الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

بوزيد عزوزي: المصالح الحيوية للمغرب وعلاقات المغرب مع فرنسا   

بوزيد عزوزي: المصالح الحيوية للمغرب وعلاقات المغرب مع فرنسا    بوزيد عزوزي
لقد عرفت علاقات المغرب  مع باريس من 1912 إلى 1956  توترا شديدا وحرب تحرير مريرة قادها الشعب المغربي قاطبة، بقيادة متنورة من طرف عرش ملوكنا العظام، خلال فترة الإستعمار التي خنقت وطننا الغالي لمدة 44 سنة أنطلاقا من 30 مارس 1912، ثم دخلت مرحلة تعاون ثنائي منذ حصولنا على الحرية والإستقلال بعد عودة جلالة الملك المغفور له سيدي محمد بن يوسف رحمة الله عليه وكافة أفراد العائلة الملكية الشريفة، رحمهم الله جميعا، من المنفى السحيق بجزيرتي كورسيكا ثم مدغشقر يوم 16 نونبر 1955، عيد الإنبعاث، والإمضاء على وثيقة الإستقلال يوم 02 مارس 1956 بعد مفاوضات لا-سيل-سان-كلود وإكس-ليبان بفرنسا.
في غياب بلاغات رسمية من الرباط وباريس، ولمحاولة فهم ما يجري حاليا من تدهور متسارع في علاقاتنا مع باريس، أود التطرق إلى موضوع العلاقات الثنائية بين بلادنا وفرنسا من خلال محورين:

1- المحور الأول: مقاربة تصالحية مع التاريخ  من أجل المصلحة العليا لبلدينا.
2- المحور الثاني: مقاربة تذكيرية بروح اتفاقية برلين الإستعمارية ليوم الخميس 26 فبراير 1885 التي ارتكزت عليها اتفافية استعمار المغرب ليوم 30 مارس 1912 أو ما عرف باتفاقية "الحماية".
 
 
المحور الأول: مقاربة تصالحية مع التاريخ من أجل المصلحة العليا للبلدين،
 يتأتى هذا من خلال "تشخيص ميداني" مسؤول، يتم بأدوات مهنية "لحقل سوء التفاهم" الذي ظهر مؤخرا مع دولة فرنسا حكومة ومراكز القرار السياسي والإقتصادي، يمكن بكل بساطة الوصول بحكمة وروية إلى حلول ناجعة تهدف إلى المحافظة على "التوازنات السياسية والإقتصادية اللازمة" ذات الأبعاد الإستراتيجية من أجل حماية مصالحنا الوطنية بكل مكوناتها من الحيوية والحساسية إلى أقل من ظفر يمس بكرامة مواطنينا.
ينتج هذا التشخيص ويستخرج من كل المعطيات حتى الدقيقة منها ، بعد الأعلى أهمية ، على أساس ما هو مسطر في:
أ- الملف الكامل لعلاقاتنا مع دولة فرنسا التاريخية والسياسية والإقتصادية والثقافية.
ب- إبراز واستخراج كافة مصادر الإختلالات وتصدع التوازنات وتحليلها واستنباط نتائجها.
ج- على ضوء الإتفاقيات:
الثنائية، 
وتوجهات كافة بنود ميثاق هيئة الأمم المتحدة ومكوناتها، وقرارات الهيئات الدولية الموازية، وكل ما تلاه من حقوق قانونية وطبيعية للأمم والشعوب، وجميع الحقوق المشروعة التي برزت على ضوء التطورات الدولية في كافة المجالات والقطاعات.
 
هذا التوجه، المدبر على أساس تخطيط محكم، يجعل مسارنا الدبلوماسي ذو الأبعاد الإستراتيجية المتعددة المكونات السياسية والإقتصادية والمالية وغيرها، بعيدا عن كل تهور عديم المسؤولية ومزايدات غوغائية، اللهم ركوب صيغ التضخم الكلامي الذي قد يدفع إلى انزلاقات لا فائدة منها، ويصبح وبالا على مصالحنا الكبرى.
  
إن العلاقات بين الدول الثنائة منها والمتعددة الأطراف، تتطلب الحكمة البالغة في اتخاذ القرارات ولا يجوز التهور في التلاعب بها ولو بكلمة في غير محلها أو جملة في غير موقعها، لأنها قد تصبح وبالا على مصلحة الوطن والأمة.
 
مهما كانت نوعية المشاكل المطروحة بين الدول، على الدبلوماسية المكلفة بتدبير الملفات من وزارة الخارجية إلى البرلمان مرورا بالتمثيليات الدبلوماسية والقنصلية بكل أصنافها والمصالح التابعة لها، أن تتخذ كامل الحيطة والحذر حتى لا تسقط في فخ النزاعات الهامشية التي ينتظر أعدائنا استغلالها لقضاء مآربهم السياسية والإقتصادية ذات الأبعاد العسكرية والأمنية.
 
إن علاقاتنا مع فرنسا لها إطارها الخاص، ومهما كانت مساحة سوء تفاهمنا الظرفية علينا أن نعرف كيف نحافظ عليها بالموازاة مع تعزيز علاقاتنا مع كافة الدول الغربية بدءا بالولايات المتحدة الأميركية وكافة الدول:
المملكة المتحدة وإسبانيا وبلجيكا وهولاندا وألمانيا، حيث تتواجد جاليتنا بإعداد كبيرة في القطاعات الإدارية والإقتصادية والتجارية والثقافية.
 
بالموازاة علينا ألا نغفل عن تعزيز علاقاتنا مع الجناح الشرقي بالقارة الأسيوية وغرب القارة الأوربية الذي ما فتئ باستمرار وسرعة كبيرة يوثق تواجده ككيان اقتصادي وعسكري بأبعاد استراتيجية على المستوى الدولي .

المحور الثاني: مقاربة تذكيرية بروح اتفاقية برلين وعقد الحماية.
لقد دخلت فرنسا الإستعمارية أرض المغرب بقوة السلاح تحت ذريعة الحماية "مستنيرة" بالإتفاقية الممضاة يوم الخميس 26 فبراير 1885 ببرلين بكافة الدول الأوربية ودول أخرى ، التي ارتكزت عليها اتفافية استعمار المغرب ليوم 30 مارس 1912 أو ما عرف باتفاقية "الحماية".
 
أسوق التذكير بهاته الإتفاقية المشؤومة للإشارة إلى كل متتبع بالعودة إليها قصد الإطلاع عليها ودراستها وتحليلها من أجل فهم عمق روح الإستعمار وحيثياته الحضاراتية ومقاصده الإستغلالية وأهدافه الإستيلابية ، وهو إطار احتوائي عام لطمس آمال ومستقبل الأمم والشعوب.
 
ستظهر قراءة  متأنية لهاته الإتفاقية وكل الإتفاقيات الموازية والتالية، ستظهر بجلاء روح المرحلة التي تلت حصول الدول المستعمرة والمستضعفة وما ساورها من استغلال معيب لخيراتها الطبيعية، مشين لقوتها الإقتصادية، مقرف لاستيلاب طاقاتها البشرية والإبداعية. 
 
لفهم ما جرى أسوق فيما يلي حالة دول غرب إفريقيا التي ما زالت تئن تحت وطئة هاته الروح الإستعمارية البغيضة التي سادت خلال قرون والتي توجت رسميا باتفاقية برلين 1885. 
 
من المعروف أن دول مالي والنيجر وبوركينا فاصو/فولتا-العليا سابقا، وموريتانيا وغيرها من دول الساحل الغربي لإفريقيا غنية جدا بمعادنها من أورانيوم وذهب وفضة وغاز وبيترول ونحاس وحديد ومنغنيز وكوبالط وغيرها كثر كثر .
 
رغم ثراء دول القارة الإفريقية، فهي مصنفة دول فقيرة أو دون مستوى الفقر في جداول هيئة الأمم المتحدة الرسمية، فثلث سكان إفريقيا لا يأكلون حتى الشبع في بلاد الكاكاو والمانغ .
 
هناك بعض النسب المئوية في الإحصائيات الرسمية الواردة في محركات البحث التي تبين بكل وضوح مدى نسبة غناء وثروة هاته الدول مقارنة مع النسب المئوية والأرقام الناطق والمعبرة عن "مستوى تقدمها".
 
يلاحظ بكل وضوح من الأرقام الواردة، أن هاته النسب لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن غناء وثراء القارة السمراء ، ولا عن طموحات أبنائها ونخبها الواعية الملتزمة بالدفاع عن حقوق أوطانها وشعوبها وأممها.
لتسليط الضوء على هاته الحقائق المروعة، أسوق فيما يلي معدلات ناطقة بفصاحة أرقامها ولا تحتاج إلى تفسير أو تحليل، فهي كشمس على علم:
أ- مستوى الأمل في الحياة:
يراقص معدل مستوى الأمل في الحياة - معدل عمر الحياة - في هاته الدول الإفريقية حوالي 50 سنة، في الوقت الذي يتجاوز  82 عاما في فرنسا،  و84 في إسبانيا و86 في اليابان: 
في المغرب: 76,06 عام، موريطانيا: 63,8، مالي: 52,6، النيجر: 55,80، بوركينا-فاصو: 51,8 سنة.
ب- مستوى التمدرس: 
فرنسا: 99 %، المغرب: 71%، موريطانيا: 53 %.
مالي: 34% ، النيجر: 38%، بوركينا-فاسو: 30%.
ج- الدخل الفردي: في مالي والنيجر وموريطانيا وبوركينا-فاصو لا يتجاوز معدل الدخل الفردي 2000 $ في السنة، في الوقت الذي يصل فيه في فرنسا حوالي 52000$ لكل فرنسي، أي بضعف أضعاف 26 مرة .
د- مستوى النمو السنوي عام 2021: 
فرنسا: 6,8%، المغرب: 7,9%، موريطانيا: 2,4% ، مالي: 3,1%، النيجر: 3,6%. 
إن سياسة الأنظمة الغربية المتبجحة بالتقدم والحرية والديمقراطية والحضارة الخ هو نهب خيرات الدول المستضعفة وترك الحابل على النابل لا يهمها أن يشبع الإفريقي أو يجوع، أن يتداوى أو يمرض ، أن يدرس او يبقى جاهلا.
لله درك يا إفريقيا، أيتها القارة السمراء.
من خلال هاته الأرقام، يظهر بكل وضوح أن المغرب يتقدم كثيرا أمام الدول الإفريقية الأخرى، وهذا هو مربط الفرس.
لفهم ما يدور في فلك التخمينات الباريسية، هذان محوران قد يكونا من بين ما يجعل باريس تتعامل مع بلادنا بهاته المعاملات البذيئة وعلى الأقل غير الشريفة، فيدس السم في العسل ويركب الملحمات الصحفية كتابة وشاشة، ناهيك عن اجتهاد العاصمة الكولية La-Gaule في تفخيخ علاقاتنا مع دول ومؤسسات دولية أخرى أخرى:
أ- تحقد على بلادنا "وترفض أن ترى المغرب يركض بسرعة في مقدمة الدول الإفريقية" ، ملاحقا الدول الأوربية من بينها وعلى رأسها فرنسا.
ب- تحاول فرنسا "تشويه سمعة بلادنا" ، هذا الوطن الشامخ العالي الهمة الذي يمشي بخطى قوية مطمئنة بقيادة عاهلنا المحبوب جلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله وأمده بالصحة والعافية والطمأنينة ابن مولاي الحسن الثاني ابن سيدي محمد الخامس ابن مولاي يوسف ابن مولاي الحسن الأول سليل الدوحة النبوية الشريفة، الله وليه.   يظهر من ثنايا هاته المعطيات الرقمية أن فرنسا التي:
لا تزال تنظر لبلادنا من زاوية مؤتمر برلين لسنة 1885 وعقد الحماية لسنة 1912.
فرنسا التي لا تتحمل أن ترى المغرب يرفع رأسه الشامخ بقوة وهدوء، بنخوة حضارية وكبرياء تاريخي ، بطموح عازم وعزيمة لا تلين.
فرنسا التي لا تتحمل أن ترى هذا الوطن ذو التاريخ المجيد وقد وضع أقدامه الراسيتين في قلب إفريقيا النابض وقد احتك بمصالح أريفا Aréva وبويك Bouygues وألستوم Alstom وسويز Suez ، وبولوري Bolloré، والجهاز البنكي والمالي Système Bancaire et financier ، الخ هاته الشركات الفرنسية الجنسية أرضا ورأسمالا، ومن الزاوية القانونية متعددة الجنسيات Firmes multinationales للتهرب بقلب إفريقيا كما في جنوب أميركا وآسيا، من القوانين الضريبية الفرنسبية والملاحقات القانونية المحتملة والواردة. 
فرنسا التي ترفض أن ترى المغرب، هذا الوطن العظيم، وقد دخل في "دينامية تنافسية قوية"، حركية مشروعة بحكم قوانين الليبرالية الشريفة في القارة السمراء، التي طردت فرنسا خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، بعزيمة رجالها الأشداء الأشاوس وشجاعة فلذات أكبادها  الأفذاذ. 
فرنسا هاته تضيع وقتها وتحرق طاقتها في "غياب تام لأي ذكاء سياسي" و"غياب مطلق لبعد النظر المطلوب لتدبير العلاقات الدولية: التي دخلت منعطفا كبيرا جدا على ضوء التطورات المتسارعة التي تسطر بذكاء كبير وبعد نظر حليم حكيم ثاقب. 
طوبى لك ياوطني المغرب الحبيب، فمواطنوك إسمهم "المغاربة الأقحاح الأشاوس" جدهم مولاي ادريس ابن عبدالله الكامل ومولاي ادريس ابن ادريس وموسى ابن نصير وطارق ابن زياد ويوسف ابن تاشفين ومولاي اسماعيل وسيدي محمد ابن عبدالله ومولاي الحسن الأول وأبناؤه محمد بن عبد الكريم الخطابي وموحى وحمو الزياني ومحمد بن يوسف والحسن الثاني ومحمد السادس الذي يقودهم منذ 1999 ، بذكاء قل نظيره وحدس سياسي فريد من نوعه وهدوء أربكهم وتواضع أدهشهم ، نحو أفق التقدم والازدهار الذي ترفظه فرنسا بل تحاربه ، فرنسا التي آلت على نفسها إلا أن تجتهد في كبح طموح وجموح أمتنا المشروع  نحو الرقي والإزدهار والحرية السياسية والإقتصادية والثقافية..
 
بوزيد عزوزي/  أستاذ جامعي ومدير سابق لمدرسة ISCAE الرباط ..