيات لتعزيز حماية الأطفال في المناطق المتضررة من النزاع لإنهاء تجنيد الأطفال واستغلالهم واستخدامهم في الأعمال العدائية. 
وقد أجمع المتدخلون على أنه بغض النظر للسياق الدولي غير المستقر، نظرا لانتشار النزاعات المسلحة والتوترات الدولية والإقليمية، وما يخلفه ذلك من أثر مدمر على الحقوق والحريات في الكثير من مناطق العالم، وانحسار أفق التمتع بالحقوق، واتساع رقعة الانتهاكات لتشمل فئات الجماعات الأكثر هشاشة وضعفا كالنساء والأطفال، فإن الكثير من اطراف الصراعات الطويلة الأمد وكذا الناشئة تلجأ الى التجنيد المكثف والجماعي للأطفال لضمان استمراريتها وتعزيز أعدادها، بالمخالفة لكل الاتفاقيات الدولية التي تحظر تجنيد الأطفال تحت أي مسوغ. 
إن جنوح أطراف النزاعات المسلحة، وخصوصا الجهات غير الحكومية الى الزج بالأطفال القصر في الأشغال المرتبطة بالتجنيد العسكري والسخرة وأعمال التجسس، على نطاق واسع، قد استرعى اهتمام آليات الأمم المتحدة إلى خطورة المشكلة منذ عقود، وقد وثقت منظمة اليونيسف في السنة الماضية أكثر من 300 ألف انتهاك جسيم ضد الأطفال أثناء النزاعات في العالم خلال السنوات 18 الماضية، حيث بينت الإحصائيات الحديثة تعرض ما يزيد عن 120 طفل للقتل أو التشويه بسبب الحروب في مختلف انحاء المعمور منذ العام 2005. 
وقد دقت تلك المعلومات المستحدثة من قبل وكالات الأمم المتحدة المتخصصة ناقوس الخطر بشأن الأثر المدمر للحروب والنزاعات على الأطفال، وارتكان التنظيمات العسكرية غير الدولتية إلى التجنيد المكثف للأطفال لتعزيز صفوفهم، مع ما يترتب عن ذلك من استغلال جنسي وامتهان الكرامة وسخرة وارتهان حق هؤلاء الأطفال في الحياة والسلامة لجسدية وغيرها من حقوق سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية. 
وقد عرج الخبراء والمدافعون عن حقوق الانسان المشاركون في الندوة الدولة المنعقدة على هامش اشغال مجلس حقوق الإنسان، على الإطار المعياري الدولي لحقوق الإنسان المعني بحماية ووقاية الأطفال من الزج بهم في أعمال التجنيد وما يتفرع عنها من أشغال شاقة وقاسية بالنسبة للأطفال ومقوضة لنموهم البدني والعقلي في ان واحد، حيث استعرض المحاضرون مقتضيات المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل وفصلوا في الضمانات التي تمنحها اطراف الصراعات للأطفال خاصة أثناء نشوب النزاعات ووجوب تجنب تجنيدهم في الاعمال العسكرية، غير أنهم وضعوا الصبع على الداء بشأن حالة مخيمات الصحراويين بتندوف، لانعدام إطار قانوني دولي أو وطني يضمن أطفال المخيمات بالجنوب الغربي للجزائر، في غياب أي إحصاء  اممي بإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والدولة المضيفة للمخيمات لتحديد المركز القانوني لهؤلاء الأطفال وأفراد عائلاتهم. 
وذكر الخبراء المشاركون أن من بين هذه الصكوك الدولية، الاتفاقيات الأساسية المكونة للقانون الإنساني الدولي، وتحديدا اتفاقيات جنيف الأربعة عام 1949 وبروتوكولاتها الملحقة والتي ينص على أنه "يجب أن يحظى الأطفال باحترام خاص وحمايتهم من أي شكل من أشكال الاعتداء الفاحش"، كما يحظر تجنيدهم في القوات المسلحة والمشاركة في الأعمال العدائية. 
وعلى هذا الأساس، تم التأكيد على غياب أي مراقبة للدولة الحاضنة للمخيمات لحالة الحقوق والحريات بالمخيمات، وبخاصة عند الأطفال في وضع شاذ في العالم، يتعلق بتفويض سلطات دولة الجزائر لتنظيم البوليساريو العسكري، دون الاستناد الى أي التزام دولي يضفي شرعية على هذا التصرف غير القانوني. 
وأمام تحلل السلطات الجزائرية من اختصاصاتها بحكم الواقع في المخيمات، لم تقدم تقريرها الدوري الثالث والرابع لفحص مدى وفائها بمقتضيات البروتوكول الإضافي لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة منذ العام 2012، وكذا غياب أي معلومات إحصائية رسمية حول عدد الأطفال الصحراويين المجندين في صفوف البوليساريو، وكم عدد الوفيات فيهم، وكذا عدد الأطفال الذين تم دمجهم في الحياة المدنية إن تم ذلك، بل وتنكر أي انتهاك في هذا الصدد بالمخيمات، وفي غالب الأحيان ترفض الرد على تساؤلات خبراء لجان المعاهدات وأعضاء منظمات المجتمع المدني بخصوص وضعية أطفال مخيمات تندوف وإشكالية تجنيدهم. 
إن معضلة تجنيد الأطفال الصحراويين في صفوف البوليساريو، لا يمكن تفنيدها بسهولة، كما وضح المتدخلون، لتواتر الشهادات الحية على ارتكاب تلك الانتهاكات والصور والربورتاجات، بدءا من حملات ابتعاث وفود كثيرة من الأطفال الصحراويين الى كوبا، التي كانت بمثابة مشاتل لتفريخ جنود أطفال وعمال، لا يصلحون إلا للعمل العسكري الشاق والمضني وعمليات الشحن الايديولوجي المطول، ضد على مصالح الطفل الصحراوي الفضلى، بحسب ما تضمنته اتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر دولة الجزائر طرفا فيها. 
وقد اتجه النقاش في مقاربة مسؤولية الدولة الجزائرية على ما يقع في المخيمات، لا سيما في علاقة بحماية الأطفال الصحراويين من الانتهاكات التي ترتكب ضدهم، إلى عدم رغبة الدولة المضيفة في التنفيذ الطوعي لقرار مجلس الأمن رقم 1612، المتعلق بالية الأمم المتحدة للرصد والإبلاغ عن الأطفال، بحيث يتوجب إنشاء إلية وطنية تتمثل مهمتها في توفي الحماية للطفل لمنع الانتهاكات ضدهن وبخاصة في سياق النزاعات المسلحة او وضعيات اللجوء، بل والعمل على إنهائها والتعاون مع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة كاليونيسيف في هذا الشأن. 
وتجدر الإشارة، أن آليات المتحدة لحماية حقوق الإنسان على معلومات محينة الى حدود الساعة حول ارتكب البوليساريو للانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال  من عدمه، في ظل ضرب طوق على الولوج الى المخيمات إلا بمباركة السلطات الجزائرية، سواء تعلق الأمر بخبراء الأمم المتحدة المستقلين أو المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان ، وقد عبر المحاضرون من قلق من تواتر المعلومات بشأن ارتكاب تنظيم البوليساريو لجرائم القتل والتشويه للأطفال وتجنيدهم واستخدامهم من أجهزتها الأمنية وكذا الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي وعمليات الاختطاف ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم بتهريبها وبيعها بأسواق الدول المجاورة. 
وأمام تبرم دولة الجزائر عن التزاماتها الدولية المرتبطة بحماية الأشخاص المتواجدين على نفوذها الترابي الوطني بما يشمل اللاجئين وطالبي اللجوء والأشخاص الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف، وعدم إيلائها عناية خاصة لتوصيات اليات الأمم المتحدة بإلغائها تفويضها المعيب لسلطاتها القانونية والقضائية لتنظيم البوليساريو العسكري، الذي يمنح سلطات واسعة للتنظيم لفرض رقابة لصيقة على الأشخاص المتواجدين تحت إدارته وسلطته، وإخضاعهم لسياساته القمعية، فإن المشاركين في ندوة حالة حقوق الإنسان في شمال إفريقيا،  تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف نموذجا يدعون الى تمكين ساكنة مخيمات تندوف من حماية كاملة تحت وصاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والوكالات المتخصصة الأخرى لضمان  الاستجابة لحاجيات الصحراويين الإنسانية بعد إحصائهم عبر الية الحوار الفردي وفقا لمقتضيات اتفاقية وضع اللجوء للعام 1951 وبروتوكولها الملحق للعام 1967، بالإضافة الى ضمان الطابع المدني والإنساني لمخيمات، مما يوفر حماية للأطفال  من ظاهرة التجنيد وتفويت الفرصة على تنظيم البوليساريو لاستمرار فتح معسكرات للأطفال وعزلهم، والعمل على إدماجهم في محيطهم المدني الأسري. 
وارتباطا بالدعوة الى انهاء استغلال الأطفال في العمل العسكري في مخيمات تندوف، أكد الحضور أن هذا الهدف يتطلب تظافر جهود المجتمع الدولي والدولة المضيفة للمخيمات ووكالات الأمم المتحدة من اجل إعداد استراتيجيات لنزع سلاح تنظيم البوليساريو وتفكيكه وإعادة إدماج الأطفال الصحراويين والمراهقين المرتبطين بجهازه العسكري، والاستجابة السريعة لاحتياجات هؤلاء الأطفال وحمايتهم وتأهيلهم من اثار التجنيد ، ولضمان بلوغ تلك الغايات، نوه المشاركون في الندوة، الى أنه ينبغي تفعيل مضامين القرار 1612، بإنشاء الية وطنية جزائرية للرصد والإبلاغ عن عمليات التجنيد للأطفال بالمخيمات وكذا في جيشها الوطني، وتسهيل الحصول على المعلومات المرتبطة بأعداد الأطفال الصحراويين والجزائريين الذين تم تجنيدهم أو إخضاعهم  للعمل القسري العسكري او إقحامهم في أعمال التجسس أو حمل البضائع والمعدات العسكري أو تعريضهم للاستغلال الجنسي، ناهيك عن تثقيفهم وتقوية معرفتهم بمخاطر الانخراط في مجموعات مسلحة كالبوليساريو وعواقبها الضارة والمستمرة الأثر على صحتهم البدنية والعقلية. 
وشدد الخبراء المشاركون أن حظر تجنيد الأطفال في الجيوش غير النظامية مطلق، تم تطوير نطاقه هذا الحظر وتعزيزه في القانون الجنائي الدولي وتكييفه كجريمة حرب في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية باعتباره جريمة يمكن ارتكابها في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. 
واختتم اللقاء، في جو من اليقين بضرورة تدخل دولي لجبر ضرر الأطفال الصحراويين وإنشاء اليات لرعايتهم وإعادتهم إدماجهم في الوسط الاسري والمدرسي لتعزيز عافيتهم، وضمان تقديم خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي، وتتبع حالات الأسر الممزقة بفعل تجنيد اطفالها قسريا بجهاز البوليساريو ولم شملها. 
واعتبر الحاضرون أن حماية الأطفال ورعايتهم يجب أن تكون أولوية قصوى في مناطق تحيطها أوضاع الهشاشة، فما بالك بمخيمات لا تتوفر على الأحد الأدنى لشروط الحياة الكريمة، وغياب أي مؤشر للتمتع بأي حماية دولية تذكر ما لم يتم إحصاؤهم ومعرفة حجم حاجياتهم الإنسانية للاستجابة لها في افق حل مستدام للنزاع.