الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

جبـري: بين فتوحات الخروج من القُمقم وتحديات شبكة التواصل الاجتماعي في كتاب :البرلمان وحقوق الإنسان، لعبد الرزاق الحنوشي

جبـري: بين فتوحات الخروج من القُمقم وتحديات شبكة التواصل الاجتماعي  في كتاب :البرلمان وحقوق الإنسان، لعبد الرزاق الحنوشي ادريس جبري، الأستاذ المتخصص في البلاغة وتحليل الخطاب
في هذه الورقة يقدم ذ. ادريس جبري، أستاذ متخصص في البلاغة و تحليل الخطاب ومشرف على الإجازة المهنية في الصحافة بجامعة مولاي سليمان ببني ملال، قراءة جديدة لكتاب الباحث عبد الرزاق الحنوشي “البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات”، معتمدا فيها بالأساس أدوات تحليل الخطاب وتأويل بعض المضامين والرسائل التاوية في الكتاب

 

أولا- خُطبة لي إلى عبد الرزاق الحنوشي: تنبيه وتخيير

تنبيه وتخيير: قف لا تقرأ هذه الخطبة !!

هذه الخطبة التي سأخصص لها مساحة من هذه المقالة، خطبة لي، وخاصة بي وحدي، ووحدي أهمس من خلالها في أُذن عبد الرزاق الحنوشي، كمسار ومسيرة، وكمؤلف لكتاب عن البرلمان وحقوق الإنسان (2022). لن يخسر شيئا إذا تجاوز هذه الخطبة، ولم يطلع عليها،  فلن يتغير في مُلك الله ومُلكه شيئا. حتى إن قرّر، لسبب أو لآخر، قراءتها لفرط الفضول،  فلن تزيده سوى ما هو عليه، بل قد يخسر جراء قراءته لها دقائق معدودة من ثمين وقته، وجُهدا هو أحوج إليه في تأمل الخطبة الثانية، هي خطبة له، وله وحده، قد يكون أجُرها أضمن، ونفعها أفيد. لذلك لا أنصحه بقراءة هذه الخطبة الأولى، ولا أنصح القراء الكرام هم أيضا أن يتكرموا بوقتهم وطاقاتهم في  تهجّي خطبة ليست موجة إليهم، إلا من باب الفضول والرغبة الجامعة في التلصص على الغير، أي أنا  إدريس جبـري وعبد الرزاق الحنوشي. (انتهى التنبيه والتخيير)

أهداني الكاتب عبد الرزاق الحنوشي كتابه، البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعيات وممارسات، يوم 08 مارس 2022، وبتوقيع بعبارات معدودات، دون ذكر الزمان (اليوم العالمي للمرأة) ولا المكان (البرلمان)، على رمزيتهما بصدد ما نحن فيه، وحتى دون أن يراني أو أراه. جاء الإهداء عبر وسيط مشترك، "في سياق غير السياق"، وفي شروط غير الشروط؛ مع ذلك حدث، وإن بشكل نمطي بحكم طبيعة العلاقات القائمة بيننا، والتنظيمات المشتركة التي جمعتنا، وربما حتى الأفق الذي نُؤمّلُه معامن جهتي أجزم أني عرفت عبد الرزاق الحنوشي لسنوات طويلة، والتقيته في مناسبات كثيرة، وفضاءات مختلفة، ومع معارف مشتركة، وتبادلنا التحية والسلام، وبعض الهمهمات، ولكن كنا نلتقي لقاء "الغرباء"، دون أثر يمد الجسور، أو يعمق العلاقة ويضمن أمدها. نلتقي بالصدفة والعَرض فحسب، ليمضي بَعدهما كل منّا إلى غايته، حتى إذا عزّ اللقاء التقينا عبر الوسائط الاجتماعية أولا،  فاللقاء الواقعي والتاريخي ثانيا، في بني ملال يوم 16 ماي 2022

كان اللقاء حول تكريم الأستاذ إدريس اليزمي، بما هو علامة من العلامات البارزة في البذل والعطاء ل "حركة حقوق الإنسان، وطنيا ودوليا" (من إهداء الكتاب، ص7)، وفي ذات الوقت مناسبة لقراءة كتاب البرلمان وحقوق الإنسان وتوقيعه، لكاتب أعرف أنه محسوب على الفلسفة ومجاز فيها، وصحفي رغما عنه في سياق كان ولم يعد، وناشط جمعوي كباقي المنتمين لنفس الأفق  "اليساري" «التقدمي»، وفي الوقت نفسه أعرف تمام المعرفة،  أنه إطار بمجلس النواب لسنوات (1994 إلى اليوم)، وشغل في ديوان وزير بحجم الوطن، ومديرا سابقا لديوان  رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (2018-2011)،  كما أقر ببعض ذلك هو نفسه في ظهر غلاف الكتاب. وأزعم أنه لا يعرفني بالقدر الذي أعرفه، وأعرف بعضا من خريطة مساره  النضالي والجمعوي (ص 354، حفريات صحفية للمحافظ)، إلى أن جاء كتابه و»جاء» معه شرط صداقة كانت بالقوة فتحولت إلى صداقة بالفعل، بلغة أرسطو، وبأفق جديد...

قرأت كتاب، البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعيات وممارسات، من ألفه إلى يائه،   وبجرعات متقطعة، وإن كنت بين الفينة والأخرى أُذكّر نفسي بأني بعيد عن اهتمامات البرلمان وممارساته،  وما يتصل به،  وغريب أيضا، من باب التخصص، عن مجال حقوق الإنسان، بمرجعياتها  وفلسفتها، وجوارها الدولي والوطنيبمعنى أني سلّمت في البدء بهذا «الإحساس»، وأنا «أتجرع» بعض الصفحات الأولى للكتاب، بكسل وفتور. لكن، وأنا  أتقدم في القراءة، و«أجول» في عوالم الكتاب ومضامينه بدأت الشهية تتفتح، وشرعت في «التهام» ما  تمسحه عيناي «الصغيرتين» وتسمح به، و«أغوص» في تفاصيل ما أتَهَج جمله السلسلة، وعباراته المنتقاة بميزان الذهب. أدركت مع تقدم التهجّي  والقراءة، أنني لست بعيدا عن البرلمان وحقوق الإنسان، ولا غريبا عن  ممارستها في المغرب، ولا جاهلا بمرجعياتها الكونيةوجدتني، على كل حال،  أعمق معرفتي بحقوق الإنسان، وأسترجع مرجعياتها العالمية، في سياق تدريسي لوحدة: أخلاقيات مهنة الصحافة لطلبة إجازة مهنية في الصحافة والإعلام ذات الصلة الوطيدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومؤسساتها الموازية، وأسترجع، ما ترسخ عندي عبـر سنوات من خلال اشتغالي على المشروع العلمي لمحمد عابد الجابري، وأنا أُعد أطروحة جامعية في أعماله،  ما جاء في كتابه عن، الديمقراطية وحقوق الإنسان  (1994) ،  ومن جهة متابعتي لما ينتجه بعض الأصدقاء من الباحثين في هذا الإطار، من ضمنهم حسن طارق وكتابه، وحقوق الإنسان، أفقا للتفكير (2018) .  

كما تنبهت متأخرا، وقد «تورطت» في قراءة الكتاب، أنني  أعيش تفاصيل الممارسة البرلمانية المغربية في بداية ولايتها الحادي عشرة، وعلاقتها بحقوق الإنسان،  بالمتابعة والمواكبة، المباشرة وغير مباشر، مما علّق غربتي بالكتاب، وحمّسني  للكتابة في إحدى إشكالاته في هذا الباب، من جهة نظر مخصوصة. وفوق هذا وذاك وذَيْنِكَ، يمكن أن ألِج إلى عوالم الكتاب من بوابة محلل الخطاب، وما تتيح من رصد آليات اشتغال الكتاب من ناحية، وتؤكد  من ناحية أخرى أن حقوق الإنسان مشترك إنساني يتساوى فيه كل الناس، من أي موقع وتخصص ووجود، وتشهد أن البرلمان، إلى جانب  أنه مؤسسة دستورية يؤدي وظائف دستورية من قبيل التمثيل  والتشريع والرقابة على الحكومة، فتقييم السياسات العمومية، من أجل صالح المواطنين، وأنا واحد منهم.

غير أن  الاستراتيجية التي اعتمدها عبد الرزاق الحنوشي في بناء كتابه وتصميم عناصره، فضلا عن  الإشكالات الراهنة والحارقة التي تناولها وأفاض، والمعطيات المعرفية التي بسط،  واللغة التي صيغت بها، واستحضار تاريخ إصدار الكتاب (2022) بعد «سبات طويل» (Hibernation) في الكتابة والتأليف الممنهج، وحيثيات إقامة طويلة في ظلال كهف أفلاطون، تتحرك أمام الحائط،  تستدعي، على الأقل في نظري وتقديري، إضافة عتبة /خطبة ثانية قبل الدخول في تفاصيل الإشكالية التي اخترت الخوض فيها، قد تكشف عن قيمة الكتاب الذي نحن بصدد النظر فيه، والآفاق التي يعد بها، والاقتراحات التي نعرضها عليه.

ثانيا- خُطبة لك: خروج الحنوشي من كهف أفلاطون، وقُمم سليمان ومفارقة بيضة الديك

 

تنوير وتخصيص: خطبة الخروج وفتوحاتها للحنوشي وحده لا شريك له

هذه الخُطبة الثانية بعد الأولى، ليست موجه للقراء الأعزاء،  ولكن لهم ما بعدهما، ولهم الكلمة الوصل والفصل حينها. إن خطبة الخروج هي أقرب إلى الكاتب منه إلى غيره. ولذلك فهي خطبة للحنوشي من جهة، له أن يقرأها ويتأملها دون أن يعود إلى حيث كان،  ومن جهة أخرى، هي  خطبة له، في نظري، لا تعنيه إلا باعتبارها مناسبة فقط لتهنئة الكاتب الباحث، من سلامة الخروج من ظلمات كهف أفلاطون، وحصوله على حريته من دهاليز الكهف وغياباته المظلمة، وقد عانق الحرية وتنشف بنور، ونزغرد له، وقد تمكّن ب «حيل»، لا يعدمها في هذا الباب، من الإفلات من ضيق قُمقم سليمان وعبوديته، ومعانقة الحرية بأفضالها. بل هي خطبة له تُبارك له المولود الجديد، وتتيمّن أن يكون كتاب كاتب ناشئ على غرار، اعترافات روائي ناشئ، لأمبرتو إيكو، باض رواية اسم الوردة في سن غير السن، وخالها الناس عصرئذ  بيضة الديك، فخاب ظن المنجمين... «انتهى التنوير والتخصيص».

لم أقرأ لعبد الرزاق الحنوشي سوى كتابه، البرلمان وحقوق الإنسان. ذلك ما أتيح لي، وربما ذلك ما أتاحه لنا ولغيرنا من الممكن  المتاح حينها لبعض الأسباب المذكورة أعلاه . اعتقدت الكتاب بيضة الديك. لكن، سرعان ما خاب تقديري، لحسن الحظ، كما سيظهر لاحقا. فقد انتفض الكاتب وأصر على الخروج من قمقم سليمان ليرى نور الحياة وآملها، وقد أطال المكوث في كهف أفلاطون، بمسؤولياته المتعددة التي تُدار أطوارها  في الدهاليز ومقتضياتها، وتحاك  ترتيباتها في الكواليس  ومتطلباتها . ولمّا تحرر من أعبائهما، وكسّر الأصفاد وفُتحت الأبواب صعد من غياهب الكهف، ورأى نور الشمس،  وعاين دهشة الحرية، فدشن بصعوده ذلك، ودهشته تلك بيضة ديك بمُحّين: مُح البرلمان، ومُحّ حقوق الإنسان. هل سيستمر الرائي في النظر إلى الشمس بنورها الساطع،  على شاكلة الأبطال التراجيديين، على خطورة القرار، أم  سيتولى الأدبار، ويعود بحكم العادة، وأُلفة ظلال الكهف وأشباحه  إلى قُمقم سليمان، وعادة حليمة وما شبّت عليه وشابت عليه، فتترسخ بيضة الديك الوحيدة، والكتاب الفرد المتفرد؟

يذكرنا الحدث وسياقه وتناصه ببيضة الديك وكتاب الحنوشي  بقصيدة شهيرة للشاعر بشار بن برد، مع مراعاة للمقام والمساق، ونحن نخشى  على أطيب الناس مما شاب عليه، ألا يزورنا وقراءته إلا مرة في الدهر، وتصدق عليه بيضة الديك» (يا أَطيبَ الناسِ... قَد زُرتِنا مَرَّةً في الدَهرِ وَاحِدَةً ***عُودي وَلا تَجعَليها بَيضَةَ الدّيكِ». إنها مفارقة الديك البيّاض التي تمكن الحنوشي، ومن على شاكلته، أن يفك لغزهاالديك طبعا لا يبيض، ولكن يمكن أن يبيض مع الحنوشي بالنظر إلى إصراره، فجأة، الخروج إلى نور الشمس وحقيقتها،  وتكسير «أغلال»  المهنة وإكراهاتها، والخروج من القمم وضيقه، لارتياض عوالم المعرفة والكتابة والتأليف، واستنشاق هواء هو هواؤه دون غيره. ذلك، ما برهن عليه لمّا أقبل، بقوة وشجاعة و«سرعة» أيضا في نشر مجموعة من الدراسات في مجال اهتمامه وجوارها، وفي منابر مُحكّمة، والإعداد لأخرى، ثم الخروج إلى الإعلام والفضاءات الجامعية والوعد بالقطع مع تصاوير (Simulacre) أفلاطون، القديمة والجديدة، وممارسة البحث العلمي بقواعده المرعيةوهو ما سنبرزه في هذا الفقرات الموالية، على أن نعود إلى ما وعدنا التركيز عليه في الكتاب لاحقا.   

ثالثا- البرلمان وحقوق الإنسان، كتاب أكاديمي خارج أسوار الجامعة

 

من مارس مهمة الإشراف على شهادات الدكتوراه وأطر طلابها، أو على الأقل من خَبر البحث العلمي الأكاديمي ومارسه، وتمثل قواعده، يدرك بيسر وسهولة، أن عبد الرزاق الحنوشي بكتابه، البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعيات وممارسات، بصدد إعداد بحث أكاديمي، بكل معاييره العلمية، وقيمه الأخلاقية، ومخرجاته المعلومة. فقد أنجز بذلك، وفي إطار القانون العام والعلوم السياسية، ما تتوفر عليه أطروحة جامعية في مستوى شهادة الدكتوراه. ويبدو، أن «الدكتور» عبد الرزاق الحنوشي، قد حصل بهذا الكتاب، على ميزة مشرف جدا، مع توصية اللجنة العلمية بالطبع. وفعلا، تم الطبع والنشر، وأصبحت «الأطروحة»، البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعا مؤسسا في موضوعها وأفقها. وكأن «المشرفة» عليها، والمتابعة لأطوار إعدادها وإخراجها كانت هي المُصدرة لها الدكتورة خديجة مروازي، أستاذة باحثة بجامعة ابن طفيل، ومناضلة حقوقية لامعة. فيما يمكن اعتبار تقديم محمد بوعزيز، مدير الشؤون البرلمانية سابقا بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، الأمين العام السابق للمجلس الدستوري،  «شهادة» حجة مُصدّقة لكل ما له صلة بالبرلمان والتشريعات ذات العلاقة بحقوق الإنسان، بعدما اطمأن «على صدقية وجدية العمل (ص 12). أما كل من جمال المحافظ ومصطفى الناوي فيمكن اعتبارهما، إلى جانب ما أخبر به «الطالب الباحث»/ الكاتب، عضوين مناقشين للأطروحة، ومجيزيها. أما الباقي المشار إليهم في شكر وعرفان الكاتب، فيحدث أيضا في الأطروحات الجامعية، ذكر الفضل لأهله،  كل من موقعه وطبيعة فضله وقدره، ممن نعتهم ب»جنود الخفاء»، منهم خالد المسفيوي، وعزيز أزغاي، ومصطفى الخلعي، والمصور الصحفي رشيد تنيوني، وجهاد بلغزال. ولأهمية الكتاب، وشروط البحث القاسية، ومقتضياته الصعبة، وآثاره الممتدة، لم يجد بداً من الوفاء لصاحبة الفضل فاطمة الكيحل، وعلى صاحبة الوفاء زوجته ورفيقة دربه وبحثه فاطمة بسباس، وابنته آمال، شاهدة على أسئلة غير أسئلة جيلها من أجل جيلها. لقد أدرك الكاتب الباحث، بوفاء رهيف بأن «الأضرار» حاصلة، لمّا نأخذ بدون حساب، ممن يُعطي بلا حدود. ليبقى إهداء الكتاب لتاج الكتاب،  وبوابة الأمل، إدريس اليزمي، شبيه بإهداء فريديريكنيتشه لكتابه الأول، ميلاد التراجيديا، للموسيقار العالمي الألماني ريتشارد فاغنر (Richard Wagner ) قدوته "المثلى"،  وأبه الروحي (Son Parrain). إهداء بطعم الوفاء والاعتراف والاحتضان الأبدي، ليس فقط لما «قدمه لحركة حقوق الإنسان، وطنيا ودوليا»، ولكن أيضا لأفضال عليه  لم يذكرها الكاتب بشكل مباشر، إما لكثرتها وتعذر تعداد عطائه وأفضاله، أو للمقام «الرمزي» العالي للُمهْدَى إليه، وقد تعذرت لغة الكاتب الإحاطة بها، وهو المحسوب على الفلسفة ومن أهلها، ممن يخضون في الماورائيات وأسرار «حقائقها».

لقد حدد الباحث عبد الرزاق الحنوشي، وبإحاطة كوكبة من «المرافقين» المقربين، موضوع اشتغاله في  حقوق الإنسان، من جهة، بمسار نشأتها وأصول مرجعيتها الكونية النظرية، ومن جهة أخرى استقراء حصيلة منجزها، ومبادراتها، وجرد مقترحاتها ومراقبتها  والتشريع لها في البرلمان المغربي، بمجلسيه،  وبالتالي تحليلها وتفكيكها ونقدها واستشراف آفاقها، وبالتحديد خلال الولاية العاشرة (2016-2021). وكأي أطروحة جامعية، فقد أفاض الباحث في بسط  أسباب اختيار التركيز على تلك الولاية دون غيرها، في متن الكتاب وعلى امتداده، وإن سكت سكوت «القبور» عن الكلام المباح، وهو يعلم أنها الولاية التي ترأس فيها الحبيب المالكي مجلس النواب، وكتب عنها، وشهد عليها، وترأس فيها عبد الحكيم بن شماش، مجلس المستشارين. فإشكالية البحث معلومة ومؤطرة ومسيجة بكثير من العناية والدقة، إنها علاقة البرلمان بحقوق الإنسان،  مرجعيات وممارسات، أي نظريا وتطبيقيا. وتلك خطوة أولى وحاسمة في أي عمل ينحو منحى العمل الأكاديمي. أما الخطوة الثانية في الطريق نفسه، فتتعلق بالمنهج وأدوات الاشتغال، وإن لم يفرد لها الباحث حيزا محددا إلا أنه شغّل في كتابه المنهج التاريخي، وهو يرصد تاريخ نشأة منظومة حقوق الإنسان وسيرورتها تطورها الكوني، كما استعان بكثير من آليات البحث العلمي، مثل الاستقراء والمقارنة والإحصاء، وغيرها.

وسيرا على هدى البحث العلمي كما هو في الأطروحات الجامعية، واعيا بذلك أو غير واعٍ، فقد  تطرق الباحث في الخطوة الثالثة من بحثه، إلى أسباب اختيار الموضوع، أو مسوغات اختياره له، كما أسماها الكاتب. منها ما يرجع لاعتبار ذاتي،  متصل بالمسار المهني للحنوشي، وهو في قلب المؤسسات ذات الصلة بالبرلمان وحقوق الإنسان، ومن موقع متطوع في جمعيات مدنية  ذات توجه حقوقي (انظر جمال المحافظ، ص 233)، وكاتب صحافي في إعلام  حزب «يساري» و«تقدمي»  انتمى إليه  في غمرة الشباب وتوهجه إلى جانب مجاييله من قبيل محمد الساسي ومحمد حفيظ وأحمد بوز وحسن طارق، وعزيز أزغاي» من مصممي غلاف الكتاب»،  وغيرهم كثيـر «ص 163-164، أوراق من زمن السياسة لحفيظ وبوز»، وآمن  بخطه السياسي والأيديولوجي، وانتظم في تاريخ نضالاته «الصعبة» من أجل إقرار الديمقراطية وطلب حقوق الإنسان وترسيخها. إضافة إلى كونه  إطارا بمجلس النواب، ومطلعا مباشرا على مجريات التشريع فيه، ومصاحبا لصناع القرار فيه، وشاهدا على «كواليس» «مطبخه» السياسي والتشريعي وتفاعلاتها، بل ومتنقلا بين ظلال  ردهاته،  وعارفا بمتاهاته (Labyrinthe) بألوان الطيف.

لم يقف الأمر فقط عن تلك الاعتبارات الذاتية المذكورة أعلاه، بل عَضدَتْها خلفية تكوين فلسفي رصين في زمن الفلسفة «المناضلة»، ونهضتها العابرة  للعُربَان، سيظهر آثارها في التناول والمعالجة، والنقد والتقويم، وفي مُدخلات الكتاب ومخرجاتهوإذا زدنا في دور الذاتي في اختيار موضوع البحث، واستحضرنا مسؤولية الباحث في دواوين بعض الوزراء، من رجالات الدولة المغربية و«صُنّاع« «تاريخها« الحديث، بمسارات مُتموجه، ثم ذكرنا أنه كان مديرا لديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (2011-2018) بقيمته الرمزية، وشموخه النضالي، ورعايته «الأبوية« من ناحية، ومن ناحية ثانية وتحت رئاسة  أحد أكبر ضحايا حقوق الإنسان، زمن العسف والاعتقال، فردا وأسرة وتوجهاً، وأضيف من عندي، من ناحية أخرى،  رُفقته رموز في البرلمان وحقوق الإنسان ونشطائها وصناعها، أدركنا أهمية هذا الاعتبار الذاتي في الاختيار وفي الإنجاز  والثمار على حد سواء

أما ما يرجع إلى الاعتبار الموضوعي، كما جاء في تقديم الكتاب/ الأطروحة،  فيتمثل بالأساس فيما نعته الباحث بغياب الاهتمام بمنجز المؤسسة التشريعية بقضايا حقوق الإنسان وشُح الكتابة فيها. وبين المسوغات الذاتية والموضوعية، كما يرى كانط، حيث يتميـز الإقناع (Persuasion) عن التيقين Conviction)) يكون فيه  المسوغ الأول "اعتقادا ذا سند ذاتي ليس إلا، والثاني ذا سند موضوعي" «بيرلمان، ص 106)، إذ يرتبط الأول بالمحركات الذاتية، بأهوائها ونزوعاتها، ويتوجه إلى قارئ  يعرف الحنوشي وخَبِره في مختلف المواقع والوضعيات، وإقناعه أيسر من غيره، فيما يرتبط الثاني بالعرض «الحيادي» للمادة المعرفية الواردة في الكتاب،  وتوخي المسافة الضرورية في العرض والبسط لأصول حقوق الإنسان وامتداداتها، ويتوجه إلى قارئ  محتمل، وبمحركات عقلية ومنطقية وحجاجية معقولة، تخاطب، ما أطلق عليه شاييم بيرلمان، بالمُسْتَمَع الكوني  (Auditoire Universel) . 

وعلى العموم، فعمل الحنوشي في هذا الكتاب، عمل يطلب إتمام فراغ كبيـر وحاصل في «الاهتمام بمنجز المؤسسات التشريعية»، وهو مسوغ مركزي وحاسم وحده كاف في اختيار موضوع الاشتغال، وفي الوقت ذاته، المحدد لقيمة البحث» الأطروحة ونتائجهوتليها الخطوة الثالثة، دائما في مجال البحث العلمي، وإنجاز بحث أكاديمي، تتعلق برصد الأبحاث السابقة، وتقويمها ونقدها في أفق تجاوزها وتدارك نقصها، بل والتبشير بجيل جديد من حقوق الإنسان نتيجة الثورة الرقمية، وتداعيات شبكة التواصل الاجتماعي، كما سنرى لاحقا، على البرلمان وحقوق الإنسان، تنظيرا وتطبيقافالباحث لا ينفي أولى الكتابات بخصوص ما عبر عنه، بالعلاقة المتبادلة بين البرلمان وحقوق الإنسان، وبالتالي لا يريد أن يدعي السبق في الموضوع، ولكن  يريد أن ينبه أنها كانت منجزة متداولة، وفي الوقت ذاته محدودة ومحكومة بسياقات كانت ولم تعد، (الحنوشي، ص 15). ويحيل   في هذا الإطار، على  نماذج دالة في بابها، منها دراسة تأصيلية قام بها العربي بنعثمان سنة 1984، لما اشتغل على الولاية التشريعية الثالثة (1977-1983) وأخرى أنجزها حبيب الدقاق سنة 2018، نشرها في مجلة متخصصة، وأغلبها الآخر، ظل محكوما بما أورده في الباحث تحت مسمى «الإحجام الذاتي»، في رصد أداء البرلمان في مجال التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في زمن ما كان يدعى عصرئذ  بزمن الجمر والرصاص.

 أما الخطوة الرابعة، فتقوم على تقديم البديل المنتظر من البحث،  وتحديد الأهداف المرصودة، وهو ما عبر عنه بانتقاء العبارة، وتدقيق المصطلح،  وبنَفسٍ حجاجي واثق، في نص نورده على طوله، قائلا:"وإذ يسعى هذا العمل بالخصوص إلى الجمع بين الجوانب ذات الطبيعة المعيارية والعلمية والعملية، حيث سيتم استحضار مجمل الأدبيات والوثائق المرجعية بعضها معروف ومتداول، والبعض الآخر محدود الانتشار، فإنه من جهة أخرى يستحضر ما استرعى انتباهي خلال مساري المهني والجمعوي من غياب للجسور المعرفية بين المشتغلين في مجال حقوق الإنسان، خبراء ونشطاء ومسؤولين، وبين البرلمان بمنتخبيه وأطره المساعدة، فيما يتصل بمجال حقوق الإنسان، فالطرف الأول يشتغل وفق ما أنتجته منظومة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، في حين يشتغل الطرف الثاني، وفق ما تنتجه منظومة الاتحاد البرلماني الدولي والتنظيمات البرلمانية الجهوية أو القارية أو الموضوعاتية، لكن التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان يقتضي، من بين ما يقتضيه، توسيع وتنويع وتجديد الثقافة الحقوقية وتحقيق نوع من الالتقائية في المقاربات وأساليب العمل، لأجل ذلك عملنا على تقديم أهم الوثائق المرجعية في المنظومتين وإبراز مستويات الالتقائية بينهما".(ص 17-18).  ولمزيد من الحرص المنهجي، الذي تقتضيه البحوث الأكاديمية وتستوجبه،  وتمنيعا لإشكالات البحث وتتميما له، وتحصينا له، فقد  وعد، على غير المنجز في الموضوع، «تقديم معطيات وإحصاءات لما تم إنجازه من قِبل البرلمان المغربي بمجلسيه خلال الولاية» 2016- 2021") (ص 17-18).  

في‭ ‬كتابه: "البرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان:‭ ‬مرجعيات‭ ‬وممارسات"،‭ ‬لم‭ ‬ينسَ‭ ‬الباحث‭ ‬الحنوشي‭ ‬كذلك‭ ‬الهم‭ ‬البيداغوجي‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬علاقة‭ ‬البرلمان‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولم‭ ‬يغفل‭ ‬عنه‭ ‬وهو‭ ‬يخاطب‭ ‬قارئا‭ ‬محتملا،‭ ‬لا‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬النُّخب‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬القانون،‭ ‬والمهتمة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فحسب،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬المعنيين‭ ‬بهما‭ ‬مباشرة‭ ‬والمشتغلين‭ ‬عليهما‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يترقب‭ ‬قارئا‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬الواسع،‭ ‬مادام‭ ‬البرلمان‭ ‬ممثلا‭ ‬لإرادة‭ ‬الأمة‭ ‬وسيادتها،‭ ‬ومادامت‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬قاسما‭ ‬مشتركا‭ ‬لكل‭ ‬الناس‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬فكّ‭ ‬الخط‭ ‬والتهجي‭ ‬فيه‭. ‬ولهذه‭ ‬الاحتراسات‭ ‬الإجرائية،‭ ‬وتيسيرا‭ ‬للفهم‭ ‬والاستيعاب،‭ ‬قدم‭ ‬الباحث‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬التحليل،‭ ‬"سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭  ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأسئلة‭ ‬البرلمانية‭ ‬أو‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬للعمل‭ ‬البرلماني"،‭ ‬وعزز‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬من‭  ‬الأرقام‭ ‬والإحصاءات‭ ‬في‭ ‬جداول‭ ‬دقيقة،‭ ‬ومبيانات‭ ‬مفصلة،‭ ‬وعينه‭ ‬على‭ ‬أنواع‭  ‬القراء‭ ‬المختلفة،‭ ‬إقناعا‭ ‬أو‭ ‬تيقينا،‭ ‬حسب‭ ‬سُلم‭ ‬وعيهم‭ ‬ودرجات‭ ‬معرفتهم،‭ ‬ومداركهم‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬الموضوع‭ ‬والتفاعل‭ ‬معه‭.‬
لقد‭ ‬كانت‭ ‬حماسة‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬هذا‭ ‬البحث/‭ ‬الأطروحة‭ ‬"جامحة"،‭ ‬وكان‭ ‬إصراره‭ ‬قويا‭ ‬لتجويد‭ ‬بحثه‭ ‬وضمان‭ ‬"كماله"‭. ‬ولذلك،‭ ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬أعلاه،‭  ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬شغفه‭ ‬المعرفي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لانتمائه‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة،‭ ‬بنزوعها‭ ‬النقدي،‭  ‬وتحليلها‭ ‬العقلاني،‭  ‬أثر‭ ‬على‭ ‬مخرجات‭ ‬الكتاب‭. ‬وهكذا،‭ ‬فقد‭ ‬أبى‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬مقدمة‭ ‬بحثه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ينحاز‭ ‬إلى‭  ‬نقد‭ ‬المنجز‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬وتقييمه‭ ‬وفتح‭ ‬آفاقه،‭ ‬بقصد‭ ‬"المساهمة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الأداء‭ ‬وتقوية‭ ‬دور‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والنهوض‭ ‬بها"،‭ ‬دون‭ ‬تطرف‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬أو‭ ‬اليسار،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬مزايدات‭ ‬المزايدين،‭ ‬إيمانا‭ ‬منه‭ ‬بتاريخانية‭ ‬الحدث‭ ‬وإيجابيته،‭ ‬بلغة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العروي،‭ ‬وقناعة‭ ‬منه،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬"ملاءمة‭ ‬التشريع‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان"،‭ ‬بأن‭ ‬القيم‭ ‬الاخلاقية‭ ‬عموما،‭ ‬وقيم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عندما‭ ‬تُنقل‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تُواجه‭ ‬بالفعل‭ ‬تناقضات‭ ‬بين‭ ‬مضامينها‭ ‬السامية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬وقائع‭  ‬اليوم‭  ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬والتي‭  ‬لا‭ ‬تفتأ‭ ‬تُكذبُها‭ ‬باستمرار،‭ ‬وتُكبّدُها‭ ‬هزائم‭ ‬تلو‭ ‬الهزائم‭. ‬إنها‭ ‬تواجه‭ ‬تناقضات‭ ‬فاضحة‭ ‬بين‭ ‬الاعتراف‭ ‬"العالمي"‭ ‬بهذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬النظري،‭ ‬وبين‭ ‬تعرّضِها‭ ‬باستمرار،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلي‭ ‬للخرق‭ ‬والانتهاك‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬العالم" (الحنوشي،‭   ‬ص‭ ‬19)‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬في‭ ‬تأكيده‭ ‬والاستشهاد‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬قراءته‭ ‬لكتاب،‭ ‬أوراق‭ ‬من‭ ‬دفاتر‭ ‬حقوقي،‭ ‬لمحمد‭ ‬الصديقي‭ ‬قائلا: "الزمن‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬تبلور‭ ‬الفكرة‭ ‬وإنضاجها‭ ‬وتبنيها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬صُناع‭ ‬القرار،‭ ‬ثم‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬تنفيذها،‭ ‬زمن‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬دائما‭ ‬لاعتبارات‭ ‬موضوعية‭ ‬وعقلانية" (أوراق‭ ‬من‭ ‬دفاتر‭ ‬حقوقي،‭ ‬لمحمد‭ ‬الصديقي،‭ ‬إمتاع‭ ‬ومؤانسة،‭ ‬الوطن،‭ ‬العدد‭ ‬971 02‭ ‬فبراير‭ ‬2023)‭.‬
إن‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ويدعمه،‭ ‬ما‭ ‬يعكسه‭ ‬فهرس‭ ‬محتويات‭ ‬الكتاب،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره،‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬إهداء‭ ‬الكتاب،‭ ‬وتصديره‭ ‬وتقديمه،‭ ‬وأهمية‭ ‬القائمين‭ ‬بهما،‭ ‬وتقديم‭ ‬الباحث،‭ ‬على‭ ‬قصره‭ ‬وكثافته،‭ ‬بمثابة‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬للكتاب/‭ ‬الأطروحة،‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬بنائه‭ ‬وهيكلته،‭ ‬بلغة‭ ‬الأطروحات‭ ‬الجامعية‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬التالي،‭ ‬بعد‭ ‬استئذان‭ ‬الباحث،‭  ‬وتحت‭ ‬رقابة‭ ‬"المشرفة"‭ ‬بالقوة‭.‬
‭ ‬يتألف‭ ‬كتاب/‭ ‬الأطروحة،‭ ‬البرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مرجعيات‭ ‬وممارسات،‭ ‬لعبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي‭ ‬من‭ ‬قسمين‭ ‬متظافرين:‭ ‬أولهما،‭ ‬نظري‭ ‬تأطيري،‭ ‬بثلاثة‭ ‬فصول،‭ ‬تهتم‭ ‬ببسط‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬(الفصل‭ ‬الأول)،‭ ‬وتتبع‭ ‬مرجعية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البرلمان‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬(الفصل‭ ‬الثاني)،‭ ‬وارتباط‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والبرلمانات‭ ‬(الفصل‭ ‬الثالث)،‭ ‬ثم‭ ‬قسمٌ‭ ‬ثانٍ:‭ ‬تطبيقي،‭ ‬بسبعة‭ ‬فصول،‭ ‬يعالج‭ ‬فيها‭ ‬تجربة‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحصيلتها،‭ ‬موضوعا‭ ‬مركزيا؛‭ ‬في‭ ‬فصلها‭ ‬الأول،‭ ‬تناول‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي‭ ‬وحصيلة‭ ‬الأداء‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني،‭ ‬رصد‭ ‬الحصيلة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فيما‭ ‬عالج‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث،‭ ‬الأسئلة‭ ‬البرلمانية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭  ‬فيما‭ ‬تطرق‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭  ‬والخامس‭ ‬والسادس‭ ‬،على‭  ‬تباين‭ ‬حجمها،‭  ‬إلى‭ ‬موضوعات‭ ‬متكاملة،‭ ‬منها‭ ‬لجن‭ ‬تقصي‭ ‬الحقائق،‭ ‬والمهام‭ ‬الاستطلاعية،‭ ‬فقضايا‭ ‬حقوقية‭ ‬في‭ ‬انشغالات‭ ‬البرلمان،‭ ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬والأخير،‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬له‭ ‬مساحة‭ ‬معتبرة‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني،‭ ‬بمستجداته‭ ‬وتحولاته‭ ‬وتحدياته،‭ ‬ليختتم‭ ‬الباحث‭ ‬عمله‭ ‬هذا،‭ ‬بخاتمة‭ ‬تركيبية،‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬أكاديمي،‭ ‬بخطواته‭ ‬المنهجية‭ ‬المُقدرة،‭ ‬بعنوان:‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الختم‭. ‬ومما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الختم،‭ ‬قوله: "وبعد‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬واستقراء‭ ‬الممارسة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬خلال‭ ‬الولاية‭ ‬العاشرة" (ص218)،‭  ‬عدد‭ ‬فيها‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬بآفاق‭ ‬مفتوحة‭ ‬لبحوث‭ ‬مرتقبة‭ ‬للمهتمين،‭ ‬وطلبة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭. ‬
وإمعانا‭ ‬في‭ ‬حرص‭ ‬الباحث‭ ‬على‭ ‬الهاجس‭ ‬العلمي،‭ ‬ومقتضيات‭ ‬البحث‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬وفي‭ ‬خطوة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬فلم‭ ‬ينس‭ ‬أن‭ ‬يثب‭ ‬ملاحق‭ ‬بحثه‭ ‬وما‭ ‬تكتسيه‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬معرفية‭ ‬وتوثيقية‭ ‬وازنة‭ ‬(من‭ ‬ص‭ ‬221‭ ‬إلى‭ ‬ص283)،‭ ‬وأخيرا‭ ‬وليس‭ ‬آخر،‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬الباحث‭ ‬يقظا‭ ‬ومتوثبا‭ ‬في‭ ‬حرصه‭ ‬الشديد‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭  ‬تثبيت‭ ‬استشهاداته،‭ ‬وضبط‭ ‬مراجعه‭ ‬والإحالة‭ ‬على‭ ‬معطياتها،‭  ‬واستغلاله‭ ‬الموفق‭ ‬لمختلف‭ ‬هوامش‭ ‬الكتاب،‭ ‬شرحا‭ ‬وتوضيحا‭ ‬وتدقيقا،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬التصريح‭ ‬بمراجع‭ ‬بحثه،‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬البحوث‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬سواء‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الفرنسية‭ ‬(ص284-285)‭. ‬
إن‭ ‬كتاب،‭ ‬البرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مرجعيات‭ ‬وممارسات،‭ ‬لعبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي،‭ ‬كتاب‭ ‬بمواصفات‭ ‬أكاديمية،‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس،‭ ‬ولكن‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬الجامعة‭ ‬بمساطيرها‭ ‬المتواترة‭. ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬الهاجس‭ ‬المنهجي‭ ‬والإبستيمولوجي‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬صناعة‭ ‬الكتاب‭ ‬حاضرا‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الكتاب‭. ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومرجعياتها‭ ‬الدولية،‭ ‬والتذكير‭ ‬بمختلف‭ ‬المرجعيات،‭ ‬وأنواع‭ ‬النصوص‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬والمعاهدات،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المبادئ‭ ‬كتلك‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬بلغراد‭ ‬وباريس،‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فامتداداتها‭ ‬التداولية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البرلمانات‭ ‬العالمية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي،‭ ‬وتقويمه‭ ‬للممارسات‭ ‬الحاصلة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬طلبا‭ ‬للارتقاء‭ ‬بثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ودعهما‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬فالنهوض‭ ‬بها‭  ‬والرقابة‭ ‬عليها‭ ‬قطعا‭ ‬مع‭  ‬خرقها‭ ‬وانتهاكها،‭ ‬وتحصينا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تسييسها‭ ‬وتوظيفها‭ ‬لمآرب‭ ‬مغرضة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬ضربة‭ ‬"قاضية"‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬إذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إليها‭ ‬مُخلفات‭ ‬جائجة‭  ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬والتحديات‭ ‬الراهنة‭ ‬للثورة‭ ‬الرقمية،‭ ‬كما‭ ‬سنرى‭ ‬في‭ ‬الفقرات‭ ‬القادمة‭ .‬
لقد‭ ‬أصبح‭ ‬لزاما‭ ‬على‭ ‬الباحث‭ ‬المهتم‭ ‬بالبرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يستشرف‭ ‬المتاح‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بالجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭  ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وخطورتها‭  ‬المُحققة‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والبرلمان‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭. ‬إنها‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬المختصين‭ ‬والمعنيين‭ ‬المباشرين‭ ‬بهما،‭ ‬وأفقاً‭ ‬للتفكير،‭ ‬لما‭ ‬تشكله‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬المكتسبة،‭ ‬وما‭ ‬تتيحه‭ ‬للمبحرين‭ ‬من‭ ‬"الغفير"‭ ‬إلى‭ ‬"الوزير"‭ ‬من‭ ‬فُرص‭ ‬إنتاج‭  ‬خطاب‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والتمييز‭ ‬والقمع‭ ‬والعسف،‭ ‬والسب‭ ‬والقذف‭... ‬وتداولها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مطلب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وارتباطها‭ ‬اللزومي‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وكرامته‭ ‬(ص64)‭. ‬إن‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية،‭ ‬وظهور‭ ‬تنانين‭ ‬(Des Léviathans ) مهددة‭ ‬لسيادة‭ ‬الدولة‭ ‬ذاتها،‭  ‬ولإنسانية‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬وصعود‭ ‬المد‭ ‬الشعبوي‭ ‬المتنامي،‭ ‬بعد‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬لجائحة‭ ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬خاصة‭  ‬على‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬"شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬(ص201)،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يعرف‭ ‬بالبرلمان‭ ‬الاليكتروني‭ ‬(ص97‭ ‬من‭ ‬دليل‭ ‬عملي‭ ‬لفائدة‭ ‬اعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب)،‭ ‬يقتضي‭ ‬استحضار‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬الوجودي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تأمل‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وتقييمها،‭ ‬ودور‭ ‬البرلمان‭ ‬فيها‭. ‬
 
رابعا- البرلمان وحقوق الانسان وشبكات التواصل الاجتماعي في ظل كوفيد19 والجيل الجديد من حقوق الإنسان
 
غِرٌ‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فتحا‭ ‬من‭ ‬فتوحات‭ ‬العصر‭ ‬الراهن،‭ ‬ومُجاحد‭ ‬من‭ ‬يُنكر‭ ‬الخير‭ ‬العميم‭ ‬الذي‭ ‬بشّرت‭ ‬به‭ ‬البشرية‭ ‬وأَوْفت‭. ‬فبفضلها‭ ‬تمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬تسخير‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والطبيعة‭ ‬لصالحه،‭ ‬وأتاحت‭ ‬له‭ ‬المعلومة‭ ‬وسرعة‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ ‬ونجاعة‭ ‬تداولها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬وتحسين‭ ‬شروط‭ ‬العيش،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأمن،‭ ‬وإتاحة‭ ‬فضاءات‭ ‬افتراضية‭ ‬رحبة‭ ‬للتعبير‭ ‬الحر،‭  ‬وتوسيع‭ ‬مساحات‭ ‬التواصل،‭  ‬ونشر‭ ‬المعلومة،‭ ‬ورفع‭ ‬المشاهدة،‭ ‬خاصة‭ ‬إبان‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬كرونا‭ ‬ودخول‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬حير‭ ‬التطبيق‭. ‬إنها‭ ‬أفضال‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬أشاد‭ ‬الحنوشي‭ ‬بانعكاساتها‭ ‬"الإيجابية‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬بعد‭ ‬السماح‭ ‬ببث‭ ‬أشغال‭ ‬اللجان‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعلى‭ ‬المباشر" (ص201)،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحياة‭ ‬البرلمانية،‭ ‬واستشهد،‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الانتشاء‭ ‬والوُثوقية،‭ ‬بما‭ ‬وفرته‭ ‬مديرية‭ ‬التواصل‭ ‬والأنظمة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المنخرطين‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬اليوتوب،‭ ‬داخل‭ ‬المغرب‭ ‬وخارجه،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬تويتر،‭ ‬بل‭ ‬وشهدت‭ ‬البوابة‭ ‬الإليكترونية‭ ‬للمجلس،‭ ‬عبر‭ ‬الوسائل‭ ‬الرقمية،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬سريان‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي،‭ ‬تتبعا‭ ‬نوعيا‭.‬(ص202)‭. ‬لعله‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬الحنوشي‭ ‬إلى‭ ‬البسط‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬ومن‭ ‬مدخل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭  ‬الحجر‭ ‬الصحي،‭ ‬وجعله‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬الكتاب،‭ ‬"يوصي"‭  ‬بالعناية‭ ‬بالتحديات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الجديدة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالرقمنة،‭ ‬وحماية‭ ‬المعطيات‭ ‬الشخصية‭ ‬وإعمال‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البيولوجي‭ ‬والجيني‭...‬" (الحنوشي،‭ ‬ص220)‭.‬
لقد‭ ‬توقف‭ ‬الحنوشي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبره‭ ‬مبحثا‭ ‬من‭ ‬مباحث‭ ‬الكتاب‭ ‬عند‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه: "جائحة‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والبرلمان"‭. ‬وهو‭ ‬المبحث‭ ‬الذي‭ ‬خصه‭ ‬لكوفيد‭ ‬19‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬العالم‭ ‬"منذ‭ ‬اكتشاف‭ ‬أول‭ ‬الحالات‭ ‬بالصين‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬2019،‭ ‬وأول‭ ‬حالة‭ ‬بالمغرب‭ ‬في‭ ‬02‭ ‬مارس 2020"،‭ ‬وآثاره‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالبلاد،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬كافة‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬البرلمانية‭ ‬(ص211)‭. ‬وذلك‭ ‬تقريرٌ‭ ‬بواقعٍ‭ ‬لا‭ ‬يرتفع‭. ‬غير‭ ‬أنّي‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬مُسوغا‭ ‬معقولا‭ ‬لطريقة‭ ‬مقاربة‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬الطارئة‭ ‬والحساسة،‭ ‬لما‭ ‬انتقل‭ ‬الباحث،‭ ‬فجأة،‭ ‬وبسرعة‭ ‬البـرق‭ ‬و"البراق"،‭ ‬من‭ ‬رصد‭ ‬تعامل‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي،‭ ‬بمجلسيه،‭  ‬بهذه‭ ‬الجائحة‭ ‬وتداعيتها،‭ ‬المتعلقة‭ ‬فقط‭  ‬بذكر‭ ‬عدد‭ ‬الأسئلة‭ ‬الكتابية‭ ‬والشفوية‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬إلى‭ ‬الحكومة،‭ ‬وانتقل‭ ‬مباشرة،‭ ‬ودون‭ ‬تمهيد‭ ‬يُذكّر‭ ‬بتلخيص‭ ‬رسالة‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش،‭ ‬وعرض‭ ‬أهم‭ ‬توصياتها،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ضرورة‭ ‬حماية‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتوفير‭ ‬الرعاية‭ ‬لجميع‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الفيروس‭ ‬وتداعياته،‭ ‬ليعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي،‭ ‬وحالة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬فيُعرِّف‭ ‬المفهوم،‭ ‬وأهدافه‭ ‬المرتبطة‭ ‬ب"حماية‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬الوطني،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬القاتل‭ ‬"(ص213)‭. ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬يعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬توصيات‭ ‬الاتحاد‭ ‬البرلماني‭ ‬الدولي،‭ ‬والمفوضية‭ ‬السامية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬مطية‭ ‬لانتهاك‭ ‬الحقوق،‭ ‬اعتقالا‭ ‬أو‭ ‬قتلا‭ ‬أو‭  ‬تضليلا‭ ‬أو‭ ‬حجرا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬سبب‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة،‭ ‬و"نشر‭ ‬المعلومات‭ ‬الكاذبة‭ ‬بشأن‭ ‬كوفيد19،‭ ‬ل"يُسقط‭ ‬الطائرة"‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬المغرب،‭ ‬تمهيدا‭ ‬للتغطية‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬لكافة‭ ‬الشرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬وفقا‭ ‬للمعايير‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭.‬
طبعا،‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬الاقتراح،‭ ‬وموقع‭ ‬مناقش‭ ‬مفترض‭ ‬لهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬/‭ ‬الأطروحة،‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬فقرات‭ ‬هذا‭ ‬المبحث،‭ ‬على‭ ‬هدي‭ ‬خطة‭ ‬الكتاب‭ ‬العامة،‭ ‬بتأطير‭ ‬قضية‭ ‬الجائحة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البرلمانات‭ ‬العالمية،‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الدولية،‭ ‬والتذكير‭ ‬بتوصياتها‭ ‬وتوجيهاتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنحى،‭ ‬فالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬وتداعياتها‭ ‬الماسة‭ ‬بهذه‭ ‬الحقوق‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬وأدرعها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبرصد‭ ‬نماذج‭ ‬دالة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬والإشارة‭ ‬إليها‭ ‬بشجبها،‭ ‬وإدانة‭ ‬مقترفيها،‭ ‬وهو‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والمنتمي‭ ‬لحقل‭ ‬الفلسفة‭ ‬بنزوعها‭ ‬النقدي،‭ ‬وهو‭ ‬الناشط‭ ‬الحقوقي‭ ‬الراسخ‭ ‬الأقدام‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الحقوق‭ ‬بأجيالها‭ ‬المختلفة،‭ ‬تنظيرا‭ ‬وممارسة‭. ‬
والأعجب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬أن‭ ‬يغفل‭ ‬الحنوشي‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتاب/شهادة‭  ‬الحبيب‭ ‬المالكي،‭ ‬ديمقراطية‭ ‬التوافق،‭ ‬سنوات‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ولا‭ ‬يذكره‭ ‬البتة،‭ ‬أو‭ ‬يحيل‭ ‬عليه،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجائحة‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بها،‭ ‬سواء‭ ‬بالرقمنة‭ ‬وشبكة‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبرلمان‭ ‬وتداعيات‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬وسؤال‭ ‬التشريع‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬كتاب‭ ‬المالكي‭  ‬قد‭ ‬نُشر‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭ ‬وغطى‭ ‬الولاية‭ ‬التشريعية‭ ‬نفسها‭ ‬(2016-2021)،‭  ‬وتناول‭ ‬القضايا‭ ‬نفسها،‭ ‬وإن‭ ‬لحسابه‭ ‬الخاص،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬عميق‭ ‬صلات‭ ‬الطول‭ ‬والعرض‭ ‬القائمة‭ ‬بينهما،‭ ‬وعلماَ‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬"أصبح‭ ‬يعرف‭  ‬ب‭ ‬"البُعْدِيات"،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التشريع‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭  ‬"العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬والطب‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬والمُقبّلات‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬والمدرسة‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭..‬(ريديكير،‭ ‬ص292)،‭ ‬والتشريع‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬فالبُعد‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مسألة‭ ‬ماسة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وضارة‭ ‬بكرامته‭.‬
لقد‭ ‬تأكد‭ ‬لرئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬السابق،‭ ‬وعلى‭ ‬حين‭ ‬غِرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬جائحة‭ ‬كرونا‭ ‬"الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للرقمنة‭ ‬لما‭ ‬تتيحه‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬وتبسيط‭ ‬المساطر‭ ‬والإجراءات‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬الفاعلية‭ ‬والنجاعة‭. ‬ولقد‭ ‬مكنت‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والأنظمة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬عليها‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬التأقلم‭ ‬بسرعة‭ ‬مع‭ ‬الإكراهات‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭... ‬لهذا‭ ‬حرصنا‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الولاية‭ ‬التشريعية‭  ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬تسريع‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬بالمجلس‭..‬" (ص191)‭. ‬وعلى‭ ‬غرار‭  ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬الذكر،‭ ‬فقد‭ ‬أفرد‭ ‬الحبيب‭ ‬المالكي‭ ‬بدوره،‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬السابق،‭ ‬مبحثا‭ ‬مستقلا‭  ‬ودالاَ،‭ ‬بعنوان،‭ ‬"مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الجائحة"،‭ ‬سنقتصر‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالجائحة‭ ‬والبرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬كما‭ ‬تناولها‭ ‬الحنوشي‭ ‬نفسه‭ ‬لاستخراج‭ ‬ما‭ ‬يجب،‭ ‬ونقد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬النقد،‭ ‬واستشراف‭ ‬ما‭ ‬يعنّ‭ ‬قابلا‭ ‬للاستشراف‭.‬
كان‭ ‬الحبيب‭ ‬المالكي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬كرونا‭ ‬وتداعياتها‭ ‬التشريعية‭ ‬من‭ ‬زاوية‭  ‬مقتضيات‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭  ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الحنوشي‭ ‬بتناولها‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الصرف‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فهناك‭ ‬تقاطع‭ ‬بائنٌ‭ ‬بين‭ ‬المبحثين‭. ‬فقد‭ ‬أورد‭ ‬الحنوشي‭ ‬"عدد‭ ‬الأسئلة‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توجيهها‭ ‬الى‭ ‬الحكومة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬وتداعياتها"‭ ‬بعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬الصحية (23مارس2020)‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬التراب‭ ‬الوطني،‭ ‬مع‭ ‬ملاءمتها‭ ‬بالمعايير‭ ‬الدستورية‭ ‬والحقوقية،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬المالكي‭ ‬(ص204)‭ ‬مع‭ ‬ملاءمة‭ ‬المساطر‭ ‬وآليات‭ ‬العمل،‭ ‬وخلال‭ ‬مُدة‭ ‬الحجر‭ ‬ومتطلباتها‭  ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبسط‭ ‬توصيات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬ويُفصّل‭ ‬فيها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬شهادته‭ ‬وسياق‭ ‬سيرته‭.‬
في‭ ‬تقديري،‭ ‬كنت‭ ‬أترقب‭ ‬أن‭ ‬يُسهب‭ ‬الحنوشي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المبحث،‭ ‬أي‭ ‬مبحث‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الحاصلة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬التي‭ ‬نبهت‭ ‬إليها‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويركز‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الخروقات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلامي،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬التنقل‭ ‬وضمان‭ ‬أسبابه،‭ ‬دون‭ ‬الوصف‭ ‬البارد،‭ ‬والتصنيف‭ ‬الحيادي،‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬«الإحجام‭ ‬الذاتي»‭ ‬أحيانا‭ ‬الذي‭ ‬يطبع‭ ‬بعض‭ ‬جوانب‭ ‬المعالجة‭ ‬ويخترقها‭. ‬صحيح‭ ‬كان‭ ‬رقم‭ ‬الأسئلة‭ ‬البرلمانية‭ ‬بالمجلسين‭ ‬حول‭ ‬الجائحة‭ ‬قد‭ ‬تجاوزت‭ ‬6000‭ ‬سؤالا‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬زمني‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬السنتين،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يغير‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الانتهاكات‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المغربي‭.‬
لقد‭ ‬كانت‭ ‬الجائحة‭ ‬التي‭ ‬جثمت،‭ ‬بتعبير‭ ‬الحبيب‭ ‬المالكي،‭ ‬على‭ ‬"مختلف‭ ‬مناحي‭  ‬الحياة‭ ‬والأنشطة‭ ‬البشرية‭... ‬بصدد‭ ‬تغيير‭ ‬وجه‭ ‬العالم،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية" (ص‭ ‬210)‭. ‬وهي‭ ‬بالفعل‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسان،‭ ‬قد‭ ‬تنذر‭ ‬بضعف‭ ‬الدولة‭ ‬وزوال‭ ‬سيادتها،‭ ‬وبأفول‭ ‬الواقع‭ ‬واختفائه‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الافتراضي،‭ ‬وتقويض‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ونهايتها‭. ‬وبالتالي‭ ‬تهديد‭ ‬لمنظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬و"تقزيم"‭ ‬لدور‭ ‬البرلمانات‭. ‬فقد‭  ‬أسهمت‭  ‬كوفيد‭ ‬19‭  ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬وبدأت‭ ‬ترسم‭ ‬معالم‭  ‬إبدال‭  ‬حضاري‭ ‬جديد‭ ‬بمؤشرات‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوقه،‭ ‬حيث،‭ ‬"يعيش‭ ‬فيه‭ ‬الناس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬لها‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلاَ‭. ‬فالناس،‭ ‬كل‭ ‬الناس،‭ ‬المثقفون‭ ‬والمتعلمون‭ ‬والعامة،‭ ‬بل‭ ‬والمهمشون‭ ‬وسَفَلة‭ ‬القوم‭ ‬ودهماؤهم،‭ ‬يعبّرون‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الافتراضي‭ ‬بكل‭ ‬حريةٍ‭ ‬عن‭ ‬"آرائهم‭ ‬ويتداولون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭...‬"؛‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬قد‭ ‬أصبحوا‭ ‬"في‭ ‬الغالب‭ ‬مَن‭ ‬يُحددون‭ ‬معايير‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬والصّدق‭ ‬والأمانة‭ ‬والخيانة‭ ‬والمحظور‭ ‬والمسموح‭ ‬به،‭ ‬واستنادا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬يحكمون‭ ‬على‭ ‬القاطنين‭ ‬في‭ ‬الفايسبوك‭ ‬أو‭ ‬مَن‭ ‬يوجدون‭ ‬خارجه" (ص‭ ‬14-15 من‭ ‬مقدمة‭ ‬بنكراد)‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يوفره‭ ‬لهم‭  ‬التنين‭ ‬الجديد‭ ‬الغافام (GAFAM) وسيادته‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬"تسريع‭ ‬إستراتيجية‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي"‭.  ‬وذلك‭ ‬واقع‭ ‬جارٍ‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬في‭ ‬الخلفيات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬هيمنة‭ ‬هذا‭ ‬التنين‭ ‬الجديد،‭ ‬ورصد‭ ‬خطورته‭ ‬على‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوقه‭ ‬الفكرية‭ ‬والقانونية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والبيئية‭ ‬والنفسية‭ ‬وغيرها،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تشكله‭  ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬للحريات،‭ ‬والقضاء‭ ‬المبرم‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة،‭ ‬وحميمية‭ ‬الناس،‭ ‬وتحويلهم‭ ‬إلى‭ ‬"قطيع"،‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬حماية‭ ‬المواطنين‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة،‭ ‬وتوفير‭ ‬العلاج‭ ‬لهم،‭ ‬كما‭ ‬حالة‭ ‬المغرب،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭  ‬الحجر‭ ‬عليه‭ ‬لمراقبته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬وتلك‭ ‬انتهاكات‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومسّ‭ ‬بها‭. ‬
‭ ‬من‭ ‬تحصيل‭ ‬الحاصل‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬فتوحات‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬أفرادا‭ ‬وجماعات،‭ ‬فئات‭ ‬وطبقات‭. ‬ففضلها‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬ينكره‭ ‬إلا‭ ‬عنيد،‭ ‬إذ‭ ‬تسمح‭ ‬لكل‭ ‬الناس،‭ ‬من‭ ‬"العامي"‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬وعلى‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬بالتداول‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬"في‭ ‬السياسة‭ ‬والاجتماع‭ ‬وفي‭ ‬الموت‭ ‬والحياة‭ ‬والفضائح" (ص15‭ ‬بنكراد‭ ‬مقدمة‭ ‬شبكات)،‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الجرأة‭ ‬والشفافية‭ ‬و"النضالية"‭. ‬
فمع‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الأنترنيت‭ ‬وكل‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬المنبثقة‭ ‬عنها،‭ ‬حولت‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬كائنات‭ ‬رقمية‭ ‬استهلاكية‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬فحسب،‭ ‬سواء‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بوسائل‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وإقرار‭ ‬التواصل‭ ‬التقني‭ ‬والمتابعة‭ ‬والمساهمة،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتشريع‭ ‬والتمثيل‭ ‬والتقييم‭ ‬والرقابة‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسهب‭ ‬فيه‭ ‬كتاب‭ ‬المالكي،‭ ‬وشهادته‭ ‬حية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬واقع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬الذي‭  ‬أومأ‭ ‬إليه‭ ‬المالكي،‭ ‬بذكاء‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬"ماكرة"‭ ‬في‭ ‬تثمين‭ ‬المبادرة‭ ‬المغربية‭  ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الجائحة‭ ‬(ص‭ ‬211)،‭ ‬فيما‭ ‬أحجم‭ ‬الحنوشي‭ ‬في‭ ‬اقتحامه،‭ ‬بجرأة‭ ‬الباحث‭ ‬المنتمي‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬النقد،‭ ‬وتحطيم‭ ‬الأصنام(Des Idoles)،‭ ‬بلغة‭ ‬نيتشه،‭ ‬إذ‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬عموميات،‭ ‬وتوجيه‭ ‬نصائح‭ ‬عامة‭ ‬للسلطات،‭ ‬وتذكيرهم‭ ‬بأهمية‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لوحظ‭ ‬من‭ ‬خصاص‭ ‬وهشاشة‭ ‬ونقص‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الإمكانيات‭ ‬البشرية‭ ‬واللوجيستيكية‭ ‬والتجهيزية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬ببلادنا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭...‬"(ص‭ ‬217 الحنوشي)‭. ‬
الأمر‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬الحقوقي‭ ‬بكثير،‭ ‬فشبكة‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تهدد‭ ‬إنسانية‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتجهز‭ ‬على‭ ‬حقوقه‭ ‬المكتسبة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الحرية‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭. ‬فالقول،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬دال‭ ‬وجامع‭ ‬لريديكير:"‭ ‬إن‭ ‬الأنترنيت‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتلفزيون‭ ‬والمحاضرات‭ ‬المرئية‭ ‬والأتمة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬وسائل‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الناس‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬برهنة‭ ‬كسولة‭ ‬وغياب‭ ‬الفكر‭ ‬وجهل‭  ‬إبستيمولوجي" (ص‭ ‬220)‭. ‬ويضيف،‭ ‬وقلوبنا‭  ‬ترتجف،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭  ‬قيمة‭ ‬المساواة‭ ‬وقيمة‭ ‬العدالة،‭ ‬كقيم‭ ‬مؤسسة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬قائلا: "إن‭ ‬المساواة‭ ‬المفترض‭ ‬أنها‭ ‬بداهة‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬التفاوتات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬إن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البؤس‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬الناس‭ ‬لبعضهم‭ ‬البعض‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اهتمامها‭. ‬إنها‭ ‬تترك‭ ‬الناس‭ ‬حيث‭ ‬هم‭ ‬اقتصاديا‭. ‬إن‭ ‬المساواة‭ ‬عندها‭ ‬ليست‭ ‬اقتصادية‭ ‬ولا‭ ‬اجتماعية،‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بيولوجية" (ص‭ ‬235)‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية،‭ ‬وتحدياتها‭.‬
‭...‬"إن‭ ‬نموذج‭ ‬دولة‭ ‬الرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬(l’état providence) التي‭ ‬تأكدت‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬كوفيد‭ ‬19"،‭ ‬بتعبير‭ ‬المالكي‭ ‬(ص‭ ‬257) لا‭ ‬يمكن‭ ‬بحال‭ ‬من‭ ‬الأحوال،‭ ‬ومن‭ ‬موقع‭ ‬المحسوب‭ ‬على‭ ‬الفلسفة‭ ‬بجرأة‭ ‬نقدها،‭ ‬والإطار‭ ‬الوازن‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬بخبرته،‭ ‬والممارس‭ ‬الحقوقي‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬الحقوقيين‭ ‬بمسؤولياته،‭ ‬وانتمائه‭ ‬النضالي‭ ‬للصف‭ ‬اليساري‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التقدمي‭ ‬والتزاماته،‭ ‬وبتجربة‭ ‬وازنة‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬المدنية‭ ‬والحقوقية‭ ‬ومتطلباتها،‭ ‬أن‭ ‬يُعفي‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي‭ ‬من‭ ‬رصد‭ ‬مظاهر‭ ‬المس‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭  ‬وكرامته،‭ ‬ومراقبته‭ ‬الدائمة‭ ‬والتجسس‭ ‬عليه،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬حركاته‭ ‬وتنقلاته،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تعميم‭ ‬الحواجز‭ ‬ومنع‭ ‬التجول،‭ ‬واستصدار‭ ‬العقوبات‭ ‬والجزاءات،‭ ‬والمعاملات‭ ‬الفظة،‭ ‬وتعطيل‭ ‬الحريات،‭  ‬ومنع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬وقمعها،‭ ‬وسوء‭ ‬المعاملة،‭ ‬وممارسة‭ ‬التشريع‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬تحت‭ ‬الطلب‭ ‬والضبط‭. ‬إنه‭ ‬تقويض‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬وتحجيم‭ ‬لدور‭ ‬البرلمان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تهديد‭ ‬لمنظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬"تبدو‭ ‬أزمة‭ ‬كرونا‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لمنع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والحجر‭ ‬على‭ ‬الحرية،‭ ‬واستصدار‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة،‭ ‬وجزاءات‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية‭ ‬مع‭ ‬استقواء‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭. ‬وقد‭ ‬عبـرت‭ ‬منظمات‭ ‬دولية‭ ‬عن‭ ‬قلقها‭ ‬من‭ ‬تجاوزات‭ ‬السلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬والمغرب‭. ‬وقدمت‭ ‬الحكومة‭ ‬المغربية‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬حجر‭ ‬إليكتروني‭ ‬مقيد‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي" (245،‭ ‬عالم‭ ‬بلا‭ ‬معالم‭ ‬لحسن‭ ‬أوريد)
 
استئناف النظر  في  برلمان جديد لجيل جديد من  حقوق الإنسان
 
لقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬أصوات،‭ ‬زمن‭ ‬كرونا‭ ‬وحالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬الصحية،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬المغرب،‭  ‬تطالب،‭ ‬كما‭ ‬خلُص‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الحنوشي،‭ ‬"بعدم‭ ‬استخدام‭ ‬التدابير‭ ‬الاستثنائية‭ ‬المقررة‭ ‬لمكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كرونا‭ ‬لتغطية‭ ‬انتهاكات‭ ‬وتجاوزات‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ... ‬بحجة‭ ‬التدابير‭ ‬الاستثنائية‭ ‬والطارئة‭ ‬التي‭ ‬تعتمدها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحدي‭ ‬الهائل‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الاشخاص‭ ‬من‭ ‬كوفيد"‭ ‬(ص‭ ‬214)؛‭ ‬ولكن‭ ‬حصل‭ ‬المحظور،‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬رصده‭ ‬والتنبيه‭ ‬إليه،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي،‭ ‬"ووضع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الحظائر،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬قطيع"،‭ ‬والحكم‭ ‬عليهم‭ ‬بالإقامة‭ ‬الجبـرية‭ ‬(ريديكير،‭ ‬ص‭ ‬271)،‭ ‬ونزع‭ ‬خصوصياتهم‭  ‬وحميمياتهم،‭  ‬والحد‭ ‬من‭ ‬حركاتهم،‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جزئيات‭ ‬حياتهم،‭ ‬وتلك‭ ‬خطورة‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الجديدة،‭  ‬وتبعات‭ ‬شبكة‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬شعار‭ ‬مُضللاَ: [حياتكم‭ ‬الخاصة‭ ‬تهمنا]،‭ ‬وهي‭ ‬تُعرينا،‭ ‬ونحن‭ ‬نُوقع‭ ‬على‭ ‬عرائنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتفاقيات‭ ‬إذعان‭ ‬واستسلام‭. ‬وعليه،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نراهن‭ ‬على‭ ‬أفضال‭ ‬الرقمنة،‭ ‬وما‭ ‬تضمنه‭ ‬من‭ ‬نجاعة‭ ‬وحكامة‭ ‬جيدة‭ ‬وانفتاح" (ص‭ ‬191 المالكي)،‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬وهو‭ ‬"ويوجد‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬(الراضي،‭ ‬ص‭ ‬599) وغيـر‭ ‬البرلمان،‭ ‬دون‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬مخاطرها،‭ ‬وما‭ ‬تشكله‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬للإنسان‭ ‬وحقوقه،‭ ‬ومن‭ ‬تأزيم‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وشلٍّ‭ ‬لآلياتها،‭ ‬ومن‭ ‬ترويج‭ ‬للأخبار‭ ‬الكاذبة‭ ‬وآثارها‭ ‬المدمرة،‭ ‬ومن‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العراء‭ ‬والتلصص،‭ ‬والثرثرة،‭ ‬والخواء‭ ‬الإنساني،‭ ‬ومن‭ ‬إذكاء‭ ‬النزوع‭  ‬الشعبوي‭ ‬وتهديده‭ ‬للديمقراطية‭ ‬واستقرار‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ومن‭ ‬منافسة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬وقضم‭ ‬سيادتها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬لمنظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وللإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬إنسانيته؟/‭.‬