الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

بنعلي: مدينة فجيج المجال والتاريخ…

بنعلي: مدينة فجيج المجال والتاريخ… بنعلي بوزيان محمد، أستاذ باحث وكاتب له عدة مؤلفات
نبذة عن فجيج ومجالِها:
 
صرحت القيادات العسكرية الفرنسية غداة قصف فجيج عام 1903 م وقبله، أن بإمكان فرنسا مسح فجيج من الخريطة في ظرف قياسي، لكنها لم تفعل احتراما لرصيد فجيج التاريخي وأدواره.. ولا شك أن من بين هذه الأدوار ـ التي لم يصرحوا بها ـ أنها كانت قلعة متقدمة صامدة في وجه الغزاة الذين حاولوا اقتحامها للتوغل داخل المغرب، لكنها ـ ومن غير مبالغة ـ كانت تتحمل الضربات وتعقد الاتفاقيات لتبقى واجهة المغرب كما حصل مع الأتراك العثمانيين في نهايات القرن التاسع الهجري ـ الخامس عشر الميلادي ـ بل إن فجيج استطاعت أن تكون أما لعدد من المدن الصغيرة والقرى الفلاحية التي كانت ملكا خالصا لأهل فجيج.. فمن آخر الوثائق التي تم العثور عليها واحدة تؤكد بالتفاصيل أن القنادسة أرض مملوكة لأولاد بوسنينة الفجيجيين، والرحالة المشهور ابن ناصر الدرعي يقول بالحرف إن بشار كانت من أعمال فجيج.. والعمال المعينون من لدن المولى إسماعيل فما بعد كانت مقر اتهم بفجيج فيما يطلق عليه “دار الإمارة”.. والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
أما بيعة أهل هذه المواطن التي كانت تابعة لفجيج الأمّ للملوك المغاربة فثابتةٌ بالنصوصِ القاطعة، أبتعد عنها قليلاً لأذكّر ببيعةِ أهل تلمسان للسلطان مولاي عبد الرحمن (1822 – 1859م)، ولا الرسالة الاحتجاجية الغاضبة التي ردوا بها على رفض علماءِ فاس للبيعة واحتجاجهم على عدم صحتها بأدلّةٍ منها: “أن عامل السلطان العثماني في الجزائر كان متغلبا وبالدين متلاعبا، وعلى السلطان متمردا، ثم يلي ذلك بعد المسافة بين الجزائر والدولة العثمانية، وعجز هذه الأخيرة عن الدفاع عن نفسها، حتى إنها لم تستطع الدفاع عن مصر والشام لما استولى عليهما الفرنسيون، واستعانت في استرجاعهما منهم بالإنكليز، وأخيرا أن الإمام إذا ظهر ضعفه في قسم من دولته جاز إقامة غيره فيه. واستنادا إلى تلك الحجج جميعها قرر أهل تلمسان قطع علاقتهم السياسية بالسلطان العثماني وإقامة علاقة سياسية جديدة لهم مع سلطان المغرب.” (خليفة حماش، كشاف وثائق تاريخ الجزائر في الكتابات المتعلقة بالمغرب من العهد العثماني إلى العهد الراهن: 1/ 280)
 ونختم هذه النبذة القصيرة عن مجال فجيج باعترافات الفرنسيين، ووثائقهم والمراسلات المتبادلة بينهم وبين جماعات فجيج التي سجلت تبعية عدد من القرى الفلاحية لأهل فجيج، وهذا واحد منها يؤكد أنها بلا استثناء أملاك لأهل زناقة يفلحونها ويترددون عليها بصفة دائمة:
الجهة المكان المسافة من فجيج 
الجنوب الشرقي تمضْماية 30 كلم من فجيج
لعوج ( 300 هكتار ) 20
الجنوب الغربي نخلة بلبراهمي 35
ارفيعة 15
جْنانْ حادّة 13
بوسعيد 11
جنان الدار 11
تاسرا 10
بني ونيف 06
لعْزيبْ 07
الشرق زوزفانة 09
مسلو لصْفرْ 07
مسلو لكْبير 06
لمْراجي 05
تاغلا 05
سد وادي تاغلا 04
جنانْ بلال 05
الغرب الملياس 10
أما نحو الشمال، فالإشارت إلى تبعيتها لفجيج متواترة منذ عهد بعيد، وكنموذج نستعين بقصيدة الشاعر الفجيجي أحمد بن أبي القاسم الفجيجي الذي توفي في بدايات القرن الحادي عشر.. هذه القصيدة عدّد فيها أماكن تنقلاته في كل اتجاه، وكأنه كان ينظر إلى المستقبل القاتم الذي ستصبح عليه فجيج، فوثق ـ ولو للتاريخ ـ أن فجيج كانت في عهد من العهود أكبر مما هي عليه الآن في القرن الواحد والعشرين الذي غدت فيه أشبه بقصعة صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع.. فمن الأماكن التي ذكرها: المدور (مكان قريب من بوعرفة  كما جاء في رسالة القائد بلفقشيشبن دحمان إلى حاكم فجيج: يكون في علمك أن أهل المينة قطعوا الأشجار من ضاية اليهودية ومن اخنيق لحجل قرب المدْورْ) وادي الصفصاف (ذكره الهلالي في رحلته) تنزارة، عقلة موسى (تقع في أطراف تندرارة) المروت (أيضا في تندرارة).. وغير ذلك من الأماكن التي تؤرخ لجغرافية فجيج والمجالات التي كانت تدور في فلكها وباستطاعة الوثائق المحلية أن تفصل هذه المعطيات، وتؤكد أن فجيج كانت بالفعل أم المدائن في المنطقة، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك ولو أراد..
فكيف جرى للتاريخ حتى تتقلص هذه المدينة العملاقة من أطرافها، وتقص أجنحتها، من الجهات الثلاث.. ولم يبق لها بعد الاستعمار، وطغيان الجار إلا الجهة الشمالية.. وهذه البقية أجهز عليها التقطيع الإداري حينما استحدث جماعة عبو الأكحل عام 1992؛ فانغلق المنفذ الأخير، وبقيت فجيج من ذلك الوقت تعاني، وأخذ المسؤولون يتساءلون ويراسلون ولا من مجيب..