الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

المغرب وفرنسا فـي قلب الصراع الجيوستراتيجي الدولي حول إفريقيا

المغرب وفرنسا فـي قلب الصراع الجيوستراتيجي الدولي حول إفريقيا إن‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬والمغرب‭ ‬يستند‭ ‬تحديدا‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬الجيوستراتيجي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا
لم‭ ‬تعد‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬باريس‭ ‬والرباط‭ ‬أزمة‭ ‬صامتة‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬كل‭ ‬الوقائع‭ ‬الحالية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعززه‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬مؤامرات‭ ‬مكشوفة‭ ‬تتجه‭ ‬كلها‭ ‬نحو‭ ‬عرقلة‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬المغرب‭ ‬لإنجاز‭ ‬شراكاته‭ ‬الجديدة‭ ‬وتنويعها‭ ‬وتطويرها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬توجهاته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومصالحه‭ ‬السياسية‭ ‬والوطنية‭. ‬
فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انزعاج‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬«التحول‭ ‬في‭ ‬النبرة‭ ‬المغربية»‭ ‬بخصوص‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء،‭ ‬بعد‭ ‬اعتراف‭ ‬واشنطن‭ ‬بمغربية‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬ودعمها‭ ‬الصريح‭ ‬لمقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬«الاختيار»‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الراحة‭ ‬«المنزلة‭ ‬بين‭ ‬المنزلتين»‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الاصطفاف،‭ ‬هناك‭ ‬معطى‭ ‬آخر‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية،‭ ‬ويقع‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬المتصاعدة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالحضور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي‭ ‬الإفريقية‭ ‬«الغرب‭ ‬الإفريقي»،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬احتكاك‭ ‬مباشر‭ ‬وعلني‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬تعتبر‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وأيضا‭ ‬المغرب،‭ ‬امتدادا‭ ‬طبيعيا‭ ‬لها،‭ ‬وأنه‭ ‬بموجب‭ ‬«قوانين‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد»‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬منافس‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬الإفريقي‭. ‬
فقد‭ ‬أطلق‭ ‬المغرب‭ ‬استثمارات‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬كوت‭ ‬ديفوار،‭ ‬وتشاد‭ ‬والسنغال‭ ‬والغابون‭ ‬ومدغشقر‭ ‬والكاميرون‭ ‬وموريشيوس‭ ‬وغيرها‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أهله‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬المستثمر‭ ‬الإفريقي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬القارة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استهداف‭ ‬تطوير‭ ‬القطاع‭ ‬البنكي‭ ‬لتسهيل‭ ‬ولوج‭ ‬الشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬للتمويل،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬صناعة‭ ‬الأدوية،‭ ‬وتقوية‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬والكهرباء‭ ‬والسكن،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬المردودية‭ ‬الفلاحية‭ ‬عبر‭ ‬إطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬لتسميد‭ ‬التربة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجمع‭ ‬الشريف‭ ‬للفوسفاط‭. ‬كما‭ ‬كثّف‭ ‬المغرب‭ ‬تواجده‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬للنفوذ‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مضاعفة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الثنائية،‭ ‬والدفع‭ ‬بمسلسل‭ ‬التعاون‭ ‬الأفريقي‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معادلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عادلة‭ ‬«رابح‭ ‬–‭ ‬رابح»،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مسعى‭ ‬إنشاء‭ ‬تكتل‭ ‬اقتصادي‭ ‬إفريقي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الحيوية‭ ‬للقارة‭.‬
لم‭ ‬تنظر‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬بعين‭ ‬«الشريك»‭ ‬و»الحليف»،‭ ‬بل‭ ‬بمنطق‭ ‬السيد‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬«خادمه»‭ ‬على‭ ‬جرأته،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬تأديبه‭ ‬وإعادته‭ ‬إلى‭ ‬جادة‭ ‬الخضوع،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬حوصرت‭ ‬بفطنة‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الحاكمين‭ ‬الأفارقة‭ ‬وإدراكه‭ ‬لازدواجية‭ ‬معاييرها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬«ثقة‭ ‬حقيقية»‭ ‬تتسع‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭. ‬ولهذا،‭ ‬ففرنسا‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬كمنافس‭ ‬استولى‭ ‬على‭ ‬«مصالحها‭ ‬الحيوية»‭ ‬في‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة،‭ ‬علما‭ ‬أنها‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬يجنح‭ ‬نحو‭ ‬التغيير‭ ‬الشامل،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬دخول‭ ‬فاعلين‭ ‬آخرين‭ ‬وقوى‭ ‬عظمى،‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬وتركيا،‭ ‬للتنافس‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الإفريقية،‭ ‬مما‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬إفريقيا‭ ‬الآن‭ ‬أصبحت‭ ‬مسرحاً‭ ‬لصراع‭ ‬النفوذ‭. ‬فأين‭ ‬فرنسا‭ ‬الماكرونية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصراع؟
لقد‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬فرنسا‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬هينة‭ ‬بوجود‭ ‬المغرب‭ ‬القريب‭ ‬بشكل‭ ‬لبس‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الاتفاق‭ ‬الثلاثي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬صعوبة‭ ‬المهمة‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬نفوذها‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينافاسو‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مخطط‭  ‬مراجعة‭ ‬واشنطن‭ ‬لسياساتها‭ ‬تجاه‭ ‬«القارة‭ ‬السمراء»،‭ ‬والذي‭ ‬اتضحت‭ ‬معالمه‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬القادة‭ ‬الأمريكية–الإفريقية،‭ ‬منتصف‭ ‬دجنبر 2022؛‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬التموقع‭ ‬الجديد‭ ‬لـ‭ ‬«الدب‭ ‬الروسي»،‭ ‬عبر‭ ‬«قوات‭ ‬فاغنر»،‭ ‬وأيضا‭ ‬عبر‭ ‬الجولات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬يها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي،‭ ‬سيرجي‭ ‬لافروف،‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وذلك‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬موطء‭ ‬قدم‭  ‬في‭ ‬القارة،‭ ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بقوة‭ ‬وبصمت‭.‬
واضح‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يفوز‭ ‬بإفريقيا‭ ‬كبير‭ ‬جدا،‭ ‬وواضح‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬تتعرض‭ ‬لـ «سقوط‭ ‬حر»‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬«التدافع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬«القارة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬خيرات‭ ‬طبيعية‭ ‬هائلة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬التموقع‭ ‬الوازن‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الدولية‭. ‬إن‭ ‬فرنسا،‭ ‬تبعا‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬ومعها‭ ‬أوروبا،‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬لحماية‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭ ‬هو‭ ‬مصادرة‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الوليدة‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭ ‬هو‭ ‬التضحية‭ ‬بحليف‭ ‬تقليدي‭ ‬قوي‭ ‬اسمه‭ ‬المغرب،‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬أعلن‭ ‬تحلله‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬«شراكة‭ ‬خادعة»‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬الهيمنة،‭ ‬وانفتاحه‭ ‬على‭ ‬منافذ‭ ‬جديدة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬ودافعة‭ ‬للمصالح‭ ‬المغربية‭ ‬الحيوية‭.‬
إن‭ ‬فرنسا،‭ ‬أمام‭ ‬فقدانها‭ ‬لمواقعها‭ ‬العسكرية‭ ‬وأدوارها‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تحوّل‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬«عامل‭ ‬مناولة»‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬فاعلا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬موثوقا،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬لأنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بوجود‭ ‬رمزي‭ ‬كبير،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمبادرات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭. ‬وهذا‭ ‬أحد‭ ‬الأوجه‭ ‬الذي‭ ‬ترى‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬بوسعها‭ ‬أن‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭. ‬فباريس‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬إلا‭ ‬بالاتكال‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬لكنها‭ ‬تريد،‭ ‬أولا،‭ ‬أن‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬«مُجنَّد»،‭ ‬وأن‭ ‬تفرض‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضرب‭ ‬طوق‭ ‬عليه،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تسليط‭ ‬المقنبلات‭ ‬الإعلامية‭ ‬عليه،‭ ‬وإقحامه‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬اتهام‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬للفكاك‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬إعلان‭ ‬الطاعة‭.‬
هذا‭ ‬هو‭ ‬خطأ‭ ‬ماكرون‭ ‬الفاصل‭. ‬فقد‭ ‬ظن‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬حبل‭ ‬الابتزاز‭ ‬طويل،‭ ‬وأن‭ ‬«البلطجة‭ ‬السياسية»‭ ‬هي‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬المجد‭ ‬الاستعماري‭ ‬الغابر،‭ ‬ونسي‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬المغرب‭ ‬الحالية‭ ‬تشكلت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدمقرطة‭ ‬وتحديث‭ ‬نسق‭ ‬السلطة،‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عودته‭ ‬الناجحة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬وتغيير‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬لمواقفهما‭ ‬تجاه‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشراكات‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬واليابان‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬واللاتينية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬العمق‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬التي‭ ‬يحظى‭ ‬فيها‭ ‬المغرب‭ ‬بوجود‭ ‬كبير‭.‬
لقد‭ ‬اختارت‭ ‬فرنسا‭ ‬الأسلوب‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬أعلنت‭ ‬تحيزها‭ ‬صراحة‭ ‬لوضع‭ ‬أسس‭ ‬حيوية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬سليمة‭ ‬شرطاً‭ ‬لإقامة‭ ‬الشراكات‭. ‬إن‭ ‬الخطأ‭ ‬وقع‭ ‬من‭ ‬نواحٍ‭ ‬كثيرة،‭ ‬أولها‭ ‬الغطرسة‭ ‬وممارسة‭ ‬حرب‭ ‬«الفيزا»‭ ‬على‭ ‬المغاربة،‭ ‬واستدعاء‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وإهانة‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمنيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬قبل‭ ‬الارتماء‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬فاضح‭ ‬في‭ ‬حجر‭ ‬«جزائر‭ ‬الغاز»‭ ‬و«جزائر‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬التسلح»‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المغرب،‭ ‬بل‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬معادية‭ ‬بدءا‭ ‬بـ‭ ‬«اختراع»‭ ‬فضائح‭ ‬وهمية،‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬«قضية‭ ‬بيغاسوس»‭ ‬و«قطر‭ ‬غيت»‭ ‬و«ملفات‭ ‬الصحافيين»‭.. ‬إلخ،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بمنع‭ ‬المسؤولين‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭. ‬
لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬فرنسا،‭ ‬ومعها‭ ‬أوروبا،‭ ‬أنها‭ ‬فاشلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تدبير‭ ‬الأزمات‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬كما‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬تفتقد‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬كبير‭ ‬إلى‭ ‬رصيد‭ ‬أخلاقي‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭  ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬الفكر‭ ‬الاستعماري،‭ ‬ومن‭ ‬عقلية‭ ‬الابتزاز‭ ‬الذي‭ ‬تستعمله‭ ‬كحبل‭ ‬حول‭ ‬أعناق‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة‭.‬
إن‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬والمغرب‭ ‬يستند‭ ‬تحديدا‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬الجيوستراتيجي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬الخاطئة‭ ‬لاشتراطات‭ ‬الرباط‭ ‬بخصوص‭ ‬ضرورة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالصحراء‭ ‬المغربية‭. ‬فالشرط‭ ‬المغربي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بأية‭ ‬حال‭ ‬الهرولة‭ ‬نحو‭ ‬«كابرانات»‭ ‬الجزائر،‭ ‬والدفع‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬تسخير‭ ‬عائدات‭ ‬الغاز‭ ‬لوقف‭ ‬الزحف‭ ‬المغربي‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬القارة‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬العمل‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسر‭ ‬ضلوع‭ ‬الرباط‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬كسر‭ ‬الأضلاع‭ ‬لن‭ ‬تؤدي‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬الرهان‭ ‬الجيوستراتيجي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تخلي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‭ ‬التنافسي‭ ‬المكثف‭.‬