الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عثمان زويرش: النقابات-التنسيقيات.. من أجل الفهم بعيدا عن النزاعات العاطفية !

عثمان زويرش: النقابات-التنسيقيات.. من أجل الفهم بعيدا عن النزاعات العاطفية ! عثمان زويرش
تحت ذريعة إصلاح قطاع التعليم وسد الخصاص، عمدت السياسات المتّبعة في قطاع التعليم بما هو قطاع حيوي ورهنته  لحالة انسداد لا تنفك تتوقف لتستعر من جديد. فتحت مبرر الإصلاح، تم تفكيك أسس الدولة الإجتماعية و تطبيق "مرونة العمل" عبر اعتماد التعاقد كآلية وحيدة للتوظيف في قطاع التعليم منذ 2016، بما هو نمط هش للتوظيف، أدى إلى انتهاء الأمان الوظيفي من دون حتى أن يكون معرفا قانونيا. لقد بات يعيش القطاع حالة غليان مستمرة لا تنتهي، حالة الغليان هذه انعكست أيضا على الحركة النقابية. وبالفعل فشلت الحركة النقابية - أو أفشلت مساعيها- (نقابات وتنسيقيات على حد سواء) من وقف الزحف المتواصل للحكومات المتعاقبة عبر وزارتها الوصية على قطاع التعليم وعلى حقوق ومكتسبات شغيلة التعليم. 
وفي ظل هذه المتغيرات، برز معها اختلاف لافت بين شغيلة القطاع، ولا سيما في ظل غياب رؤية استراتيجية للحركة النقابية بقطاع التعليم حول خياراتها وآليات عملها وأدواتها، وتوجهاتها المستقبلية تعيد التوازن الإجتماعي المفقود بالقطاع لصالح الشغيلة. برز ضعف الحركة النقابية من جهة، فانحصر نشاط النقابات بالدفاع عن المكتسبات المهددة، ومن جهة ثانية، برزت تنسيقيات تسعى إلى تشكيل هياكلها النقابية (المستقلة)، وحصرت كل تنسيقية نفسها بمطالب فئوية وتقصي بشكل منهجي مطالب الفئات الأخرى من ملفها المطلبي بالإضافة إلى اعتبارهم منافسين لها؟ فاستعرالنقاش حول أحقية النقابات أم التنسيقيات لتمثيل نساء ورجال التعليم بمختلف فئاتهم ويمكنهم عبره تأطير سخطهم وحمل مطالبهم؟.
 
وضع النقابات ومستقبل التنسيقيات
تنامت ظاهرة تأسيس التنسقيات بقطاع التعليم في الآونة الأخيرة، تحت مبرر أن تأثير التنسيقيات على الحكومة ووزراتها في التعليم يعتبر تأثيرا قويا وواضحا، وهو ما لا ينطبق على النقابات، حيث يوصف تأثيرها بكونها محدودا ويفتقد للتمثيلية والفاعلية فهي تقف عاجزة حيال انسداد الأفق أمام نساء ورجال التعليم وحيال مسؤوليتها الأولى في تنظيمهم وتحقيق مطالبهم وتطلعاتهم. ومن هنا كان استحداث التنسيقيات مبررا، لاعتبار تميز الأداء النضالي الميداني للتنسيقيات إيجابيا عن النقابات ومن ثم فتأثيرها (التنسيقيات) في نزاعها مع النقيض (وزارة كانت أو حكومة) كان أكبر من تأثير النقابات، مع أن هذا التقييم الإيجابي قد يفسر من قبل البعض على أنه دليل على شكل جديد من النموذج القديم سابق في مسار النقابات، لكنه يصف بشكل دقيق التحدي الذي سار يستشري في الوسط التعليمي.

غير أنه ومن حيث معايير أخرى، هناك كثير من الأمور التي تتعلق بالنقابات و العمل النقابي والتي تتعدى مسألة العضوية وسوف يكون من العبث أن نحصر نفوذ النقابة وننظر إلى للنقابات من خلال منظور العضوية والتمثيلية، فلا ينبغي أن نتجاهل الغرض الذي تخدمه النقابات.، فبالاضافة إلى تمثيل كل العاملين بالقطاع منضوين تحت لواءها أو لا، فدور النقابة هو تمثيل كل شغيلة القطاع، فهي تشكل لبنة أساسية في سياق النهوض بالواقع النقابي وتعزيز دوره ومشاركته ليس في الدفاع وفقط ،ولكن في صياغة وتقييم السياسات العمومية في قطاع التعليم بما يحقق الغاية الأسمى للحركة النقابية المتمثلة بالدفاع عن الحقوق الشغلية والتأثير في صناعة القرارات التي تمس الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمرتفقين والشغيلة على حد سواء وبما يرقى بالمدرسة العمومية.
 
التنسيقيات واعتبارات «الثانوي» و«الرئيسي»..إلى أين؟
لعله منذ بداية بروز التنسيقيات زادت من تعميق الشتات في صفوف نساء ورجال التعليم وأخضعت قضيتهم تماما لاعتبارات وأولويات فئوية. كما الحال مع تنسيقية الأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم، تنسيقية ضحايا النظامين، تنسيقية الزنزانة 10، تنسيقية حاملي الشهادات، تنسيقية الدكاترة العاملين بقطاع التعليم، تنسيقية خارج السلم، تنسيقية، تنسيقية أطر الإدارة التربوية، تنسيقية أساتذة السلك الثانوي المستحدثة مؤخرا...وغيرهم من الفئات التعليمية المختلفة التي لكل واحدة منها تنسيقيتها الخاصة، تتميز بجزئية المطالب التي تتحرك من اجلها، لكنها تخل بالتضامن بين الفئات. ومع أن لكل هذه الفئات مشاكلها الخاصة، فإن النظرة من الخارج لها ولمسبباتها وسبل معالجتها وبصرف النظر عن مدى قوة أو ضعف هذه التتنسيقية أو تلك، فقد بات من المؤكد أن أكبر المتضررين هو  نساء ورجال التعليم، حيث تشتتت تمثيليتهم بين النقابة والتنسيقية، وتحول الصراع من أن يكون بين شغيلة القطاع والوزارة الوصية على القطاع، إلى صراع داخل مكونات الشغيلة نفسها.
فلقد جرى تأسيس العديد من التنسيقيات من دون أن تعبر عن حاجة فعلية.
لقد أظهرت تجربة التنسيقيات عيوبا في هياكلها التنظيمية خاصة فيما يتعلق بمساءلة قياداتها. وهذا راجع لربما إلى حداثة عهدها وطريقة إنشاءها المتسرعة في كثير من الأحيان. إن ضعف التنسيقيات لا يلغي أنها مناضلة، خاضت  وتخوض معارك كثيرة على مدار سنين عديدة،  ولكنها أو بعضها، بعدما واجهته من صعوبات، وبسبب غياب الخبرة التنظيمية، أصبحت ضعيفة وغير ملهمة ولا تعكس صوت الفئة التي تمثلها في الكثير من الأحيان. قد يبدو جليا- حتى الآن على الأقل- أن التنسيقيات في ميدان التعليم باتت تشكل يشكل عنصراً مثبطاً لأي تحرك نضالي تعليمي ضاغط باتجاه الحفاظ على المكتسبات التاريخية من استقرار مهني ونفسي للعاملين بالقطاع وتحسين ظروف العمل... 
لقد كان الأصل - حسب أنصار تأسيس التنسيقيات -  في استحداث التنسيقيات هو الاستقلالية في تحديد ما يصب في مصلحة الفئة التي تمثلها .ولقد اجتهدت في اعتماد عدد من الطرق الديموقراطية في اتخاذ القرار أثناء التأسيس، لكن مع مرور الوقت ظهرت بعض الاشكالات داخل التنسيقيات نفسها لها علاقة بسوء تدبير منسقيها للخطوات النضالية المنبثقة عن المجالس، وانحراف بعضها. ويمكن استحضار عدة أمثلة في هذا السياق. 

يبدو جليا مع استحداث التنسيقيات باتت الحكومات المتعاقبة ووزاراتها الوصية على القطاع تستخدم أكثر وسائل الزجر وحتى بدون الاستناد على  أي سند قانوني (اقتطاعات من أجور المضربين، توقيفات عن العمل، إنذارات، توقيف للأجرة،...)، بل باتت تتجه لتنتج قوانين مقيدة و مانعة لممارسة الحق بالتنظيم وبالإضراب والتظاهر. 
 
الفعل النقابي ومشكل الخلط
إنه مع استقراء معطيات التاريخ الحية، مولد/تأسيس النقابات بالمغرب بذاك الأمر الهين واليسير، فلقد نشأت الحركة العمالية المغربية في ظل ظروف قهر استعماري بالغ القسوة وفي ظل ظروف استغلال إقطاعي، فلقد ارتبط نضال الحركة العمالية المغربية بمختلف فئاتها ارتباطاً عضوياً بالنضال ضد القهر الاستعماري والاقطاعي.  ولقد انخرطت الحركة العمالية والنقابية المغربية في تعزيز النضال الوطني وتقوية بنيته ولم تفصل النضال النقابي عن أبعاده التحررية. فلقد كانت النقابة-وعليها أن تبقى- دوما كيانا حيويا، تستطيع أن تمارس دورا كبيرا في الرفع من الوعي بالواقع الاجتماعي والسياسي.  
فعلى ضوء هذه المعطيات ومن هذا المنطلق كانت النقابات دائما مطالبة بالانخراط الفعال في عملية التغيير الديمقراطي لمجتمعاتها، وهذا مدخل لا حل له إلا ببلورة رؤية شاملة لخيارات اقتصادية واجتماعية تنموية بديلة، فالتنظيم النقابي هو الوسيلة الوحيدة التي تمثل الشغيلة و يمكن عبره تأطير سخطها وحمل مطالبها وتعزيز مكتسباتها وتعاكس الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية المعاكسة لمصالح جميع المواطنين. 

النقابات-التنسيقيات..سيناريوهات واردة
وحيث أصبح "النمط الجديد من عدم الاستقرار الوظيفي" سمة مميزة في قطاع التعليم مع إدخال التوظيف بالعقدة، وحيث أن القوانين المقيدة للعمل النقابي لا تزال قائمة وتشل من قدرة الحركة النقابية على التوسع، وكذلك ضعف الخبرات التنظيمية لدى التنسيقيات ورفض الوزارة الوصية على القطاع الاعتراف بها، واعتبارا لجزئية المطالب التي تتحرك من أجلها التنسيقيات والتي تخل بالتضامن بين شغيلة التعليم. كل هذا أجّل لعقود أية مساءلة عامة للسياسات العمومية في مجال التعليم أو معارضة سياسية جدية للمسائل والاختلالات المتراكمة سنة بعد سنة والمهملة في قطاع التعليم، و يضع الحركة النقابية بقطاع التعليم أمام جملة الأسئلة التي يتحتم الاجابة عنها وذلك يزيد من حاجتها الى إعادة تأطير مطالبها. فالغليان الذي يعيشه القطاع يضع الحركة النقابية التعليمية أمام مسؤولياتها.

فعلى ضوء ما ذكرناه أعلاه، ولتتفادى النقابات التهميش من خلال استمرار الاتجاهات الحالية المتعلقة بانخفاض معدلات الانضمام ووجود نقابات هرمة وإزدواجية النقابات التي تدافع عن مكانتها مع المؤسسات الرسمية في ظل ظروف تزايد عدم استقرار العمل وانخفاض الحماية المؤسسية. وتجنبا لحدوث تدهور تدريجي. على النقابات أن تقوم بالدفاع عن مركزها وتقاوم من منطلق قوتها الحالية كل أشكال البلقنة النقابية التي تصيب القطاع، وألا تترك المجال لأشكال أخرى من العمل النقابي التي قد تكون أشكال عفوية وغير متصلة ومتشتتة تقصي الفئة فيها مطالب الفئة الأخرى.
 
النقابات التعليمية بالمغرب: الحاجة إلى أدوات مبتكرة
وفي ضوء ما سبق، يتعين على النقابات التعليمية إجراء مزيد من التقييم لاستراتيجيات التنظيم. فهي مدعوة لإجراء تقييمات معمقة، تسعى إلى تقييم تأثير الظروف المختلفة التي كرست حالة التدهور والجمود النقابي الذي باتت تعيشه الحركة النقابية بقطاع التعليم، فبعضها خارجي نتيجة التضييق على الحريّات النقابية ونهج مقاربات مقيدة للعمل النقابي، ما أدى إلى تدجين فئات عريضة من الشغيلة. وبعضها من صنع النقابات نفسها، نتيجة تحويل النقابات الى مؤسسات بيروقراطية يقتصر عملها على فض نزاعات في أماكن العمل وتوفير الخدمات، بالاضافة إلى غياب الأطر الديموقراطية التي تتيح المجال أمام إشراك جميع نساء ورجال في القرارات والهياكل النقابية بما يسمح بإنتاج عمل نقابي بديل ومبتكر، أضف إلى ذلك كون أغلب النقابات قد انبثقت عن نقابات أم مما لم يتيح-لربما- بعد ابتكار الأدوات الجديدة والكسر مع الأنماط النقابية التقليدية. 
إن التغيرات الكبيرة والسريعة بالقطاع تحذرنا بأن هناك بعض العوامل الأساسية التي تغيرت. مما يتطلب طريقة جديدة في التفكير ومناهج جديدة للعمل ووضع سيناريوهات مستقبلية حتى لا يتم استبدال النقابات العمالية بأشكال أخرى. إن النقابات مدعوة اليوم إلى تحليل والتغيرات التي حدثت في تركيبتها وألا تتجاهل التحولات الاقتصادية الجذرية التي تمر منها بلادنا والمنطقة عموما. فعلى النقابات إحياء أدوارها. وأن تتوصل إلى طريقة لتعزيز الممارسات الحالية لتجديد دماءها، وتغييرالاتجاه الحالي، وتنشيط هياكلها، والتوسع للوصول إلى ما يتجاوز قاعدة العضوية الحالية، والنجاح في تنظيم اجزاء من "الشغيلة الجديدة غير المستقرة".. على الحركة النقابية أن تلعب أدوارها في تجاوز الفراغ التنيظيم الحاصل في القطاع لمواجهة التحولات المتسارعة والجذرية التي تدفع فيها الحكومات المتعاقبة القطاع استجابة لإملاءات الدوائر المالية المانحة.
عثمان زويرش فاعل سياسي ونقابي