الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد هرار: مغاربة العالم.. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!

محمد هرار: مغاربة العالم.. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! محمد هرار

دأب خمسة ملايين من مغاربة العالم على القيام بالأدوار الطّلائعيّة والأنشطة ذات الصّلة بالمال والأعمال للمساهمة في تنميّة دخل المملكة المغربيّة، حتّى أصبحوا، كما تبيّن الإحصائيّات، من أهمّ ركائز ودعائم اقتصاد البلاد. وقد تمثّلت هذه التّمويلات في محاور ثلاثة أضلع يمكن حصرها كما يلي:

أوّلا: التّحويلات المنتظمة التي لم تعرف - ولله الحمد والمنّة – أيّ فتور أو تراجع، بل استرسلت حتّى في فترات الأزمات والتّوتّرات العالميّة. إذ لم تتأثّر بجائحة كورونا ولا حتّى بحرب روسيا على أوكرانيا التي بدا تأثيرها واضحا جليّا على تراجع الاقتصاد العالميّ عموما.

وحسب برنامج شباب في الواجهة التي تقدّمه القناة الثّانية؛ فإنّ تحويلات مغاربة العالم بلغت بحول الله وقوته، حسب مكتب الصّرف مائة (100) مليار درهم سنويّا، منها ستّون بالمائة (60 %) في شكل مساعدات لأسرهم وأقاربهم، وعشرة بالمائة (10 %) كاستثمارات في مجالات مختلفة، وثلاثون بالمائة (30 %) كودائع ثابتة.

ثانيا: الودائع الثّابتة والمستقرة، وهي كما بيّنّا أعلاه ثلاثين بالمائة (30 %) من جملة التّحويلات.

ثالثا: الاستثمارات ومداخيل تنقّل مغاربة العالم على مدار السّنة من وإلى المغرب، وخاصّة أوقات الذّروة، أي في فصل الصّيف وخلال المناسبات الدّينيّة..

وقد وصلت ودائع مغاربة العالم في البنوك المغربيّة إلى حوالي (200) مائتي مليار درهم. وتمثل تحويلاتهم المباركة، مصدرا لا يُستغنى عنه في دعم العملة الصّعبة التي تغطّي حوالي ستّة أشهر لتأمين واردات المغرب من السّلع والموادّ الأساسيّة التي لا غنًى لبلدنا الحبيب عنها.

 وبناء على ما تقدم؛ فإن لهذه الفئة التي تمثل 15 إلى 17 بالمائة من المجتمع المغربي حقوقا كفلها دستور 2011 المتقدّم، وينبغي من باب ردّ الجميل على الأقلّ تسريع تنزيل البنود المتعلّقة بالمشاركة السّياسيّة، وإشراك مغاربة العالم في المؤسّسات الدّستوريّة وهيئات الحكامة، انطلاقا من بلدان الاحتضان والإقامة، ترشيحا وتصويتا، وهو ما من شأنه العمل على خدمة مصالحهم عن قرب، بما يتوافق وتطلّعاتهم وانشغالاتهم، كونهم يقيمون في بلدان تعرف سرعة فائقة في مجال الرّقمنة والتّطور التّكنولوجيّ السّريع في جميع مناحي الحياة الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة.

 

ولمّا كان المال هو عصب الاقتصاد، ولمّا كثرت في المجال الكفاءات في مغاربة العالم؛ فقد رجونا أن يستفيد المغرب من هذه الكفاءات لا سيّما في هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها العالم أجمع.

وانطلاقا ممّا أكّد عليه عاهل البلاد الملك محمد السّادس، في كثير من خطبه ذات العلاقة بمغاربة العالم؛ إذ وضعت خطبه السّامية خارطة طريق ومرتكزات وجب اعتمادها من أجل سياسة عموميّة واضحة ومندمجة، تصبّ في خدمة تدبير شؤون ما يفوق خمسة ملايين من رعاياه في الخارج؛ فإنّا نبارك ما جاء فيها ونراه مرتكزا يرسّخ علاقة مغاربة العالم بالهويّة المغربيّة الأصيلة، ويقوّي الارتباط الثّقافيّ والروحيّ ويعزّزهما.

تجب المراهنة هنا على الأجيال الجديدة، والعمل الدّؤوب على تمتين علاقتهم ببلادهم روحيّا وثقافيّا، حتّى يظلّون على خطوات آبائهم وأجدادهم يشعرون بواجب التّآزر وواجب المساهمة المادّية في بناء بلادهم دون انقطاع، فيظلّون بذلك رافعة ثابتة من روافع تنمية اقتصاد المملكة المغربيّة.

إنّها مراهنة تجعل من الواجب التّفكير في آفاق جديدة وواعدة، يتوقّف تنزيلها ونجاحها على الابتعاد ما أمكن عن سياسة المركز الدّاعم للجمود، وابتكار طرق جديدة نشطة متحرّكة يمكن أن تواكب تطلّعات مغاربة العالم وتدعم مبادراتهم ومشاريعهم الاستثمارية الحيويّة..

إنّ دور مغاربة العالم كبير وفعّال لا ينكره أو يجادل فيه إلاّ مماحك. فإنّهم بالإضافة إلى بذل الجهد في تقوية علاقات التّعاون البنّاء بينهم وبين بلدهم الأمّ المغرب عبر استثمارات متعدّدة، علاوة على مساهماتهم الذّاتية المعهودة، يقومون ثابتين بالدّفاع عن مصالح المغرب التي لا تقبل التّنازل في المحافل والمنظّمات الدّوليّة، بما أوتوا من قوة الحجّة وأدوات الإقناع، فيما يسمّى الدّبلوماسية الموازية، جاعلين من قضيّة الوحدة التّرابيّة أمّ الأولويات والقضايا؛ متصدّين لجميع المناورات والمؤامرات التي تحاك ليلا نهارا، سواء من جهة أعداء الوحدة التّرابية أو ممّا يصدر من حين لآخر من مواقف بعض دول الغرب البائسة، التي لم تتخلّص بعدُ من عقليّة ماضيها الاستعماري المظلم.

فالله الله في هذه الفئة (مغاربة العالم) افسحوا لها مجال المساهمة في الحياة السّياسيّة، فإنّ ذلك يزيد من تنمية شعورها بالانتماء وإنّ ذلك حقّا دستوريّا، وهو إلى ذلك ضرب من ردّ الجميل. وما جزاء الإحسان إلّا الإحسان!..